عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 22-11-2016, 10:32 PM   #9
معلومات العضو
ريحانة مغربية

افتراضي

الطريق الى قبول الأعمال (7) الصبر والشكر


نكمل ما توقفنا عنه من صلاح النفس وكنا قد توقفنا عند أنواع النفس ( اللوامة ....والمطمئنة - والأمارة بالسوء)
ونأتي اليوم الى الصبر والشكر



من المعلوم أن الإيمان نصفين
نصف صبر ونصف شكر وفى كل خير
وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ((عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)) رواه الإمام مسلم في صحيحة



فالله سبحانه وتعالى جعل الصبر حصنا حصينا لا يهدم .وجندا غالبا لا يهزم وبلغ الصابرين أنه معهم بهدايته ونصرة وفتحه المبين فقال ** وَاصْبِرُوَاْ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ**(46) الأنفال



وجعل الله الإمامة فى الدين منوطة بالصبر واليقين فقال: **وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ**(24)السجدة
وجعل الفلاح والصلاح بالصبر والتقوى
فقال : {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتّقُواْ اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ**(200) آل عمران
ثم بشرهم الله ** وَبَشّرِ الصّابِرِينَ**(155) **الّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنّا للّهِ وَإِنّـآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ**(156) **أُولَـَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مّن رّبّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ**(157)البقرة
ثم أحبهم ** وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ** آل عمران(146)



ثم جعل الفوز بالجنة والنجاة من النار هى هديتهم . **إِنّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوَاْ أَنّهُمْ هُمُ الْفَآئِزُونَ**(111) المؤمنون



ومن المعلوم أنه لا إيمان لمن لا صبر له
وإن وجد كان ضعيفا واهنا ويكون صاحبه ممن عبدوا الله على حرف فإن أصابه خير اطمئن وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه فخسر الدنيا والآخرة .



أما المؤمنين الذين أدركوا عيشة السعداء بصبرهم ..فسيحلقون بين جناحي الصبر والشكر الى جنات النعيم غير وجلين ..



وحقيقة الصبر تتجلى فى حبس النفس عن الجزع واللسان عن التشكي ..



وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها ..



وقيل فيه : ( الصبر هو الوقوف مع البلاء بحسن الأدب )
وقيل : إذا شكوت الى ابن آدم إنما
تشكى الرحيم الى الذي لا يرحم ...



وهذا يأخذنا الى الشكوى ونقسمها الى نوعين
1- الشكوى الى الله عز وجل وهى لا تنافى الصبر
كقول يعقوب عليه السلام : **قَالَ إِنّمَآ أَشْكُو بَثّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ**(86)
وكقوله : ** فَصَبْرٌ جَمِيلٌ **(83)يوسف
2- شكوى المبتلى بلسان الحال فهذة لا تجامع الصبر ..بل تضادة وتبطله ..
فمساحة العافية أوسع للعبد من مساحة الصبر قبل البلاء
ومساحة الصبر أوسع للعبد بعد البلاء
ولذلك كان الصبر عن محارم الله أيسر.... من الصبر على عذابه
والنفس لها قوتان
قوة الإقدام .......وقوة الإحجام.



فحقيقة الصبر أن يجعل قوة الإقدام مصروفة الى ما ينفعه
وقوة الإحجام مسخرة للإحجام عما يضرة .
ولذلك نجد فى هذا العجب !!!!
فمن الناس من يصبر على قيام الليل ومشقة الصيام ...ولا يصبر على نظرة محرمة
ومنهم من يصبر على النظر للمحرمات ..ولاصبر له على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ..
والصبر أقسام :
• الصبر على الأوامر والطاعات ليؤديها
• الصبر على النواهي والمخالفات حتى لا يقع فيها .
• الصبر على القضاء ..حتى لا يسخط .
وفى ذلك قيل : ( لابد للعبد من أمر يفعله..ونهى يجتنبه....وقدر يصبر عليه )
وهو ينقسم أيضا الى :
• إختيارى : وهو أكمل ..كما حدث مع صبر يوسف عليه السلام عن مطاوعة امرأة العزيز... فهو ملك نفسه
• اضطراري : وهو صبره على ما ناله من إخوته لما ألقوه فى الجب ...



ومن هنا نجد أن الصبر يلزم الإنسان حتى الممات
لأنه فى الحياة يتقلب بين أمر يجب تنفيذه...ونهى يجب اجتنابه ...وقدر يجرى عليه اتفاقا ..
وهنا لا يخلو الأمر من أمرين إما أن يوافق الأمر هواه أو يخالفه ...وهو محتاج للصبر فى كل منهما .
فمثلا حتى نفهم ذلك ...
الصحة والمال والجاه والأولاد هى موافقات للهوى والنفس ...لكن الإنسان أحوج للصبر فيهم من وجوه..
1- أن لايركن أليها ويغتر بها ..فتكون سببا فى هلاكه
2- أن لا ينهمك فى نيلها والتمتع بها ..
3- أن يصبر على أداء حق الله فيها .
4- أن يصبر عن صرفها من الحرام .



وقال عبد الرحمن بن عوف : ( ابتلينا بالضراء فصبرنا ...وابتلينا بالسراء فلم نصبر) ...سبحان الله كان تحذير الله من هذه الفتنة ....
**يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ**(9) المنافقون



أما النوع الثاني المخالف للهوى ..فينقسم الى ثلاثة أقسام :



1- ما يرتبط باختيار الشخص ...فحتى العبادات والطاعات محتاجة للصبر عليها ..لأن النفس تنفر بطبيعتها عن كثير من العبودية ..خصوصا إذا صحبها الميل الى الشهوات ومخالطة رفاق السوء ..
فالصلاة ....يكون نفورها إيثار الكسل.
والزكاة .....يكون نفورها .البخل والشح.
والحج......يكمن نفورة..فى الكسل والبخل .



والعبد هنا يحتاج للصبر فى ثلاث أحوال :
• قبل الشروع فى الطاعة : وذلك بتصحيح النية والإخلاص فى الطاعة
• حين الشروع فى الطاعة : بالصبر على دواعي التفريط والتقصير ..ولا تعطله قيام الجوارح بالعبودية عن حضور قلبه وخشوعه.لرب العالمين .
• بعد الفراغ من الطاعة : فهنا ليس المهم ألإتيان بالطاعة ..بل المهم حفظها مما يبطلها ويصبر على نقلها من السر الى العلانية .
فإن العبد يعمل العمل سرا بينه وبين الله سبحانه وتعالى فيكتب فى ديوان السر فإن تحدث به نقل من ديوان السر الى ديوان العلانية ..فينقص الأجر .



2- ما ليس للعبد فيه يد ولا حيله لدفعه ...
كالمصائب ..وهى إما من صنع آدمي كالإيذاء والسب والضرب ..وإما من القدر ..الموت والمرض ....
وهنا ما يصيب الإنسان من الله فله فيه 4 مقامات :
العجز وهو الجزع والشكوى .....الصبر ....الرضي ....الشكر .
وما يصيبه من الناس له ما سبق يضاف إليه ..
مقام العفو ...سلامة الصدور من التشفي ...مقام الإحسان إلى المسيء ..
ونأتي الى فضائل الصبر
فعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من يرد الله به خيرا يصب منه ...رواه البخاري ومالك فى الموطأ
وعن أم المؤمنين عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : مامن مصيبة تصيب المؤمن إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها ......رواه البخاري



ومرض أبو بكر رضي الله عنه فقالوا ( ألا ندعو لك الطبيب) فقال قد رآني الطبيب قالوا فأي شيء قال لك ؟ فقال : إني فعال لما أريد .....!
ولما أرادوا قطع رجل عروة ابن الزبير قالوا له : (لو سقيناك شيئا كيلا تشعر بالوجع) فقال : إنما إبتلانى ليرى صبري أفأ عارض أمره ؟؟! سبحان الله



ونأتي للشكر
فيدور حول ثلاثة أركان لا يكون شكرا إلا بها مجموعين
• الاعتراف بالنعمة باطنا
• التحدث بها ظاهرا
• الاستعانة بها على طاعة الله.



ووسائله ثلاثة : اللسان والقلب والجوارح
فاللسان للحمد والثناء
والقلب للمحبة والمعرفة
والجوارح لاستعمالها في طاعة المشكور والكف عن المعاصي .



وكما قرن الصبر بالإيمان قرن الشكر كذلك
{مّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً**(147) النساء



وقسم الناس الى ( شكور ....وكفور )
{إِنّا هَدَيْنَاهُ السّبِيلَ إِمّا شَاكِراً وَإِمّا كَفُوراً**(3) الإنسان
{وَإِذْ تَأَذّنَ رَبّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنّكُمْ **(7) إبراهيم



فهنا المزيد لا نهاية له ويلاحظ من قوله تعالى مطلقا :
** وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ**(145) آل عمران



فى حين أن الله سبحانه وتعالى أوقف كثيرا من الجزاء على المشيئة
** فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ **(28) التوبة 28
** وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ **(40) المائدة
** وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَىَ مَن يَشَآءُ **(15) التوبة



وعرف ابليس اللعين قدر مقام الشكر فسعى لقطع الناس وإلهائهم عنه فقال:
{ثُمّ لاَتِيَنّهُمْ مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ**(17) الأعراف
وظهر أنهم قله فى قوله سبحانه وتعالى :
** وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِيَ الشّكُورُ**(13) سبأ



وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حتى تفطرت قدماه فقيل له : أتفعل هذا وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟
قال أفلا أكون عبدا شكورا ....رواه البخاري ومسلم



ومن ما قيل فى هذا المقام :
كان أبو المغيرة : إذا قيل له كيف أصبحت يا أبا محمد ؟ يقول أصبحنا مغرقين في النعم عاجزين عن الشكر ...يتحبب إلينا ربنا ..وهو غني عنا ...ونتمقت إليه ونحن إليه محتاجون .



وقال رجل لأبى تيميه :
كيف أصبحت؟ فقال أصبحت بين نعمتين ...لا أدرى أيتها أفضل ..ذنوب سترها الله على فلا يستطيع أن يعيرني بها أحد ..ومودة قذفها الله في قلوب العباد لا يبلغها عملي ...!! سبحان الله



وكتب بعض العلماء الى أخ له
فقال : أما بعد فقد أصبح بنا من نعم الله مالا نحصية مع كثرة ما نعصيه ..فما ندرى أيهما نشكر أجميل ما يَسّر أم قبيح ما ستّر .



اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ..واجعلنا من الصابرين القانتين المستغفرين بالأسحار ..واجعل ألسنتنا رطبة بشكر نعمك التي لا تحصى واجعلنا بها جديرين ..
وقوينا على الصبر على الطاعات وعلى المعاصي وأشدد أزرنا ولا تلكنا لأنفسنا طرفة عين ..يا أرحم الراحمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

كتبه فضيلة الشيخ نشأت حسن رحمه الله و أسكنه فسيح جناته
يتبع إن شاء الله

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة