عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 06-11-2008, 04:53 AM   #1
معلومات العضو
أبو عبد الرحمن اليوسف
إشراقة إشراف متجددة
 
الصورة الرمزية أبو عبد الرحمن اليوسف
 

 

Arrow ( && ابن خلدون وطب النبوة && ) !!!

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعــــد :

فإن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وحثَّه في أمور الطب من باب التشريع،وليس من باب المشورة وإبداء الرأي في أمر من أمور الدنيا،كما قال ذلك ابن خلدون،ومن وافقه من المتقدمين،وبعض من المعاصرين ! .

قال ابن خلدون في مقدمته: (ص 493):

(وللبادية من أهل العمران طبٌّ يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص، ويتداولونه متوارثاً عن مشايخ الحيِّ وعجائزه،وربما يصح منه البعض،إلاَّ أنه ليس على قانون طبيعي،ولا عن موافقة المزاج،وكان عند العرب من هذا الطب كثير،وكان فيهم أطباء معروفون: كالحارث بن كلدة وغيره،والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل،وليس من الوحي في شيء،وإنما هو أمر كان عادياً للعرب،ووقع في ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم من نوع أحواله التي هي عادة وجبلَّةٌ،لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل،فإنه صلى الله عليه وسلم إنما بُعثَ ليعلمنا الشرائع،ولم يُبعث لتعريف الطب،ولا غيره من العاديات.
وقـد وقـع له في شأن تلقيح النخل ما وقع،فقال: (( أنتم أعلم بأمور دنياكم )).
فلا ينبغي أن يحمل شيء من الذي وقع من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنه مشروع،فليس هناك ما يدل عليه،اللهم إلاّ إن استعمل على جهة التبرك،وصدق العقد الإيماني،فيكون له أثر عظيم في النفع،وليس ذلك من الطب المزاجي،وإنما هو من آثار الكلمة الإيمانية،كما وقع في مداواة المبطون بالعسل ونحوه ) .




الجواب على هذا الاعتراض :

أقول: لـمَّا كانت شريعةُ الإسلام مبنيةً على جلب المصالح وتكثيرها،ودرء المفاسد وتقليلها،وكان من مقاصد الشريعة:حفظ النفس،اندرج علم الطب في ضرورة حفظ النفس،إذ حفظ النفس هو المقصد الثاني من مقاصد الشريعة بعد حفظ الدين.
وعـلم الطـب:إنَّما وضِعَ خـادماً لهذا المقصـد،وفي هـذا يقول الإمـام العزُّ بن عبد السلام –رحمه الله-: (والطب كالشرع،وضع لجلب مصالح السلامة والعافية،ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام ) (1) .

فقرن –رحمه الله-علم الطب بعلم الشرع،بجامع جلبهما لمصالح السلامة والعافية،ودفعهما لمفاسد المعاطب والأسقام (2) .

وقد جاءت أحاديث صحيحة كثيرة حاثةً على تعلم الطب،والأمر بالتداوي،والحض على اختيار الطبيب الحاذق .
وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يراعي صفات الأطعمة،وفوائدها،ويراعي استعمالها على قاعدة الطب (3) .

قال الإمام الذهبي –رحمه الله-: ( فالطب من السنن القائمة،لأنه صلى الله عليه وسلم فعله وأمر به) (4) .
وما ورد في أدلة الشريعة: دليلٌ ظاهرٌ على أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يرى هذا العلم معتبراً .

فعلم مما تقدم:أنه لا يصح أن يقال أن ما فعله، أو قاله النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الطب من القياس،أو التجربة والاجتهاد القابل للخطأ والصواب،فهذا ممتنعٌ حفاظاً على أرواح الناس .
ولأن الوارد في الكتاب والسنة هو تشريعٌ يجب الأخذ به،وأيضاً:الشريعة الإسلامية بشمولها وثباتها،لها فضل السبق لكلِّ تقعيدٍ طبي،أو مواضعة عصرية في مجال الرعاية الصحية،وحفظ الصحة،سواء كان ذلك الطب وقائياً،أو علاجياً.

وحمداً لله فقد أثبت الطب الحادث:أنَّ كلامه صلى الله عليه وسلم في أمور الطب معجزة من معجزاته .

وختاماً يُقالُ لمن داخل قلبه نَوعُ شُبهةٍ : إن طب النبي صلى الله عليه وسلم ليس كطب الأطباء،: (فإنَّ طب النبي صلى الله عليه وسلم : مُتَيَقَّنٌ قطعيٌّ إلهي صادر عن الوحي،ومشكاة النبوة،وكمال العقل،وطب غيره أكثره حَدَسٌ وظنون وتجارب،ولا يُنْكَرُ عدمُ انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة،فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء له،وكمال التلقي له:بالإيمان والإذعان.
فهذا القرآن-الذي هو شفاءٌ لما في الصدور-إنْ لم يُتلقَّ هذا التلقي:لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها؛بل لا يزيد المنافقين إلاَّ رجساً إلى رجسهم،ومرضاً إلى مرضهم .
وأين يقع طبُّ الأبدان منه؟!فطب النبوة لا يناسب إلاَّ الأبدان الطيبة:

كما أنَّ شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة،والقلوب الحية.فإعراض الناس عن طبِّ النبوة:كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن،الذي هو:الشفاء النافع.
وليس ذلك لقصور في الـدواء،ولكن لخبث الطبيعة،وفساد المحل وعدم قبوله.والله الموفق ) (1) .




وكتب : أبو عبد الرحمن اليوسف
الخميس / 8 ذي القعدة / سنة 1429










_____________
1-انظر:قواعد الأحكام: (1/4) .
2-انظر:التداوي والمسؤولية الطبية: (ص93) .
3-انظر:التراتيب الإدارية،للكتاني: (1/456) .
4- الطب النبوي: (ص 219) .
5- انظر: الطب النبوي،لابن القيم: (27-28) .
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة