عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 22-11-2016, 09:24 PM   #7
معلومات العضو
ريحانة مغربية

افتراضي


الطريق الى قبول الأعمال (5) الزهد فى الدنيا

تكلمنا سابقا عن الأغذية النافعة للقلب ولحياته..وهى ذكر الله والاستغفار وقيام الليل والصلاة على النبي والدعاء
ونأتي اليوم إلى سادسا وهى ربما تكون أصعبهم على النفس..وهى الزهد في الدنيا وتبيان حقارتها..
فمعنى الزهد : هو انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه ..أو الإعراض عن الشيء لاستقلاله واحتقاره وارتفاع الهمة عنه ..فيقال (شيء زهيد اى رخيص حقير)
وقد مدح القرآن الزهد فى الدنيا وذم الرغبة فيها .
فقال تعالى:{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا**( {وَالاَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىَ**(16-17) الأعلى
وقال : ** تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الاَخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ**(67)الأنفال
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا شربة ماء)... ( رواه الترمذي)
وعن شداد الفهري عن النبي أنه قال : (ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بما يرجع)... ( رواه مسلم وابن ماجة )
والزهد من أعمال القلوب وليس من أعمال الجوارح ...وقسم الى ثلاث ولذلك قال يونس بن ميسرة ( ليس الزهادة فى الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن الزهادة فى الدنيا أن تكون بما فى يد الله أوثق منك بما فى يدك وأن تكون حالك فى المصيبة وحالك إذا لم تصب سواء وأن يكون مادحك وذامك فى الحق سواء )
فهنا ظهر أولا : أن يكون العبد بما فى يد الله أوثق منه بما فى يد نفسه ..وهذا ينشأ من صحة اليقين
وقال بن مسعود رضي الله عنه: ( اليقين أن لا ترضي الناس بسخط الله ولا تحسد أحدا على مالم يؤتك الله ..فإن رزق الله لا يسوقه حرص حريص.. ولا يرده كراهية كاره ، فإن الله بقسطه وعلمه وحكمته جعل.. الروح والفرح فى اليقين والرضي.. وجعل الهم والحزن فى السخط والشك )
ثانيا: أن يكون العبد إذا أصيب بمصيبة فى دنياه من ذهاب مال أو ولد أو غير ذلك أرغب فى ثواب الآخرة مما ذهب منه فى الدنيا ..
وقال علي رضي الله عنه : (من زهد فى الدنيا هانت عليه المصيبات )
ثالثا : أن يستوي عند العبد حامدة وذامُه فى الحق لأنه إذا عظمت الدنيا عند العبد اختار المدح وكرة الذم وربما حمله ذلك على ترك كثير من الحق خشية الذم وعلى فعل كثير من الباطل رجاء المدح .
وقال إبراهيم ابن أدهم الزهد ثلاث أقسام
•زهد فرض وهو الزهد فى الحرام
•زهد فضل وهو الزهد فى الحلال
•زهد سلامة وهو الزهد فى الشبهات
فكل من باع الدنيا بالآخرة فهو زاهد فى الدنيا وكل من باع الآخرة بالدنيا فهو زاهد أيضا لكن فى الآخرة !!
وللزهد درجات ثلاث
1-الذي يزهد فى الدنيا وهو لها مشته وقلبه إليها مائل ..ولكنه يجاهد نفسه ويعفها .وهو المتزهد.




2-والذي يترك الدنيا طوعا لإستحقاره إياها بالإضافة إلى ما طمع فيه ولكنه يرى زهده ويلتفت إليه كالذي يترك درهما لأجل درهمين ..ويترك الرخيص أملا فى أن ينال الغالي



3-والذي يزهد فى الدنيا طوعا ..ويزهد فى زهده ..ولا يرى أنه ترك شيئا ..كمن ترك قطعة زجاج وأخذ جوهرة ..
ذم الدنيا :
لابد من العلم بأن ذم الدنيا الوارد فى الكتاب والسنة راجعا إلى زمانها الذي هو الليل والنهار المتعاقبان إلى يوم القيامة ..والذم هنا راجع إلى أعمال بنى آدم الواقعة فى الدنيا التي غالبا ما يقع على غير الوجه الذي تحمد عاقبته .
كما قال عز وجل {اعْلَمُوَاْ أَنّمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلاَدِ **(20)الحديد
وإنقسم البشر فى الدنيا قسمين
الأول : أنكر أن للعباد دار بعد الدنيا للثواب والعقاب وهمهم التمتع بملذات الدنيا قبل الموت وهؤلاء قال فيهم رب العالمين :
** وَالّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ وَالنّارُ مَثْوًى لّهُمْ**(12)محمد



الثانى: من أقر بدار بعد الموت للثواب والعقاب وهم المنتسبون إلى الرسل وينقسموا إلى :
•ظالم لنفسه ..وهؤلاء أهل اللعب واللهو والزينة ..صارت الدنيا أكبر همه بها يرضي وبها يغضب ولها يوالى ولها يعادى ..ولم يقعوا على حقيقة أن الدنيا دار التزود بالزاد للآخرة .
•المقتصد : من أخذ من الدنيا المباح وأدى واجبها وأمسك لنفسه الزائد على الواجب يتوسع به فى التمتع بشهوات الدنيا ..وهو لا عقاب له لكنه ينقص من الدرجات .وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( لولا أن تنقص من حسناتي لخالطتكم فى لين عيشكم ولكن سمعت الله عير قوما فقال : ** أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا **(20)الأحقاف .
•السباق إلى الخير : هم الذين فهموا المراد من الدنيا فعلموا أن الله أسكن عباده الدنيا ليبلوهم أيهم أحسن عملا فزهدوا فى الدنيا ورغبوا فى الآخرة لهوانها كما قال الحق :
{إِنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً**{وَإِنّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا
صَعِيداً جُرُزاً**(7-8)الكهف .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مالي وللدنيا ما أنا فى الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها)... ( رواه الترمذي وأحمد)
والراكب دائما فى حاجة إلى ما يتقوى به على السفر والترحال ..فمتى كان تناول الشهوات المباحة التقِوى على طاعة الله كانت تلك الشهوات طاعة يثاب عليها كما قال معاذ رضي الله عنه ( إني لأحتسب نومتى كما أحتسب قومتى) .
ومن جميل ما قيل عن يحيى ابن معاذ ( كيف لا أحب دنيا قدر لي فيها قوت.. أكتسب به حياة.. أدرك بها طاعة.. أنال بها الجنة ) ..
وقال سعيد بن جبير : متاع الغرور ما يلهيك عن طلب الآخرة وما لم يلهك فليس بمتاع الغرور ولكن متاع إلى ما هو خير منه )
ومن أضرار حب الدنيا :
•أن حبها يقتضي تعظيمها وهى حقيرة عند الله ومن أكبر الذنوب تعظيم ما حقر الله .
•إن الله لعنها وابغضها إلا ماكان له فيها..ومن أحب ما لعنه الله ومقته فقد استحق غضبه وسخطه
•أن حبها يصير غاية وليست وسيلة فتعكس الأمور وتنقلب الحكمة وتنتكس القلوب كما قال عز وجل {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ** {أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الاَخِرَةِ إِلاّ النّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ**(15-16)هود
•أن حبها يشغل العبد عن أخرته ويشغله عن كثير من الواجبات فيؤدى العبادات جسدية وليست بقلبه لأنه مشغول بحب الدنيا ..فيحبط عمله..وينتكس قلبه بالشهوات.
•محبتها تجلب الفقر لقول رسول الله : ( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه فى قلبه وجمع له شمله وآتته الدنيا وهى راغمة ..ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له)... رواه الترمذي وله شاهد عند ابن ماجه وابن حبان
•أن محبها أشد الناس بها عذابا..فهو يعذب فى الدنيا بتحصيلها والتنازع عليها..ثم فى البرزخ والقبر بفقدها وغيابها فليس هناك ما يعوضه عنها ..ثم يعذب يوم لقاء ربه لما فرط فى آخرته ولما حمل من الزاد القليل .
•أن محبها من أسفه الخلق باع حياة الأبدية فى أرغد عيش بحياة فانية خيال وليست حقيقة كل متعها زائلة..ولقد شبهها بعض السلف بعجوز شمطاء تزينت فأحسنت الزينة وسترت كل قبيح فيها فمن أغتر بها ورغب في نكاحها طلبت مهرها فقد الآخرة ..فالآخرة ضرتها ولا تجتمع معها أبدا ..فمن خدع بالمظهر وسعى فى طلبها ونالها كشفت قناعها وظهرت على حقيقتها... فمن طلقها استراح وأراح... ومن أختار المقام والخداع فما كان استمتاعه ليلة عرسه إلا بالعويل والصياح ..
هؤلاء الذين واصلوا طلبها بالغدو والرواح وأقاموا ليلها فى اللهو والمزاح ..حتى يشرق الصباح ..طاروا فى صيدها فما رجع منهم أحد إلا مكسور الجناح ..فوقعوا فى شباكها فأسلمتهم للذباح ..
نسأل الله العفو والعافية من الدنيا ومما فيها... إلا ماكان لله .
اللهم أخرجنا منها على خير ..ولا تجعلها أكبر علمنا وغاية مرادنا ..يسر لنا ما يعيننا فيها على طاعتك وبلوغ جنتك ..وازهد قلوبنا فيها ..وثبت قلوبنا على محبتك وطاعتك ..ونيل جنتك ..
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم



كتبه فضيلة الشيخ نشأت حسن رحمه الله و أسكنه فسيح جناته



يتبع إن شاء الله
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة