الموضوع: الحب في القرآن
عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 31-01-2012, 02:29 AM   #1
معلومات العضو
الطاهرة المقدامة
إدارة عامة

افتراضي الحب في القرآن

الحب في القرآن

نريد أن نعرض قلوبنا على القرآن الكريم؟ ما هو ذاك الحب الذي يسودها ويمحورها ويستحوذ عليها؟
إن كل حب يستقطب قلب الإنسان يتخذ إحدى درجتين. الدرجة الأولى: أن يشكل هذا الحب محوراً وقاعدة لمشاعر وعواطف وآمال وطموحات هذا الإنسان، قد ينصرف عنه في قضاء حاجة في حدود خاصة ولكن سرعان ما يعود إلى القاعدة لأنها المركز، وهى المحور، وقد ينشغل بحديث، وقد ينشغل بكلام، وقد ينشغل بعمل، بطعام، بشراب، بعلاقات ثانوية، بصداقات، لكن يبقى ذلك الحب هو المحور.
الدرجة الثانية من هذا الحب: أن يستقطب هذا الحب كل وجدان الإنسان، بحيث لا يشغله شيء عنه على الإطلاق، ومعنى ذلك أنه سوف يرى محبوبه أينما توجه.
وهذا التقسيم الثنائى ينطبق على حب الله وحب الدنيا، الحب لله ـ عز وجل ـ يتخذ هاتين الدرجتين.
الدرجة الأولى: يتخذها في نفوس المؤمنين الصالحين، فهؤلاء يجعلون من حب الله محوراً لكل عواطفهم ومشاعرهم وطموحاتهم وآمالهم، قد ينشغلون بمتعة من المتع المباحة، ولكن يبقى هذا المحور هو الذى يرجعون إليه بمجرد أن ينتهى هذا الانشغال الطارئ.
كما قال واصفاً المؤمنين في غزوة أحد حينما تطلعت نفوسهم إلى الغنائم: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ آل عمران: من الآية152 وهذا هو شأن المؤمن الصالح يرجع ويتوب ويعود إلى حب الله بعد ما شغلته الدنيا لأن حب الله عنده هو الأساس والمحور.
أما الدرجة الثانية، فهى الدرجة التي يصل إليها الصديقون وأولياء الله، وهم الصفوة كأبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلى ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ قال تعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ البقرة: من الآية 165 فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ المائدة: من الآية54 وفي الحديث (ما سبقكم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في صدره) يعني والله ـ تعالى ـ أعلم أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ كان يحب الله ويحب الإسلام حباً عظيما لا يقدر بشيء، وهذا الحب استقطب كل وجدانه وكل مشاعره بحيث لا يقدم أي شيء على حب الله وحب الإسلام وأكبر دليل يدل على ذلك أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ استلم قيادة جزيرة العرب، وأغلب أهلها قد ارتدوا عن الإسلام ونكثوا العهود، فثبت ولم يهتز لأنه يحب الإسلام، ويحب مرضاة الله حباً لا مثيل له، ولأجل ذلك ضحى في قتال المرتدين بالنفس والنفيس.
ونفس هذا التقسيم الثنائي يأتي في حب الدنيا.
الدرجة الأولى: أن يكون حب الدنيا محوراً للإنسان في تصرفاته وسلوكه، يتحرك حينما تكون المصلحة الشخصية في أن يتحرك، ويسكن حينما تكون المصلحة الشخصية في أن يسكن، يتعبد حينما تكون المصلحة الشخصية في أن يتعبد وهكذا، الدنيا تكون هي القاعدة، ولكن أحياناً يمكن أن يفلت من الدنيا ويشتغل أشغالاً أخرى طاهرة قد يصلى وقد يصوم لله لكن سرعان ما يرجع مرة أخرى إلى ذلك المحور وينشد إليه، فهى فلتات يخرج بها من إطار ذلك الشيطان ثم يرجع إلى الشيطان مرة أخرى، هذه هي الدرجة الأولى من هذا المرض الوبيل بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى الأعلى:16-17
الدرجة الثانية: وهى المهلكة حينما يُعمي حب الدنيا هذا الإنسان، يسد عليه كل منافذ الرؤية بحيث لا يرى شيئاً إلا ويرى الدنيا فيها وقبلها وبعدها.حتى الأعمال الصالحة تتحول عنده إلى دنيا، وتتحول إلى متعة وإلى مصلحة شخصية حتى الصلاة وحتى الصيام، هذه الألوان كلها تتحول إلى دنيا لا يمكنه أن يرى شيئاً إلا من خلال الدنيا، إلا من خلال مقدار ما يمكنه لهذا العمل أن يعطيه من حفنة مال أو من حفنة جاه، وهذا لا يستمر معه إلا بضعة أيام معدودة.
قال تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) الأعراف:175/176
فأعلم يا أخي أن حب الله هو الذي يعطى للإنسان الكمال والعزة والشرف والاستقامة، والقدرة على مغالبة الضعف في كل الحالات.
حب الله ـ سبحانه ـ هو الذى جعل أولئك السحرة يتحولون إلى رواد على الطريق، فقالوا لفرعون:
فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَاطـه: من الآية72
حب الله هو الذى جعل ماشطة بنت فرعون تعلن بكل فخر أن ربها هو الله وهو رب فرعون وهو الذي ثبتها أمام عذاب فرعون القاسي الذي أحرق جسدها وجسد أبنائها بالنار حتى الموت، فأين نحن اليوم من شبابنا الذين يقولون: لا نستطيع الصبر على الشهوات وأين نحن اليوم من أخواتنا اللائي يقلن: لا نقدر على ارتداء الحجاب؟ فأين أنتن يا أخواتى من ماشطة بنت فرعون والتي عذبها فرعون بالنار وقتل أبنائها أمام عينيها وهي صابرة محتسبة لأنها أحبت الله، وأحبت ما عند الله من الثواب، فقدمت حب الله على حب الدنيا.
وأعلم يا أخي الكريم أن من أعظم الأسباب المعنية على حب الله ـ سبحانه وتعالى ـ قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه، ومعرفة المراد منه، والعمل به، ودوام ذكر الله ـ تعالى ـ والصحبة الطيبة، والبعد عن رفقاء السوء
والله ولى التوفيق

مع الاحتفاظ بحقوق كابتها
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة