عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 06-09-2004, 11:20 PM   #2
معلومات العضو
أبو البراء

لموقع ومنتدى الرقية الشرعية - مؤلف ( الموسوعة الشرعية في علم الرقى )
 
الصورة الرمزية أبو البراء
 

 

افتراضي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،

أولاً أشكرك أخي الحبيب ( عبدالله الفقير ) على تلك الكلمات التي تعبر على سمو أخلاقكم وطيب كرمكم ، وأدبكم الجم ، وأخلاقكم الكريمة ، وأحسب أنكم على خير وصلاح والله حسيبكم 0

أما بخصوص سؤالك أخي الحبيب مسألة ( الاقتران الشيطاني ، المس ، الصرع ) ، فقد تم اشباع هذا الموضوع بحثاً في هذا المنتدى الطيب ، وإليكَ أخي الحبيب بعض الروابط التي تتحدث عن ذلك :

الرابط الأول :

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء
   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،

أشكرك أخي الكريم ( سعيد بن سعيد ) على طرحك هذا الموضوع القيم والمفيد ، حيث ظهر في الآونة الأخيرة كثير من الأصوات التي تنكر تلبس الجن بالإنس ( الاقتران الشيطاني ) ، وهذه الظاهرة في حقيقتها ليست وليدة هذا القرن أنما هي تقليد أعمى لبعض من سبق في بحث هذا الأمر ، وحيث أنني قد قمت بتأصيل هذه المسألة من الناحية الشرعية في كتابي ( منهج الشرع في بيان المس والصرع ) ، وأوردت كافة الأدلة النقلية الصحيحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال أهل العلم قديماً وحديثاً ، ومن أراد الاستزاد فعليه العودة إلى الكتاب المذكور ، فقد بينت أن الأمر ثابت في الكتاب والسنة وعند أثبات علماء أهل السنة والجماعة 0

وبناء على تساءل أخي الكريم ( المتأمل خيراً ) فلا بد تحت هذا العنوان من عرض مسألتين أساسيتين هما :

الأولى : تعريف الصرع ( المس ) في اللغة والإصطلاح :

المس لغة : مس الجن للإنسان 0

قال ابن منظور : ( ثم استعير المس للجنون كأن الجن مسته يقال به مس من جنون ) ( لسان العرب – 6 / 218 ) 0

المس اصطلاحا : ( هو تعرض الجن للإنس بإيذاء الجسد خارجيا أو داخليا أو كليهما معا ، بحيث يؤدي ذلك لتخبط في الأفعال مما يفقد المريض النظام والدقة والأتاة والروية في أفعاله ، وكذلك يؤدي للتخبط في الأحوال فلا يستقر المريض على حالة واحدة )0

قال صاحبا الكتاب المنظوم فتح الحق المبين : ( والمس اصطلاحا : أذية الجن للإنسان من خارج جسده أو من داخله أو منهما معا ، وهو أعم من الصرع ) ( فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين – ص 61 ) 0

الثاني : بعض أقوال أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين ممن أنكر الصرع وأرجعوا حالاته للوسوسة والرد على ذلك :

قال القاضي أبو يعلى : ( ولا سبيل للشيطان إلى تخبيط الإنسي كما كان له سبيل إلى سلوكه ووسوسته ، وما تراه من الصرع والتخبط والاضطراب ليس من فعل الشيطان لاستحالة فعل الفاعل في غير محل قدرته ، وإنما ذلك من فعل الله تعالى بجري العادة ، ولا يكون المجنون مضطراً إلى ذلك 0
وقد يتوصل من الشيطان وسواس ، والوسواس يحتمل أن يفعل كلاماً خفياً يدركه القلب ، ويمكن أن يكون هو الذي يقع عند الفكر ، ويكون منه مس وسلوك ودخول في أجزاء الإنسان ويتخطفه ، خلافاً لبعض المتكلمين في إنكارهم سلوك الشيطان في أجسام الإنس ، وزعموا أنه لا يجوز وجود روحين في جسد ، والدلالة عليه قوله تعالى : ( الَّذِينَ يَأكلونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ) ( سورة البقرة – الآية 275 ) ، وقال تعالى : ( الَّذِي يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ النَّاسِ ) ( سورة الناس – الآية 5 ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) ( متفق عليه ) ، ولأنه لا يمتنع أن يدخل الشيطان في أجسامنا سواء كانت رقيقة أو كثيفة كالطعام والشراب ) ( المعتمد في أصول الدين – ص 173 ، 174 ) 0

* قال الجُبَّائي : ( الناس يقولون : المصروع إنما حدثت به تلك الحالة لأن الشيطان يمسه ويصرعه ، وهذا باطل ، لأن الشيطان ضعيف لا يقدر على صرع الناس وقتلهم ، والشيطان يمس الإنسان بوسوسته المؤذية التي يحدث عندها الصرع ، وهو كقول أيوب عليه السلام : ( أَنِّى مَسَّنِى الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) ( سورة ص – الآية 41 ، 42 ) وإنما يحدث الصرع عند تلك الوسوسة ، لأن الله تعالى خلقه من ضعف الطباع ، وغلبة السوداء عليه بحيث يخاف عند الوسوسة ، فلا يجترئ ، فيصرع عند تلك الوسوسة ، كما يصرع الجبان من الموضع الخالي 0 ولهذا المعنى لا يوجد هذا الخبط في الفضلاء الكاملين ، وأهل الحزم والعقل ، وإنما يوجد فيمن به نقص في المزاج وخلل في الدماغ ) ( تفسير الفخر الرازي – باختصار – 7 / 95 ، 96 ) 0

* قال الشيخ مصطفى المراغي في تفسير آية " كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " : ( إن هذا النص القرآني جاء موافقاً لما يعتقده العرب ، وإن كان من " زعماتهم " فكانوا يقولون : رجل ممسوس : أي مسه الجن ، ورجل مجنون : إذا ضربته الجن ) ( تفسير المراغي – 3 / 63 ، 64 ) 0

* قال الألوسي : ( وقد أنكر القَفَّالُ من الشافعية أيضاً أن كون الصرع والجنون من الشيطان ، لأنه لا يقدر على ذلك ) ( روح المعاني – 3 / 49 ) 0

* قال الزمخشري : ( وتخبط الشيطان من زعمات العرب ، يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع 0 والمس والجنون 0 ورجل ممسوس وهذا أيضاً من زعماتهم 0 وأن الجني يمسه فيختلط عقله 0 وكذلك جن الرجل معناه ضربته الجن ) ( تفسير الكشاف – 1 / 165 ) 0

وتبعه البيضاوي في قوله وهو : ( أي التخبط والمس ، وأرد على ما يزعمون الخ 00 ) ( تفسير البيضاوي - 1 / 173 ) 0

وتبعهما أبو السعود في هذا القول ( تفسير المنار – 3 / 195 ) 0

قال القاضي عبد الجبار الهمذاني المعتزلي : ( وربما قيل : إن قوله : ( الَّذِينَ يَأكلونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ) ( سورة البقرة – 275 ) كيف يصح ذلك وعندكم أن الشيطان لا يقدر على مثل ذلك ؟ 0 وجوابنا أن مس الشيطان : إنما هو بالوسوسة كما قال تعالى في قصة أيوب : ( مَسَّنِى الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) ( سورة ص - 42 ، 43 ) كما يقال فيمن تفكر في شيء يغمه قد مسه التعب ، وبين ذلك قوله في صفة الشيطان : ( وَمَا كَانَ لِى عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى ) ( سورة إبراهيم – جزء من الآية 22 ) ولو كان يقدر على أن يخبط لصرف همته إلى العلماء والزهاد وأهل العقول ، لا إلى من يعتريه الضعف ، وإذا وسوس ضعف قلب من يخصه بالوسوسة ، فتغلب عليه المرة ، فيتخبط كما يتفق ذلك في كثير من الإنس إذا فعلوا ذلك بغيرهم ) ( تنزيه القرآن عن المطاعن – ص 54 ) 0

وقد رد الناصر في " الانتصار " حيث قال : ( معنى قول الكشاف من زعمات العرب أي كذباتهم وزخارفهم التي لا حقيقة لها 0 وهذا القول على الحقيقة من تخبط الشيطان بالقدرية من زعماتهم المردودة بقواطع الشرع - ثم ساق ما ورد في ذلك من الأحاديث والآثار – وقال بعده : واعتقاد السلف وأهل السنة أن هذه أمور على حقائقها واقعة كما أخبر الشرع عنها 0 وإنما القدرية خصماء العلانية 0 فلا جرم أنهم ينكرون كثيراً مما يزعمونه مخالفاً لقواعدهم 0 من ذلك : السحر ، وخبطة الشيطان ، ومعظم أحوال الجن 0 وإن اعترفوا بشيء من ذلك فعلى غير الوجه الذي يعترف به أهل السنة وينبئ عنه ظاهر الشرع في خبط طويل لهم ) ( نقلاً عن التداوي بالقرآن والسنة والحبة السوداء – ص 61 ) 0

قال ابن عاشور : ( وترددت أفهام المفسرين في معنى إسناد المس بالنصب والعذاب إلى الشيطان ، فإن الشيطان لا تأثير له في بني آدم بغير الوسوسة كما هو مقرر من مكرر آيات القرآن ، وليس النصب والعذاب من الوسوسة ولا من آثارها ) ( نقلاً عن كتاب " الأسطورة التي هوت – علاقة الإنسان بالجان - ص 75 ) 0

وقال أيضاً : ( 000 وعندنا هو أيضاً مبني على تخييلهم ، والصرع إنما يكون من علل تعتري الجسم ، مثل فيضان المِرَّة عند الأطباء المتقدمين وتشنّج المجموع العصبي عند المتأخرين ، إلا أنه يجوز عندنا أن تكون هذه العلل كلها تنشأ في الأصل من توجهات شيطانية ، فإن عوالم المجردات – كالأرواح – لم تنكشف أسرارها لنا حتى الآن ، ولعل لها ارتباطات شعاعية هي مصادر الكون والفساد ) 0

وقال : ( والذي يتخبطه الشيطان هو المجنون الذي أصابه الصرع ، فيحدث له اضطرابات 0 ويسقط على الأرض إذا أراد القيام ) ( تفسير التحرير والتنوير – 3 / 82 ، 83 ) 0

قال الأستاذ أبو الوفا محمد درويش من جماعة أنصار السنة : ( يزعم الناس أن للشيطان قدرة على خبط الإنسان وضربه ومسه مساً مادياً يؤدي به إلى الصرع ، وهذا زعم باطل كل البطلان ، روجه في الناس طائفة من الدجالين الذين يحاولون أن يحتالوا على الناس ليسلبوهم أموالهم ويعبثوا بعقولهم 0

وقال أيضاً : ( ولا حجة لهم في هذا ، لأن المسَّ فيه معنى غير المعنى الذي يتوهمون ، فهو من الأمور الغيبية التي نؤمن بها ولا ندرك كنهها ، ولو كان كما زعموا أصبح الناس جميعاً صرعى يتخبطون ، وهذا غير الواقع المشاهد ) ( صيحة حق – ص 204 ) 0

قال الشيخ محمود شلتوت : ( ومع هذا كله قد تغلب الوهم على الناس ، ودرج المشعوذون في كل العصور على التلبيس ، وعلى غرس هذه الأوهام في نفوس الناس ، استغلوا بها ضعاف العقول والإيمان ، ووضعوا في نفوسهم أن الجن يلبس جسم الإنسان ، وأن لهم قدرة على استخراجه ، ومن ذلك كانت بدعة الزار ، وكانت حفلاته الساخرة المزرية ، ووضعوا في نفوسهم أن لهم القدرة على استخدام الجن في الحب والبغض ، والزواج ، والطلاق ، وجلب الخير ودفع الشر ، وبذلك كانت " التحويطة والمندل وخاتم سليمان " 000 وقد ساعدهم على ذلك طائفة من المتسمين بالعلم والدين ، وأيدوهم بحكايات وقصص موضوعة ، أفسدوا بها حياة الناس ، وصرفوهم عن السنن الطبيعية في العلم والعمل ، عن الجد النافع المفيد 0
وجدير بالناس أن يشتغلوا بما يعنيهم ، وبما ينفعهم في دينهم ودنياهم ، جدير بهم أن لا يجعلوا لدجل المشعوذين سبيلاً إلى قلوبهم فليحاربوهم وليطاردوهم حتى يطهر المجتمع منهم ، وليعرفوا ما أوجب الله عليهم معرفته مما يفتح لهم أبواب الخير والسعادة ) ( الفتاوى – ص 27 ) 0

قال الغزالي – رحمه الله – في تقديمه لكتاب " الأسطورة التي هوت " : ( هناك خلافات فقهية ينبغي أن نعلن وفاتها ونفض اليدين منها 0 وبعض الناس يجاوز النقل والعقل معاً ، ويتعلق بمرويات خفيفة الوزن أو عديمة القيمة ، ولا يبالي بما يثيره من فوضى فكرية تصيب الإسلام وتؤذي سمعته ! ومن هذا القبيل زعم بعض المخبولين أنه متزوج بجنية ، أو أن رجلاً من الجن متزوج بإنسية ، أو أن أحد الناس احتل جسمه عفريت ، واستولى على عقله وإرادته ! وقد التقيت بأصحاب هذه المزاعم في أقطار شتى من دار الإسلام ، وقلت ساخراً : هل الجن تخصصوا في ركوب المسلمين وحدهم ؟
فقلت : أي روايات بعد ما كشف القرآن وظيفة الشيطان ورسم حدودها ؟ فكيف يحتل الجني جسماً ويصرفه برغم أنف صاحبه المسكين ؟ إن الشيطان يملك الوسوسة ، والتحصن منها سهل بما ورد من آيات وسنن 0 فلا تفتحوا أبواباً للخرافات بما تصدقون من مرويات تصل إليكم ! قال لي أحدهم : إن هناك شياطين متشردة قد تعتدي على هذا وذاك من الفتيان والفتيات ولا حرج علينا أن نطلب لهم الطب الشافي من أي مصدر ! وقد بلغنا أن رجالاً من أمتنا كانوا يستخرجون الأرواح الشريرة من أجسام هؤلاء المصابين المساكين ، ونحن نصدقهم ونتأسى بهم ! وقد شاع هذا القول منسوباً إلى ابن تيمية – رحمه الله – 0
قلت : هناك أمراض نفسية أصبح لها تخصص علمي كبير ، وهذا التخصص فرع من تخصصات كثيرة تعالج ما يعتري البشر من علل 00 ولكني لاحظت أنكم تذهبون إلى دجالين في بعض الصوامع والأديرة فيصفون لكم علاجات سقيمة ويكتبون لكم أوراقاً ملئ بالترهات ، فهل هذا دين ؟
إن الإسلام دين يقوم على العقل ، وينهض على دعائم علمية راسخة ، وقد استطاعت أمم في عصرنا هذا بالعلم أن تصل إلى القمر ، وتترك عليه آثارها ! فهل يجوز لأتباع دين كالإسلام أن تشيع بينهم هذه الأوهام عن عالم الجن ، فيجروا وراءها هنا وهناك ؟ إن الله عز وجل سائل المسلمين عما فعلوا بدينهم وعما لحق بهذا الدين البريء من تهم 00 ! ) ( نقلاً عن كتاب " الأسطورة التي هوت – علاقة الإنسان بالجان – باختصار - ص 5 ، 8 ) 0

قال الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر – رحمه الله - : ( أنه لا يوجد دليل قطعي في العقيدة الإسلامية على إمكانية دخول الجن في جسد إنسان وامتزاجهما جسداً واحداً 000 وقال : إنه لهذا من ينكر هذه الإمكانية لا يكفر أو يفسق ، لأنها ليست من العقائد أو الغيبيات 0
وبين حقيقة المس حيث قال : إنه يكون بمثابة تسلط من الجن على الإنس كما يحدث في التنويم المغناطيسي الشائع حيث يتبع الإنسان الذي يتم تنويمه المنوم المغناطيسي في أقواله ولغته وربما في صوته 0
وأضاف أنه لذلك فإن ما يحدث " للمصروع " ليس أثراً لتداخل جسمين " جن وإنس " وامتزاجهما جسداً واحداً أو نحوه وإنما نتيجة التسلط كما يحدث في التنويم المغناطيسي ) ( جريدة الرأي الأردنية – العدد 8442 ، تاريخ 2 جمادى الثانية 1415 هـ ، الموافق 6 تشرين الثاني 1994 م ) 0

قلت : هذا الكتاب وهو " الأسطورة التي هوت " كتاب يرد المسألة من أساسها – أعني بذلك صرع الجن للإنس – حيث رد أقوال علماء الأمة الأجلاء وتجرأ عليهم بأسلوب فيه انتقاص من قدرهم وتهكم لمعرفتهم ، بل وصل به الأمر إلى تضعيف الصحيح وتنميق السقيم ، واتبع بذلك أسلوبا يعتمد على الكلام المنمق والعبارات المعسولة دون اتباع الدليل النقلي الصحيح ، والذي يرى – من وجهة نظره – أنها أدلة ضعيفة ، ولا يهمنا الكاتب بقدر ما يهمنا المنهج والمعتقد الذي يحمله ويروج له ، ومن خلال تتبعي لصفحات هذا الكتاب وما سيق فيه من ترهات وتجاوزات وشطحات وذكر لبعض القصص المختارة بعناية فائقة وكأنها أصبحت الدليل الذي يستند إليه الكاتب في تقرير هذه المسألة الشرعية ، أرى أن صاحبها من أصحاب المدرسة العقلية الإصلاحية التي تتجه في تقرير المسائل إلى تقديم العقل على النقل ، وهذا منهج المعتزلة الذين خالفوا سلف الأمة وأئمتها فإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله ) 0

يقول الشيخ محمد بن محمد الناجم الشنقيطي : ( الغزالي أفضى إلى ما قدم ، ومنهجه معروف ولا يحتج بكلامه ، لأنه سلك مسلك العقلانيين في الدين وذلك عين الضلال إذ :-
ليس للعقل مجال في النظر00000000000000000000000إلا بقدر ما من النقل ظهر
( منهج الشرع في بيان المس والصرع – الحاشية - ص 126 ) 0

قال الدكتور محمد الشريف عميد كلية الشريعة في جامعة الكويت عندما سئل عن حقيقة مس الجن للإنسان هل هو حقيقة أم خيال ؟

( إن طرق إثبات الحقائق في الواقع ثلاثة : إما عن طريق الحس ، أي بالحواس الخمس ، إذا لم يعتبرها لبس أو خطأ ، أو بالعقل والمقصود به القواعد العقلية المتفق عليها وليست عقل لكل فرد على حدة ، أما الطريق الثالث والأخير فهو عن طريق الخبر الصادق أي الذي لا يختلف عليه أحد ، والمقصود به الخبر القطعي غير القابل للشك 0
وقضية مس الجن للإنسان أو التلبس به لم يثبت عن أي طريق من هذه الطرق الثلاث ، فأخباره إما صحيحة غير صريحة ، وإما صريحة غير صحيحة 0 كما أن قصص وحكايات الناس عنه ناتجة عن أوهام وتخيلات ، ولهذا السبب ذهب كثير من علماء المسلمين إلى عدم إمكانه مشيراً إلى ضرورة وجود الأدلة والبراهين الصادقة لا بالتخيلات والأوهام وبعض المعلومات السطحية التي قد يكون قرأها في بعض الكتب غير المثبتة ، ولذا فلا أرى المس حقيقة يمكن تقديم الدليل عليها ) ( مجلة الفرحة – العدد 42 – مارس 2000 م – ص 30 ، 31 ) 0

قال الأستاذ زهير الشاويش : ( أنه لا يرى هناك تلبساً حقيقياً ، وإنما هي حالات مرضية تعتري بعض الناس ، وهم في الغالب يعانون من ضعف في مداركهم ، أو يمرون في ظروف خاصة ، وأحوال نفسية 000 ويزيد ذلك عليهم الذين يحيطون بهم والذين يتولون علاجهم من الدجاجلة وبعض الأطباء أحياناً ) ( نقلاً عن كتاب " الأسطورة التي هوت – علاقة الإنسان بالجان - ص 68 ) 0

قال صاحب كتاب " الأسطورة التي هوت – علاقة الجان بالإنسان " : ( لاختلاف المدارس الفكرية والعقلية والنقلية في القرون الوسطى ، واختلاف مناهجهم في الأصول التي يعتمدون عليها ، تختلف وجهات النظر في أمر يعد من الاجتهاد بمكان ، وذلك بالنظر إلى القرآن ، والحديث ، والأخبار في ضوء الأصول العقلية الراجحة 0
وأكثر العلماء في جميع العصور مبتلون بالتقليد لمن سبقهم ، ذلك أنهم يخشون أن يناقشوا ما أجمع جمهورهم عليه ، للرهبة التي كانت تتسلط عليهم بمخالفة الدين وشرائع الإسلام والزندقة وغيرها 0
وقل أن تجد فيهم من يناقش المسائل بتجرد علمي قائم على معالجة النصوص معالجة الدليل والبرهان ، والفهم الذي لا يقوده إليه التقليد ) ( نقلاً عن كتاب " الأسطورة التي هوت – علاقة الإنسان بالجان - ص 53 ) 0

وقال : ( بدأت أكتب وأنا في ذهني وبداية كتابتي ما كان أمامي إلا إثبات الصرع ، والرد على من ينكره 0
وإذا بي أفاجأ أن ما كنت أعتقده باطل لا أساس له ، ولا دليل يصح فيه ، وهو أوهام لصقت بي من هنا وهناك 00 ، وأن الأمور التجريبية فيه قائمة على وجهة نظر خالية من دليل إلا أن يكون دليل الجهالة وعدم المعرفة 00 حتى صار كل مجهول السبب والعلة سببه شيطان أو جني يعبث بنا 00 إلى غير ذلك من الخرافات 00 التي تلعب دورها أكثر شيء عند ذوي ال******ات والمصدقين بالغيب ما صح منه وما كذب فيه 0
وقال أيضاً : وذهب جمهور المفسرين الذين تعرضوا لهذه الآية – يعني آية " إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " – إلى أنها دليل على الصرع ، والمعنى : لا يقومون إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له حقيقة 0
والواقع أن هذا التفسير بعيد ، ولا يعرف المس بهذا المعنى !!
ولو استقرأنا ما ورد في كتاب الله تعالى من المس ، لما وجدناه يخرج عن الوسوسة التي نبه الشيطان نفسه أنه لا يحسن غيرها كما في آيات كثيرة ) ( نقلاً عن كتاب " الأسطورة التي هوت – علاقة الإنسان بالجان – باختصار - ص 72 ، 73 ) 0

ثم ساق بعض النصوص الحديثية من السنة في هذه المسألة إلى أن قال : ( هذه أهم النصوص التي احتجوا بها في الصرع وإثباته ، وهي لا تخلو من أحد أمرين :
الأول : أن يكون معناها الذي ذكروا غير مسلم به ، بل ما لم يذكروا من معان أقوى في المسألة وأرجح 0
الثاني : أن تكون ضعيفة ضعفاً لا يقبل معه الاحتجاج بها ، ولا تصلح بمجموعها أن تتقوى ، لأن أغلبها شديد الضعف واضح النكارة في بعض رواتها ، ولأن قسماً منها نشأ من خطأ بعض الرواة فأعرضنا عنها ) ( نقلاً عن كتاب " الأسطورة التي هوت – علاقة الإنسان بالجان - ص 96 ) 0

ومما قاله أيضاً : ( وقد سمعت وجلست مع عدد من المعالجين الذين كانوا يقومون على إخراج الجن ، فتبين لهم أنهم كانوا في أوهام ، فاعتزلوا هذا العمل وحذروا منه وكان ممن سمعت عنهم وكان له مثل ذلك الموقف أحد المتقدمين في هذه الصنعة ، وهو الشيخ علي مشرف العمري في المدينة المنورة 0

وقال : يقول شيخ الإسلام ابن تيمية أن الإنس قد يؤذون الجن بالبول عليهم ، أو بصب ماء حار ، أو بقتلٍ ونحو ذلك ، دون أن يشعروا ، فيجازي الجن حينئذ فاعل ذلك من الإنس بالصرع 00

ويقول بعد أن نقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - وهذا مردود لأسباب ، منها : أن لا دليل على تأذي الجن من ذلك ، ومنها أن الجن عالم لا تؤثر فيهم الماديات كما هو معروف بالنظر ، ومجمل النصوص القرآنية والحديثية ، ومنها أن ذلك القول لم نتلقه إلا من بعض الذين صرعوا أنفسهم بالأوهام والخرافات والحالات النفسية 000 وليس من يتكلم على لسانهم – على زعمهم – بثقة أصلاً ، فكيف نقبل كلامه على فرض أن المتكلم جني 0

ثم قال : ويقول كثيرون : إن قراءة آية الكرسي وقراءة القرآن على المصروع يؤذي الجن ، واستدلوا ببعض الأحاديث والمشاهدات الحسية لذلك 0
وينقل رده على ذلك حيث يقول : إن القرآن مصدر هداية لا مصدر تعذيب وإهانة ، فآيات القرآن كلها تشير أن القرآن مصدر هداية للعالمين جميعاً ، وهو تشريع من رب العالمين ) ( نقلاً عن كتاب " الأسطورة التي هوت – علاقة الإنسان بالجان - ص 102 ، 103 ) 0

ويقول أيضاً : ( أما أن الصوت المتغير دليل على تلبس الجن ، وأن هذا صوته ، فليس يصح دليلاً ، لأن الحالات النفسية عند الإنسان أحياناً تلجئه إلى تمثيل أدوار وانفصام في الشخصية ، ولا علاقة لهذا بالجن مطلقاً 0 ويستطيع كل واحد منا أن يغير صوته بتخشين وتضخيم وترقيق وغير ذلك ، فهل إذا فعل أحدنا هذا كان متلبساً بالجن ؟! دليل غير مقنع ، ولا دليل عليه من القرآن ولا من السنة ، ولا من فعل السلف فيما صح عنهم ) ( نقلاً عن كتاب " الأسطورة التي هوت – علاقة الإنسان بالجان - ص 106 ) 0

وقال أيضاً : ( وأما ما يدعونه من أن المصروع يكتسب قوة غريبة يعجز عنها عدد من الإخوة ، فلا أظن أن له تفسيراً غير أن المصروع نتيجة اقتناعه بحلول الجني فيه ، يتمثل وكأن فيه قوة خارقة يحاول أن يعبر عنها 0 هذا في بعض الحالات ) ( نقلاً عن كتاب " الأسطورة التي هوت – علاقة الإنسان بالجان - ص 107 ) 0

وقال : ( وأما ما يدعونه من أن الضرب للمصروع إنما يقع على الجني نفسه ، فهذا عندي باطل ، لأن الماديات كما قررت في كتابي المطول لا تؤثر بالجن في أي حال من الأحوال ، وبعض المعالجين الذين رأيتهم استنكروا أن تكون قضية الضرب مجدية في الجني ، أو مؤثرة فيه ) ( نقلاً عن كتاب " الأسطورة التي هوت – علاقة الإنسان بالجان - ص 108 ) 0

ويقول أيضاً : ( أما أن بعض الأورام أو الآثار تظهر على جسم الإنسان بسبب الجن ، فهذا ادعاء لظاهرة وجدت مع المرض ، واختفت بعد زوال المرض ، وهو المرض النفسي أو العضوي ، لذا فالمسألة بحاجة إلى تحليل ودراسة من قبل المتخصصين في الطب العضوي والنفسي ، لا من قبل الاجتهاد الشخصي لظاهرة قد يخطئ في إدراكها 0
وأما أن المصروع يتكلم ببعض اللغات وبعض الغيبيات فقد ثبت بالتجربة المتكررة عندي وعند غيري أن المصروع يسأل عن أشياء في الغرفة التي يخاطب فيها نفسها ، ومع ذلك لا يعرفها ، وهذا الأمر مجرب بكثرة ) ( نقلاً عن كتاب " الأسطورة التي هوت – علاقة الإنسان بالجان - ص 111 ) 0

وينهي حديثه بخاتمة القول في الصرع فيقول : ( تبين لنا أن لا دليل واضح من الكتاب والسنة على الصرع ، ولا يصح إسناد إلى السلف في معالجته ، وإن صح فإنما هو اجتهاد وليس بحجة 0
ولم تشتهر مسألة الصرع اشتهاراً قوياً إلا في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – فقد حذا حذو تلك القصص المذكورة في الأحاديث غير الصحيحة والأحداث الواردة عند بعض السلف ، والتي لم تثبت صحتها 0
وليس هناك في حالات الصرع المذكورة قديماً وحديثاً ما يدل أنها من الجن ، وما ظن أنه منه فاحتمال ضعيف جداً ، والواقع أن له تفسيرات أخرى أقوى ) ( نقلاً عن كتاب " الأسطورة التي هوت – علاقة الإنسان بالجان - ص 113 ) 0

وأختم كافة هذه الترهات والأباطيل التي ساقها صاحب كتاب " الأسطورة التي هوت " وما أرى إلا أنه قد هوى في بحر الضلال والزيغ والباطل ، وحسب ظني وتقديري فإن الكاتب لا يعي ما يقول ، فاقرأ وتمعن :

( عندما خاطبت المريض ، فإني خاطبت العقل اللاواعي ، ولم أخاطب جنياً ، بل خاطبت الوهم الموجود في عقله اللاواعي ، والذي اسمه زيزفونة ، وأخرجته بالإيحاء لهذا العقل ، وعندما يعود سمير إلى عقله الظاهر سوف يعلم فيما بعد إذا احتاج عقله الظاهر إلى عقله اللاواعي ، وهو مخزن الوهم ، سيجد أن لا وهم في هذا المخزن ، ولن تعود هذه الحالة له مطلقاً ) ( نقلاً عن كتاب " الأسطورة التي هوت – علاقة الإنسان بالجان - ص 122 ) 0

تلك بعض النقولات التي ساقها ذلك الهدام والتي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك المنهجية العقلية في الحكم على هذه المسألة - أعني صرع الجن للإنس – وأجد نفسي مترفعاً أن أدخل في نقاش تفصيلي لكل ما ورد آنفاً فصفحات هذه الموسوعة تجيب بأسلوب واضح وبيان ساطع على كافة هذه الترهات والأباطيل ، خاصة ما ذكره الشيخ الغزالي –رحمه الله- وصاحب كتاب" الأسطورة التي هوت " ، لاسيما ما حوته صفحات هذا الكتاب من نقاش وتضعيف لكثير من الأحاديث الصحيحة المأثورة ، وأذكر في ذلك ما نقله العلامة الشيخ " مقبل بن هادي الوادعي " – حفظه الله – حيث يقول : ( فإني لما كنت بمدينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلغني أن بعض الناس ينكرون " حديث السحر " فقلت لمن أخبرني : إنه في البخاري ومسلم ، فقال : وهم ينكرونه ، فقلت : بمن ضعفوه ، وكنت أظن أنهم يسلكون مسالك العلماء في النقد والتجريح لعلهم وجدوا في سنده من هو سيئ الحفظ أو جاء موصولاً والراجح أنه منقطع أو جاء مرفوعاً والراجح فيه الوقف كما هو شأن الحافظ الدارقطني - رحمه الله - في انتقاداته على الصحيحين فإذا هؤلاء الجاهلون أحقر من أن يسلكوا هذا المسلك الذي لا يقوم به إلا جهابذة الحديث ونقاده والميزان عند هؤلاء أهواؤهم فما وافق الهوى فهو الصحيح ، وإن كان من القصص الإسرائيلية أو مما لا أصل له وما خالف أهواءهم فهو الباطل ، ولو كان في الصحيحين بل ربما تجاوز بعض أولئك المخذولين الحد وطعن في بعض القصص القرآنية 0
لذا رأيت أن أقدم لإخواني طلبة العلم هذا الحديث الشريف وتوجيه أهل العلم لمعناه على المعنى الذي يليق بشرف النبوة والعصمة النبوية ولا أدعي أنني صححت الحديث فهو صحيح من قبل أن أخلق ومن قبل أن أطلب العلم وما طعن فيه عالم يعتد به وناهيك بحديث اتفق عليه الشيخان ورواه الإمام أحمد من حديث زيد بن أرقم ولا يتنافى معناه مع أصول الشريعة 0
والذي أنصح به طلاب العلم أن لا يصغوا إلى كلام أولئك المفتونين الزائغين وأن يقبلوا على تعلم الكتاب والسنة وأن يبينوا للناس أحوال أولئك الزائغين ويحذروا منهم ومن كتبهم ومجلاتهم وندواتهم والله أسأل أن يحفظ علينا ديننا وأن يتوفانا مسلمين ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) ( ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر – ص 3 ، 4 ) 0

وأوكد من خلال طرح هذا الموضوع وما تضمنه كتاب " الأسطورة التي هوت " من جزئيات تخالف بمجملها منهج السلف الصالح الذي يدعي الكاتب الانتماء إليه ، فإني أدعو القارئ الكريم لقراءة هذه الموسوعة قراءة متأنية ، حيث يجد رداً على كافة الشبهات المطروحة ، إلا أنني أجد نفسي مقحماً في إيضاح بعض النقاط الهامة والرئيسة في هذا الموضوع ، وأجملها بالآتي :-

أولا : إن مسألة صرع الجن للإنس من المسائل المقررة عند علماء أهل السنة والجماعة ، وقد نقل غير واحد من أثبات أهل العلم اتفاق أهل السنة عليها ، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر : ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى ( 19 / 9 ، 32 ، 65 - 24 / 277 ) ، وابن القيم في " زاد المعاد ( 4 / 66 ، 67 ) و " بدائع التفسير " ( 5 / 435 ، 436 ) و " وإغاثة اللهفان " ( 1 / 132 ) و " الطب النبوي " ( ص 68 – 69 ) ، وابن كثير في " تفسير القرآن العظيم " ( 1 / 334 – 2 / 267 ) ، والطبري في " جامع البيان في تأويل القرآن " ( 3 / 102 ) ، والقرطبي في " الجامع لأحكام القرآن " ( 3 / 230 ، 355 ) ، والألوسي في " روح المعاني " ( 2 / 49 ) ، والقاسمي في " محاسن التأويل " ( 3 / 701 ) ، وابن عاشور في " تفسير التحرير والتنوير "( 3 / 82 ) ، والفخر الرازي في " التفسير الكبير( 7 / 89 ) ، ومحمد رشيد رضا في " تفسير المنار " ( 8 / 366 ) ، والحافظ بن حجر في " فتح الباري " ( 6 / 342 – 10 / 115 ، 628 ) ، والنووي في " صحيح مسلم بشرح النووي"( 1،2،3 / 477 – 13،14،15 / 331 – 16،17،18 / 102 ، 415 ) ، والشبلي في " آكام الجان " ( ص 114 – 115 ) ، وعبدالله بن حميد في " الرسائل الحسان في نصائح الإخوان " ( ص 42 ) ، والشوكاني في " نيل الأوطار " ( 8 / 203 ) ، وابن حزم الظاهري في " الفصل في الملل والأهواء والنحل " ( 5 / 14 ) ، وبرهان الدين البقاعي في " نظم الدرر " ( 4 / 112 ) ، ومحمد الحامد الحموي في " ردود على أباطيل " ( 2 / 135 ) ، وابن الأثير في " النهاية في غريب الحديث " ( 2 / 8 ) ، والذهبي في " سير أعلام النبلاء " ( 2 / 590 – 591 ) ، وابن منظور في " لسان العرب " ( 9 / 225 ) ، والعلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - في " السلسلة الصحيحة ( حديث 2918 ، 2988 ) ، والعلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – في رسالة مشهورة ومتداولة ، والشيخ محمد بن صالح العثيمين في " مجموع الفتاوى " ( 1 / 156 – 157 ، 299 ) ، والشيخ أبو بكر الجزائري في " عقيدة المؤمن " ( ص 230 ) ، والشيخ عطية محمد سالم – رحمه الله – في " العين والرقية والاستشفاء من القرآن والسنة " ( ص 23 ) 0

وأذكر في سياق هذه المسألة كلاماً جميلاً لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حيث سئل عن حقيقة وأدلة أن الجن يدخلون الإنس ، فتراه يضع النقاط على الحروف ويجيب – حفظه الله – بالآتي :

( نعم هناك دليل من الكتاب والسنة ، على أن الجن يدخلون الإنس ، فمن القرآن قوله – تعالى - : ( الَّذِينَ يَأكلونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ) ( سورة البقرة – الآية 275 ) قال ابن كثير -رحمه الله- : " لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه ، وتخبط الشيطان له " 0 ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) ( متفق عليه ) 0
وقال الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة : " إنهم – أي أهل السنة – يقولون إن الجني يدخل في بدن المصروع " 0 واستدل بالآية السابقة 0
وقال عبدالله بن الإمام أحمد : " قلت لأبي : إن قوماً يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي فقال : يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه )0
وقد جاءت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواها الإمام أحمد والبيهقي ، أنه أتي بصبي مجنون فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول " : اخرج عدو الله ، اخرج عدو الله " ، وفي بعض ألفاظه : " اخرج عدو الله أنا رسول الله " 0 فبرأ الصبي 0
فأنت ترى أن في هذه المسألة دليلاً من القرآن الكريم ودليلين من السنة ، وأنه قول أهل السنة والجماعة وقول أئمة السلف ، والواقع يشهد به ، ومع هذا لا ننكر أن يكون للجنون سبب آخر من توتر الأعصاب واختلال المخ وغير ذلك ) ( مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – 1 / 293 ، 294 ) 0

ثانيا : الأدلة النقلية في هذه المسألة متعددة ، فظاهر القرآن ، وصريح السنة الصحيحة يؤكدان حصول ذلك ، وكذلك آثار السلف الصالح ، وقد تم إيضاح ذلك سابقا 0

ثالثا : لم ينقل الخلاف في هذه المسألة إلا عن بعض أفراد الرافضة والمعتزلة ، أو من تأثر بعقيدتهم ومنهجهم من المنتسبين إلى أهل السنة ، وهم ندرة 0

رابعا : يلاحظ من كافة النقولات المذكورة آنفا خاصة ما نقله صاحب كتاب " الأسطورة التي هوت " هو تحكيم العقل في تقرير المسائل وإصدار الحكم عليها ، ولا يخفى على كل مسلم أن هذا الاتجاه يخص أصحاب المدرسة العقلية " الإصلاحية " ، ومن روادها جمال الدين الأفغاني ومحمود شلتوت ومحمد عبده 0
ولا ينكر مسلم قط أهمية العقل بالنسبة للإنسان ، فالحق جل وعلا خاطب العقل في كثير من الآيات المحكمات ، إلا أنه لا يجوز مطلقاً أن يترفع الإنسان بعقله فوق الأمور المادية المحسوسة ليخوض في قضايا غيبية لم ولن يصل إليها وإلى طبيعتها وكنهها مهما بلغ من العلم والمعرفة ، فقضايا الغيب تقرر من خلال النصوص النقلية الصحيحة ، وليس لأحد كائن من كان أن يدلو بدلوه في هذه المسائل دون الدليل النقلي الذي يؤكد ذلك ، والعقل الصريح لا ينكر أيا من مسائل الصرع والسحر والعين ، بل يدل على إمكانية وقوعها وحدوثها فعلاً 0

خامسا : أما أن يقال بأن " الجن عالم لا تؤثر فيهم الماديات كما هو معروف بالنظر " فهو كلام باطل ، فالعلاقة بين الجن والإنس علاقة قد تؤثر فيها الماديات لكلا الطرفين ، والأدلة والشواهد من السنة الصحيحة تؤكد ذلك ، فقد ثبت من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ، ليجعله في وجهي ، فقلت : أعوذ بالله منك – ثلاث مرات – ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة ، فلم يستأخر – ثلاث مرات – ثم أردت أن آخذه ، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب المساجد – صحيح الجامع 2108 ) ، وفي رواية : ( فخنقته حتى شعرت ببرد لعابه ) 0

يقول الإمام الماوردي في كتابه " أعلام النبوة " في معرض الحديث عن الجن والشياطين ، رادّاً على من أنكر خلق الجن 0 وقد بنى ردّه على شيئين : البرهان النقلي والبرهان العقّلي لمن لم يؤمن بالنصوص الشرعية ، وهو بحث قيم حرصت على ذكره لارتباطه بهذه الجزئية ، قال - رحمه الله - : ( الجن من العالم الناطق المميز ، يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون ، وأشخاصهم محجوبة عن الأبصار وإن تميزوا بأفعال وآثار 0 إلا أن يختص الله برؤيتهم من يشاء ، وإنما عرفهم الإنس من الكتب الإلهية ، وما تخيلوه من آثارهم الخفية ) ( نقلاً عن كتاب " حقيقة الجن والشياطين من الكتاب والسنة " للمؤلف الأستاذ " محمد علي حمد السيدابي " – ص 12 ) 0

ومن هنا فإن علماء الأمة يقررون الآثار المادية بين عالم الإنس وعالم الجن ، وبالتالي فإن علاقة الجان بالإنسان قد تتعدى الدخول والتلبس ؛ لتصل إلى الإيذاء ، والمس ، والصرع ، والخطف ، والقتل ، وغيره ، لا سيما أن التجربة تعضد ذلك ، وهي خير شاهد عليه 0

يقول الدكتور عبدالكريم نوفان عبيدات : ( الاتصال بين الجن والإنس اتصال من نوع خاص ، يختلف فيه عن الاتصال بين الإنسان وأخيه الإنسان ، بل هو اتصال يناسب طبيعة كل منهما ، وفي الحدود التي رسمتها سنن الله تعالى وقوانينه الكونية والشرعية 0 والجن موجودون في كل مكان يكون فيه إنس ، ضرورة أن يكون لكل إنسي شيطاناً وهو قرينه من الجن كما ورد في الحديث ، وهم على هذا يحضرون جميع أحواله وتصرفاته ، لا يفارقونه إلا أن يحجزهم ذكر الله تعالى 0
والجن مسلَّطون على الإنس بالوسوسة والإغواء تارة ، وتارة أخرى يلبسون جسم الإنسان ، فيصاب عن طريقهم بمرض من الأمراض كالصرع والجنون والتشنج ، وقد يضلون الإنسان عن الطريق ، أو يسرقون له بعض الأموال ، أو يعتدون على نساء الإنس ، وغير ذلك ) ( عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة – ص 254 ) 0

سادسا : ليس مع المنكرين لتلك المسائل سواء كانت متعلقة بالصرع أو السحر أو العين ، سوى شبهات عقلية واهية ، وحجج نظرية متهاوية ، وإذا أمعنت النظر في صفحات كتاب " الأسطورة التي هوت " لا تجد منطلقاً ومنهجاً صحيحاً في الحكم على الأحاديث ، ولا تجد اتباع مسلك العلماء في النقد والتجريح ، ومن ذلك قوله : ( أن تكون النصوص الحديثية ضعيفة ضعفاً لا يقبل معه الاحتجاج بها ، ولا تصلح بمجموعها أن تتقوى ، لأن أغلبها شديد الضعف واضح النكارة في بعض رواتها ، ولأن قسماً منها نشأ من خطأ بعض الرواة فأعرضنا عنها ) 0
ولو تتبعت المنقول في هذا الكتاب – أعني الأسطورة - لوجدت قصصاً صيغت بأسلوب يثبت للقارئ ، بأن موضوع الصرع وما يدور في فلكه من أمور أخرى ، هي عبارة عن أوهام وخرافات وأساطير ، ولا أشك مطلقا بأن من استشهد بهم الكاتب من معالجين على أصناف ثلاثة : الأول : صنف نسجه الكاتب من وهمه ومخيلته ، والثاني : جاهل لا يفرق بين أساسيات الرقية الشرعية كحال كثير من المعالجين اليوم ، والثالث : صنف أغوته الجن والشياطين ولبّست عليه في عقله وقلبه ، حتى أصبح لا يدرك ما يقول ، بل وصل به الأمر فتجرأ على علماء الأمة وأفذاذها ، كحال صاحبنا هذا ، وانظر إلى ما يقول : ( وأكثر العلماء في جميع العصور مبتلون بالتقليد لمن سبقهم ، ذلك أنهم يخشون أن يناقشوا ما أجمع جمهورهم عليه ) 0
وقال : ( وذهب جمهور المفسرين الذين تعرضوا لهذه الآية – يعني آية " إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " – إلى أنها دليل على الصرع ، والمعنى : لا يقومون إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له حقيقة 0
والواقع أن هذا التفسير بعيد ، ولا يعرف المس بهذا المعنى !!
ولو استقرأنا ما ورد في كتاب الله تعالى من المس ، لما وجدناه يخرج عن الوسوسة التي نبه الشيطان نفسه أنه لا يحسن غيرها كما في آيات كثيرة ، ويقول أيضاً : ( ولم تشتهر مسألة الصرع اشتهاراً قوياً إلا في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – فقد حذا حذو تلك القصص المذكورة في الأحاديث غير الصحيحة والأحداث الواردة عند بعض السلف ، والتي لم تثبت صحتها ) ، وقوله أيضاً : ( يقول شيخ الإسلام ابن تيمية أن الإنس قد يؤذون الجن بالبول عليهم ، أو بصب ماء حار ، أو بقتلٍ ونحو ذلك ، دون أن يشعروا ، فيجازي الجن حينئذ فاعل ذلك من الإنس بالصرع 00 ثم يقول : وهذا مردود لأسباب ، منها : أن لا دليل على تأذي الجن من ذلك ، ومنها أن الجن عالم لا تؤثر فيهم الماديات كما هو معروف بالنظر ) 0

سابعا : ومن لم توجد لديه القناعة في إثبات تلك المسائل ، فله الحق في التوقف في إثباتها حتى يتبين له الحق ، أما اللجوء إلى أسلوب الإنكار والنفي وتجاوز ذلك لحد عدم إثبات ذلك للإسلام أو نفيه مطلقاً ، فهذا لا يجوز قطعاً ، وليس في الشرع ما ينفي هذا الأمر أو يرده 0

ثامنا : أما مسألة كلام الجني الصارع على لسان المصروع فلم أقف على دليل شرعي معتبر يثبت وقوع كلام الجني على لسان الإنسي ، وإن لم أر ما ينفيه لا عقلا ، ولا نقلا ، وقد ورد ذلك عن بعض علماء الأمة كشيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله– وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – وفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، ولكن لا بد أن يضبط الأمر بما تقتضيه المصلحة الشرعية وفق القاعدة الفقهية ( الضرورة تقدر بقدرها ) ، مع مراعاة الأمور الهامة التالية :

1)- عدم الخوض في الأمور التي لا فائدة من ورائها 0
2)- التركيز على الجانب الدعوي بالنسبة للجن وترسيخ العقيدة الصحيحة في نفوسهم 0

ومن هنا يتضح جليا جواز الخوض في بعض الأمور المتعلقة بالعلاج والتي تهم المعالِج وترفع الظلم عن المريض ، شريطة أن يكون المعالِج على قدر من العلم الشرعي بحيث يوازي بين المصالح والمفاسد ولا يؤدي مثل ذلك الحوار إلى أية مفاسد أو أضرار شرعية ، وبإمكان القارئ الكريم مراجعة هذه المسألة بالتفصيل في هذه السلسلة (منهج الشرع في علاج المس والصرع) تحت عنوان ( الحوار مع الجن والشياطين ) 0

تاسعا : الرقى الشرعية الثابتة هي قراءة القرآن المجملة بعموم نصوصه ، أو المفصلة بالآيات والسور الوارد فضلها في السنة المشرفة وآثار السلف الصالح ، أو الأدعية والتعاويذ المأثورة 0

عاشرا : لجأ كثير من المعالجين بالرقية الشرعية إلى إضافة أمور كثيرة متعددة ، ومن هذه الأمور ما له أصل في الشريعة أو مستند لبعض علماء الأمة الأجلاء ، إلا أنه استخدم بطريقة خاطئة وغير صحيحة ومن تلك الأمور تخصيص قراءة آيات معينة وبكيفيات مختلفة أو الضرب والخنق وحوار الجن والشياطين ونحو ذلك من أمور أخرى ، ومنها ما ليس له أصل في الشريعة ولا يوجد له مستند قولي أو فعلي لعلماء الأمة ، ومن ذلك ما ذكرته مفصلاً في كتابي بعنوان ( المنهج اليقين في بيان أخطاء معالجي الصرع والسحر والعين ) ، كل ذلك أدى من قبل البعض لإنكار هذه التزايدات – وهذا حق - ، ولكن أداه ذلك إلى إنكار أصل المسألة – بغير حق - ! 0

حادي عشر : إن العلوم الطبية قديمها وحديثها ليس فيها ما ينفي – من الناحية العلمية المحضة – إمكانية وقوع التلبس أو المس أو الصرع ، بل على العكس من ذلك تماماً فقد أكد علماء الغرب والمتخصصين في مجالات الطب المتنوعة إمكانية حصول ذلك ، وبإمكان القارئ الكريم العودة إلى المبحث التاسع من كتاب ( منهج الشرع في بيان المس والصرع ) تحت عنوان ( موقف الأطباء في العصر الحديث ) ليعلم حقيقة ذلك ، وليس مع الفئة التي أنكرت هذه المسائل إلا النفي المجرد ، وهذا باطل !! ، وأما المثبتون : فلعموم الأدلة الشرعية ، ولوقائع التجربة ، والحس ، والمشاهدة 0

ثاني عشر : لا ينكر مطلقاً ورود مرويات ضعيفة وواهية في ذكر الصرع والمس والسحر والعين ؛ وهذا لا يؤثر بأي حال من الأحوال على الأحاديث الصحيحة والحسنة ، وهذا ما قرره أهل العلم ( المتجردون ) المتبحرون في العلم الشرعي ، وقد ذكرت كثير منهم في البند الأول من هذه الفقرة 0

وإني إذ أعجب لما يقرره صاحب كتاب " الأسطورة التي هوت " في خاتمته حيث يقول : ( وما من مجتهد في مسألة إلا يبحث عن الحق أينما كان ، وليس للهوى موضع خاص فينا ، إنما هي أحوال عامة ذكرت في بعض آيات القرآن ، لا يعلمها إلا الله ، إذ موضعها القلوب فنكل علمها إلى رب العالمين ، وإليه الحساب 0
لذا من العبث والتعسف أن يذكر الهوى في مقابل كل مسألة اجتهد فيها ، وخالف بعضهم بعضاً ، وما هذه الكلمة ، وما قيلت إلا في معرض الكفرة الضالين ، أما نحن – المسلمين – فمن الواجب أن تكون المحبة والإشفاق ، هما الطاغيين على قلوبنا ، فلا منازعة ولا منافرة أن غيري خاصمني أو اتجه اتجاهاً يخالف ما أنا عليه ، لا منازعة ولا منافرة أن غيري اجتهد كما اجتهدت ، وتوصل إلى خلاف ما توصلت 000 إنما المنافرة والمنازعة تكون على أناس انتهزوا فرص اختلاف المسلمين ليكون لهم موطئ قدم من الدجل والشعوذة 00 أولئك نقصد في بحثنا ، أولئك الذين زاغوا عن الحق بتلك الممارسات التي دونا بعضها ، أولئك كانوا سبباً في بناء صرح من الأوهام تخالف وتخلِّف الأمة 000 لا نريد أن نكون كأصحاب السفينة التي خرق سفهاؤهم فيها أسفلها ، فإن سكت العقلاء وكانوا فيها غرقوا جميعاً 0
وليعلم القارئ الكريم أن الله تعالى رزق هذه الأمة نصاً لم يعتره التحريف والتبديل ، نرجع إليه في خلافاتنا ، وليس الفهم لهذه النصوص ملكاً لأحد دون أحد ، بل لكل أحد أن ينظر فيها بالأصول المبنية على التفكير العلمي المزيدة باللغة ومعرفة أساليبها 00 وما اختلفت الأمة إلا من أمرين : الأول في جهة الثبوت وعدمه لبعض النصوص ، والآخر من جهة الدلالة والفهم ، وليس تراكم النصوص من العلماء على مدار قرون طويلة دليلاً على الصحة والقبول ، وليس كل صحيح وصلنا 00 لذا فالبحث هو أصل العلم إلا فيما نصه صريح محكم ، فنقف عنده بالتسليم دون تحريف أو تحوير 00 ولو نظرنا إلى علماء الأمة في القرون الأربعة الأولى لوجدنا عند كثيرين منهم بعض الانفرادات التي لم يصل إلينا أن قال بهذه المسألة أحد آخر ، ولا يعني هذا أنه لم يقل أحد 00 وهكذا ما نقل بالتسليم ، فلا يعني أن لا مخالفة له ، بل لعله لم يصلنا ، فقد تصلنا فكرة ، وتندثر أخرى 00 فما كل ما قيل وصل ، وكل يؤخذ منه ويرد إلا من ينزل عليه وحي من السماء 00 فأقوال الأئمة قاضية بالأدلة ، وينظر فيها إن عريت منها وكانت اجتهادات ونحوها 0
آمل من القارئ الكريم أن يكون قرأ هذه الرسالة بإمعان وإنصاف ونظر إلى الأدلة ، فإن عيب عليَّ أمر فأنا أولى الناس أن أرشد إليه ، ولا نتكبر عن الرجوع إلى الحق ، وبه نستعين ) ( الأسطورة التي هوت – علاقة الإنسان بالجان – ص 169 ، 170 ) 0

قلت : بعد هذه الخاتمة المنمقة التي أبى صاحب هذا الكتاب إلا أن يعبر فيها عن منهجه ومذهبه المبني على العقلانية ، وأعجب للكلام المعسول الذي يعبر فيه الكاتب في بداية خاتمته حيث يقول : ( أما نحن – المسلمين – فمن الواجب أن تكون المحبة والإشفاق ، هما الطاغيين على قلوبنا ، فلا منازعة ولا منافرة أن غيري خاصمني أو اتجه اتجاهاً يخالف ما أنا عليه ) ومع ذلك يقدح ويطعن في علماء أجلاء وهبوا أنفسهم وأوقاتهم في سبيل هذا الدين والنصرة له ، وأما قوله : ( أولئك الذين زاغوا عن الحق بتلك الممارسات التي دونا بعضها ، أولئك كانوا سبباً في بناء صرح من الأوهام تخالف وتخلِّف الأمة ) ، فهذا غمز ولمز ليس في المعالجين فحسب إنما تعداه لعلماء الأمة الذين قرروا تلك الممارسات في طريقة الرقية والعلاج ، وأما قوله : ( وليس الفهم لهذه النصوص ملكاً لأحد دون أحد ، بل لكل أحد أن ينظر فيها بالأصول المبنية على التفكير العلمي المزيدة باللغة ومعرفة أساليبها 00 ) ، وكأنما يفهم من الكاتب بأن الفهم الصحيح للنصوص النقلية ملكاً له ولمن شذ عن طريق الإجماع ، فهذه المسألة – أعني صرع الجن للإنس – أجمعت عليها الأمة ، وليس لأحد كائن من كان أن يبني الأصول على التفكير العلمي كما أشار صاحبنا ، فالشريعة مقدمة على ما سواها ، وثبوت النصوص النقلية عند علماء الحديث لا عند مدعي هذا العلم ، يعني أنها أصبحت مصادر للتشريع ولا يمكن ردها أو إنكارها ، أو لي أعناق النصوص لكي توافق المنهج العقلي والذي يعتبر صاحبنا من رواده والمدافعين عنه ، وأما قوله : ( وليس تراكم النصوص من العلماء على مدار قرون طويلة دليلاً على الصحة والقبول ، وليس كل صحيح وصلنا 00 ) ، وأعجب من هذا الكلام ولا أعتقد أنه بحاجة إلى تعليق ، فالكلام يعبر عن صاحبه ، وأما قوله : ( آمل من القارئ الكريم أن يكون قرأ هذه الرسالة بإمعان وإنصاف ونظر إلى الأدلة ، فإن عيب عليَّ أمر فأنا أولى الناس أن أرشد إليه ، ولا نتكبر عن الرجوع إلى الحق ، وبه نستعين ) ، فإني أنصح الكاتب بمراجعة نفسه مرات ومرات عسى أن يقف عند الحقيقة التي أنكرها ، ومن ثم يعود لجادة الحق والصواب ، وكذلك أنصحه بطلب العلم الشرعي خاصة علم الحديث الذي خاض فيه فصال وجال دون الاعتماد على الأسس والقواعد الرئيسة لهذا العلم أو المعرفة المتقنة بالرجال واتخاذ مسلك العلماء في الجرح والتعديل ، وأختم كل ذلك بكلام مبدع يرد فيه العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - على أصحاب هذا الاتجاه ، حيث يقول :

( لقد أنكر المعاصرون عقيدة مس الشيطان للإنسان مسا حقيقيا ، ودخوله في بدن الإنسان ، وصرعه إياه ، وألف بعضهم في ذلك بعض التأليفات ، مموها فيها على الناس ، وتولى كبره مضعفا الأحاديث الصحيحة في كتابه المسمى بـ ( الأسطورة ) ! ، وضعف ما جاء في ذلك من الأحاديث الصحيحة – كعادته ، وركن هو وغيره إلى تأويلات المعتزلة !!
واشتط آخرون ، فاستغلوا هذه العقيدة الصحيحة ، وألحقوا بها ما ليس منها مما غير حقيقتها ، وساعدوا بذلك المنكرين لها ! واتخذوها وسيلة لجمع الناس حولهم لاستخراج الجان من صدورهم بزعمهم ، وجعلوها مهنة لهم ، لأكل أموال الناس بالباطل ، حتى صار بعضهم من كبار الأغنياء ، والحق ضائع بين هؤلاء المبطلين وأولئك المنكرين ) ( برهان الشرع في إثبات المس والصرع - عن كتاب " تحريم آلات الطرب " - ص 166 - ص 23 ) 0

وقال أيضاً في رده على كلام صاحب " الاستحالة " : ( لقد شكك في دلالة الحديث على الدخول ؛ بإشارته إلى الخلاف الواقع في الروايات (!) ، ولكن ليس يخفى على طلاب هذا العلم المخلصين أنه ليس من العلم في شيء أن تضرب الروايات المختلفة بعضها ببعض ، وإنما علينا أن نأخذ منها ما اتفق عليه الأكثر ، وإن مما لا شك فيه أن اللفظ الأول : " اخرج " أصح من الآخر : " اخسأ " ؛ لأنه جاء في خمس روايات من الأحاديث التي ساقها ، واللفظ الآخر جاء في روايتين منها فقط !
وإن مما يؤكد أن الأول هو الأصح صراحة حديث الترجمة – يريد حديث ابن أبي العاص - ، الذي سيكون القاضي بإذن الله على كتاب " الاستحالة " المزعومة ، مع ما تقدم من البيان أنها مجرد دعوى في أمر غيبي مخالفة للمنهج الذي سبق ذكره ) ( السلسلة الصحيحة – 2988 ) 0

وقد حرصت على عرض ردي على هذا الكتاب "الأسطورة التي هوت" على بعض المشايخ وطلبة العلم حيث أفادوني ببعض الملاحظات الهامة القيمة ، وقد كتب في ذلك الشيخ الفاضل ( محمد بن محمد الناجم الشنقيطي ) - حفظه الله - حيث قال :

( بسم الله الرحمن الرحيم 000 الحمد لله الذي أوجب تبيين الحق من غيرشيء يعطى عليه أو يستحق 000 والصلاة والسلام على من أوحي إليه بالرسالة فبلغ وصدق وعلى آله وصحبه الغر الميامين ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين 0
وبعد :
لقد اطلعت على ما لخَّصه الأخ الكريم ( أبو البراء ) في الرد على كتاب " الأسطورة التي هوت " واستدلالاته بنصوص الوحي وكلام العلماء ، فوجدته أجاد وأفاد وبين فيه طريق الرشاد فجزاه الله خيراً 0
ولا شك أن كتاب الأسطورة له حظّ من اسمه فهو أسطورة ، فقد كابر كاتبه وجحد المنقول والمعقول ، ولكن نلتمس له العذر لأن من تكلم في غير فنه ولم يكن من أهل العلم أتى بالغرايب والعجايب ، وإنكار المحسوس مكابرة :
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد00000000000000وينكر الفم طعم الماء من سقم
وقال الشاعر :
ما دل أن الفجر ليس بطالع00000000000000000000000بل أن عيناً أنكرت عمياء

نسأل الله لنا وله الهداية وأن يلهمه الصواب والرشاد ويوفقه لطلب العلم وأن لا يجعل شيخه كتابه فإن من كان شيخه كتابه بعد عن الجادة 0
وصلى الله على نبينا الكريم وعلى آله وصحبه وسلم ، العبد الفقير إلى رحمة ربه محمد بن محمد الناجم الشنقيطي - 11 من جمادى الآخرة سنة 1420 هـ 0

ولقد كفانا شيخنا العلامة محدث بلاد الشام محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله- المؤونة في الرد على هذا المدعي في مقدمة كتابه القيِّم " النصيحة بالتحذير من تخريب ابن عبدالمنان لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة " حيث وصفه ( بالهدّام ) وحُقّاً أن يقال له ذلك ، فالذي يتطاول على الأئمة الأعلام ويتجرأ على القول بغير علم ولا فن ولا دراية بما يقال ويستبان ، لا نحسبه إلا هادم للسنة مؤجج للبدعة والفتنة ، وإن كنا مقلدين للشيخ الجليل في وصفه ، فلن نبخس هذا المدعي حقه في نعته بهذا الوصف ووسمه بهذه الصفة ، ولله درك أيه الشيخ المبجل ناصر أهل السنة وقامع أهل البدعة حيث ترد على هذا الأفاك في صفحات هذا الكتاب القيم وكأنما قتلت فكره ومحوت صيته قبل أن تفارق هذه الدنيا ، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيك عنا وعن سائر المسلمين خير الجزاء وأن يتجاوز عن عثراتك إنه سميع مجيب الدعاء 0

يقول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - : ( فبين يديك - أيها القارئ الكريم - كتابي " النصيحة 000 " ؛ وهو بحوث علمية نقدية حديثية ؛ مبنية على القواعد الصحيحة ، ومؤسسة على الأصول الصريحة ؛ سيراً على ما خلَّفه أئمة الإسلام - حفاظ السنة الأعلام - لمن بعدهم من أتباعهم ؛ السائرين - بحق - على منهجهم ، والسالكين - بصدق - دربهم وطريقهم 0
وأصل هذه البحوث ردود على ( غُمرٍ ) من أغمار الشباب – القول للشيخ الألباني في الحاشية : وهو المدعو حسان عبدالمنان - ؛ تصدى لما لا يحسن ، و ( فَسلٍ ) من جهلة المتعلمين ؛ تطاول برأسه بين الكبراء - وعليهم - ؛ فحقق ( ! ) كتباً ! وخرج ( ! ) أحاديث ! وسود تعليقات ! وتكلم - بجرأةٍ بالغةٍ - فيما لا قبل له به من دقائق علم المصطلح ، وأصول الجرح والتعديل !!!
فجاء منه فسادٌ كبيرٌ عريض ، وصدر عنه قولٌ كثيرٌ مريض ؛ لا يعلمُ حقيقةَ منتهاه إلا ربه ومولاه - جل في عُلاه - 0
ولقد كنت رددت عليه - قبل- في مواضع متعددة من كتبي وبخاصة " سلسلة الأحاديث الصحيحة " لمناسبات تعرض ؛ كشفت فيها جهله ، وأبنت بها عن حقيقته ؛ حيث ظهر لي -بكل وضوحٍ- أنه للسنة ( هدّام ) ، ومتعد على الحق هجام 0
فهو يتعدى على الأحاديث الصحيحة بالظَّنِّ والجهل والإفساد والتخريب ؛ بما يوافق هواه ، ويلتقي ما يراه - بدعوى التحقيق والتخريج ! - 000
ولقد رأيت له - منذ مدةٍ - تحقيقاً - بل تخريباً - لكتاب " إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان " للإمام ابن قيم الجوزية ، تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمهما الله تعالى - ؛ ظهر فيه بجلاء بيّن جهله الواضح ، وتعالمه الفاضح ؛ فرأيت أداء لواجب النصيحة ، وحرصاً على مكانة العلم ، ومحافظة على السنة النبوية : أن أفرد به هذا الكتاب ؛ ردّاً على جهالاته ، وكشفاً لسوء حالاته 000
( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ ) ( سورة آل عمران – الآية 187 ) 0
وإني لأعلم أنَّ بعضاً من إخواننا دعاة السنة - أو الحريصين عليها - ( قد ) يقولون في أنفسهم : أليس في هذا الرد إشهار لهذا الجاهل وتعريف بهذا ( الهدام ) !!
فأقول : فكان ماذا ؟! أليس واجباً كشف جهل الجاهل للتحذير منه ؟!
أليس هذا - نفسه - طريق علماء الإسلام - منذ قديم الزمان - لنقض كل منحرف هجام ، ونقد كل متطاول هدام ؟!
ثم ؛ أليس السكوت عن مثله سبيلاً يغرر به العامة والدهماء ، والهمج الرعاع ؟!
فليكن - إذا - ما كان ؛ فالنصيحة أس الدين ، وكشف المبطل صيانة للحق المبين ؛ ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ 000 ) ( سورة الحج – الآية 40 ) ؛ ولو بعد حين 000
وما حال سلف هذا ( الهدام ) - ذاك ( السقاف ) - وما آل إليه - والحمد لله - عن عارفي الحق ودعاته ببعيد 000
وختاماً ؛ فلو كان عند هذا ( الهدام ) شيءٌ من الإنصاف : لكان منه ولو قليلاً- تطبيق وامتثال لما قاله بعض كبار أهل العلم نصحاً وتوجيهاً - : " لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلاً لشيءٍ حتّى يسأل من كان أعلم منه " ( صفة الفتوى والمفتي والمستفتي – ابن حمدان – بتحقيق الشيخ الألباني – رحمه الله - ص 8 ) !
ولكن ؛ هيهات ، هيهات ؛ فالغرور قتالٌ ، وحب الظهور يقصم الظهور 000
ومع هذا كله ؛ فإني أسأل الله - سبحانه - له الهداية إلى الحق ، والرجوع إلى الصواب ، والاستقامة على نهج السنة وأهلها 000 ) ( النصيحة بالتحذير من تخريب ابن عبدالمنان لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيف لمئات الأحاديث الصحيحة - ص 5 ، 8 ) 0

ونجزم جميعاً بأنه ليس بعد هذا الكلام كلام ، وهذه هي حقيقة ( الهدام ) الذي صال وجال فيما لا طاقة له به ، ولا دراية له بفنه ، فضل وأضل فنسأل الله له الهداية للحق والطريق المستقيم 0
وبعد هذا العرض الشامل يتحقق للمرء التأصيل الشرعي لهذه المسألة ، وكما ذكرت آنفاً فكافة الأدلة النقلية المتعلقة بها تجدها في كتابي ( منهج الشرع في بيان المس والصرع ) ولولا أن أثقل على القارئ الكريم لذكرتها في هذا البحث التفصيلي 0

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0

أخوكم المحب / أبو البراء أسامه بن ياسين المعاني


الرابط الثاني :

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء
   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، ثم أما بعد ،،،

الأخت الكريمة ( المجاهدة ) بالنسبة لسؤالك الأول حول تلبس الجن للإنس فاعلمي رعاك الله أنني قد ألفت كتاباً علمياً حول هذه المسألة بعنوان ( منهج الشرع في بيان المس والصرع ) وبإمكانك أن تعودي للكتاب لقراءة كافة التفصيلات المتعلقة بهذه المسألة ، علماً بأني قد رددت على أحد كبراء من زعم بعدم إمكانية حصول ذلك وهو ( حسان عبدالمنان ) وهو من أصحاب المدرسة العقلية الإصلاحية الذين يقولون ( إذا تعارض العقل مع النقل قدم العقل على النقل ) ، وقد كان الرد علمياً من واقع شرعي ، ومع ذلك فسوف أورد لك بناء على ما طلبت بعض الأدلة النقلية الصحيحة من الكتاب والسنة والأثر وهي على النحو التالي :

أولاً : الدليل من كتاب الله عز وجل :

أ ) يقول تعالى في محكم كتابه : ( الَّذِينَ يَأكلونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ) ( سورة البقرة – الآية 275 ) 0

قال ابن كثير : ( أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له ، وذلك أنه يقوم قياما منكرا ) ( تفسير القرآن العظيم – 1 / 334 ) 0

وذكر نحو ذلك الإمام الطبري في تفسيره ( جامع البيان في تأويل القرآن 3 / 102 ) ، وقاله القرطبي في تفسيره ( الجامع لأحكام القرآن – 3 / 230 ) ، وذكره الألوسي في ( روح المعاني – 2 / 49 ) ، وقاله العلامة القاسمي في ( محاسن التأويل ) 0

وليس هناك من أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع ، وهناك رسالة قيمة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله - بخصوص ذلك ، فمن أراد الاستزاده فعليه مراجعتها 0

ب )- يقول تعالى في محكم كتابه : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) ( سورة الأعراف – الآية 201 ) 0

قال ابن كثير : ( إذا مسهم أي أصابهم طيف وقرأ الآخرون طائف وقد جاء فيه حديث وهما قراءتان مشهورتان ، فقيل : بمعنى واحد 0 وقيل : بينهما فرق 0 ومنهم من فسر ذلك بالغضب ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه ) ( تفسير القرآن العظيم – 2 / 267 ) 0

ثانياً : الدليل من السنة المطهرة : أما الأحاديث النبوية الدالة على إيذاء وصرع الجن للإنس فهي كثيرة أورد منها الآتي :

1)- عن عطاء بن رباح قال : قال لي ابن عباس - رضي الله عنه – : ( ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت : بلى ، قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي ، قال : إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ؟ فقالت : أصبر ، فقالت : إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف ، فدعا
لها ) ( متفق عليه ) 0
وهذه المرأة اسمها أم زفر كما روى ذلك البخاري في صحيحه عن عطاء ، والظاهر أن الصرع الذي كان بهذه المرأة كان من الجن 0

قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( وعند البزار من وجه آخر عن ابن عباس في نحو هذه القصة أنها قالت : إني أخاف الخبيث أن يجردني ، - والخبيث هو الشيطان - فدعا لها فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتتعلق بها 000 ثم قال : وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط انتهى ) ( فتح الباري – 10 / 115 ) 0

قلت : اختلف أهل العلم في بيان صرع الصحابية الجليلة ( أم زفر ) - رضي الله عنها - هل هو عضوي أم شيطاني ، والذي يترجح لدي في هذه المسألة بأن الصرع الذي كانت تعاني منه هذه الصحابية هو النوع الثاني ، أي الصرع الشيطاني بدليل نص الحديث الثاني الذي أوردته في سياق أدلة إثبات صرع الجن للإنس ، وأعتقد أنه طريق آخر لحديث ( أم زفر ) الأول ، حيث ورد في الحديث ما نصه : " أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها طيف " وقد ورد في المعاجم بأن الطيف هو المس من الشيطان ، وكذلك ما نص عليه الحافظ بن حجر - رحمه الله - في تعقيبه على حديث ( أم زفر ) بقوله : " وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط " والله تعالى أعلم 0

2)- عن عثمان بن العاص - رضي الله عنه - قال : ( لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف ، جعل يعرض لي شيء في صلاتي ، حتى ما أدري ما أصلي 0 فلما رأيت ذلك ، رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ابن أبي العاص ؟ ) قلت : نعم ! يا رسول الله ! قال : ( ما جاء بك ؟ ) قلت : يا رسول الله ! عرض لي شيء في صلواتي ، حتى ما أدري ما أصلي 0 قال : ( ذاك الشيطان 0 ادنه ) فدنوت منه 0 فجلست على صدور قدمي0 قال ، فضرب صدري بيده ، وتفل في فمي، وقال : ( أخرج عدو الله ! ) ففعل ذلك ثلاث مرات 0 ثم قال : ( الحق بعملك ) ( أخرجه ابن ماجة في سننه - كتاب الطب ( 46 ) – برقم ( 3548 ) ، وقال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح ابن ماجة 2858 – وصححه البصيري في " مصباح الزجاجة " – 4 / 36 – السنن ) 0

يقول العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - : ( وفي الحديث دلالة صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان ، ويدخل فيه ، ولو كان مؤمنا صالحا ) ( سلسلة الأحاديث الصحيحة – 2918 ) 0

يقول الدكتور فهد بن ضويان السحيمي عضو هيئة التدريس في الجامعة النبوية في أطروحته المنظومة لنيل درجة الماجستير : ( الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم : " أخرج عدو الله " وقول عثمان بن أبي العاص : ما أحسبه خالطني بعد 0 وجه الدلالة الخروج لا يكون إلا لشيء داخل الجسم وكذلك المخالطة وذلك مما يدل على تلبس الجن بالإنس ) ( أحكام الرقى والتمائم – ص 116 ) 0

قلت : وفي هذا الحديث الصحيح دلالة قوية على مسألة صرع الجن للإنس ، فالظاهر من سياق الحديث آنف الذكر أن هذا الصحابي الجليل كان يعاني من مس شيطاني بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : " اخرج عدو الله " ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون المخاطب من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أو سراب أو خيال ، بل كائن ومخلوق موجود داخل جسد هذا الصحابي الجليل بكيفية وكنه لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، وكونه صلى الله عليه وسلم ينفث في فيّ الصحابي ويضرب صدره ثلاثا زاجرا الشيطان متوعدا إياه ، يدل بما لا يدع مجالا للشك على حقيقة إثبات صرع الجن للإنس ، فتلك النصوص النقلية تؤكد هذا المفهوم ، ومن أعياه شيطانه عن إدراك ذالك فليراجع نفسه وليعالج عقله ، فربما أصابته لوثة شيطان أو نقص فهم وتجبر وطغيان 0

ثالثاً : أقوال العلماء ممن قالوا بالصرع وأثبتوه :

أ)- قال محمد بن سيرين : ( كنا عند أبي هريرة – رضي الله عنه – وعليه ثوبان ممشقان من كتان فتمخط فقال: بخ بخ ، أبو هريرة يتمخط في الكتان ، لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشيا علي ، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون وما بي من جنون ، ما بي إلا الجوع ) ( فتح الباري – 13 / 303 ) 0

قال الدكتور فهد بن ضويان السحيمي عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية : ( والشاهد من الأثر : قول أبي هريرة " فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون " 0
ويقول الدكتور الفاضل : أن وجه الدلالة إن من مر من الصحابة رضوان الله عليهم بأبي هريرة كان يظنه مجنونا فيضع رجله على رقبته 0 لأن من علاج الجن وإخراجهم الضرب 0
فهذا الأثر يدل على معرفة الصحابة – رضوان الله عليهم – لصرع الجن للإنس ) ( أحكام الرقى والتمائم – ص 121 ، 122 ) 0

قال الذهبي معقبا على الأثر آنف الذكر : ( كان يظنه من يراه مصروعا ، فيجلس فوقه ليرقيه أو نحو ذلك ) ( سير أعلام النبلاء – 2 / 590 – 591 ) 0

ب)- قال شيخ الإسلام ابن تيميه مقررا دخول الجن في بدن المصروع : ( وكذلك دخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة ، قال الله تعالى : ( الَّذِينَ يَأكلونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ) 0 وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " ( متفق عليه ) 0
وهذا الذي قاله مشهود ، فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه ، ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لأثر به أثرا عظيما 0 والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله 0 وقد يجر المصروع وغير المصروع ، ويجر البساط الذي يجلس عليه ، وينقل من مكان إلى مكان 0 وتجري غير ذلك من الأمور ؛ من شاهدها أفادته علما ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي ، والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان ) ( مجموع الفتاوى - 24 / 277 ) 0

وذكر أيضا في كلام مطول : ( أن المعتزلة هم الذين أنكروا مس الجن للإنس وقد أخطأوا في ذلك ، ومس الجن للإنس ثابت بالكتاب والسنة ) ( مجموع الفتاوى - باختصار - 19 / 9 - 65 ) 0

ج)- قال ابن القيم : ( والفرقة الرابعة - يعني أهل السنة والجماعة - وهم أتباع الرسل ، وأهل الحق : أقروا بوجود النفس الناطقة المفارقة للبدن ، وأقروا بوجود الجن والشياطين ، وأثبتوا ما أثبته الله تعالى من صفاتهما وشرهما ، واستعاذوا بالله منه ، وعلموا أنه لا يعيذهم منه ، ولا يجيرهم إلا الله 0
فهؤلاء أهل الحق ، ومن عداهم مفرط في الباطل ، أو معه باطل وحق ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) ( بدائع التفسير – 5 / 435 ، 436 ) 0

د )- قال عبدالله بن أحمد بن حنبل : ( قلت لأبي : إن قوما يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنس 00 فقال : يا بني يكذبون هوذا يتكلم على لسانه ) ( مجموع الفتاوى - 24 / 277 ) 0

هـ )- قال ابن حزم الظاهري : ( الشيطان الذي يمس الإنسان الذي يسلطه الله عليه مسا كما جاء في القرآن يثير به من طبائعه السوداء والأبخرة المتصاعدة إلى الدماغ ، كما يخبر به عن نفسه كل مصروع بلا خلاف منهم ، فيحدث الله عز وجل كذا الصرع والتخبط حينئذ كما نشاهده ، وهذا هو نص القرآن وما توجبه المشاهدة ) ( الفصل في الملل والأهواء والنحل - 5 / 14 ) 0

و )- قال الفخر الرازي : ( ومن تتبع الأخبار النبوية وجد الكثير منها قاطعا بجواز وقوع ذلك من الشيطان ، بل وقوعه بالفعل ) ( التفسير الكبير - 7 / 89 ) 0

ز )- قال عمرو بن عبيد : ( المنكر لدخول الجن في أبدان الإنس دهري ) ( آكام المرجان- ص 109 ) 0

ح )- قال العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : ( أما تأثيرهم على الإنس فإنه واقع أيضا ، فإنهم يؤثرون على الإنس ، إما أن يدخلوا في جسد الإنسان فيصرع ويتألم ، وإما أن يؤثروا عليه بالترويع والإيحاش ، وما أشبه ذلك 0
والعلاج من تأثيرهم بالأوراد الشرعية مثل قراءة آية الكرسي ، فإن من قرأ آية الكرسي في ليله لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح ) ( مجموع الفتاوى – 157 ) 0

والحقيقة الشاهدة للعيان بعد عرض كافة الأدلة النقلية وأقوال علماء الأمة الأجلاء أن الحق في مسألة صرع الجن للإنس أبلج لا يحتاج للتأويل ولي أعناق النصوص لتوافق الأهواء والنزوات ، وأن الخوض فيها دون علم ومستند شرعي والاعتماد على العقل دون النقل لجلج مردود على صاحبه كائنا من كان ، فمصادر التشريع مقدمة على ما سواها وهي تعلى ولا يعلى عليها 0
ولكني أعجب ممن يدعي أن الجن والشياطين لا يسكنون إلا في الأجسام الخبيثة المخبثة ، وها نحن نقف أمام شواهد من السنة المطهرة تؤكد عكس ذلك تماما ، وتبين أن المؤمن قد يبتلى بمثل هذا النوع من الأمراض ، وقصة الصحابة ( عثمان بن العاص ) و ( أم زفر ) - رضي الله عنهما - خير شاهد ودليل على ذلك ، وقد أكد هذا المفهوم العلامة محدث بلاد الشام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - كما مر معنا آنفا حيث قال : " وفي الحديث دلالة صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان ، ويدخل فيه ، ولو كان مؤمنا صالحا " 0

وأختم الإجابة على هذا السؤال بتجربة لأحد الأطباء في العصر الحاضر الذي يؤكد على هذا المفهوم حيث ينقل لنا تجربته من واقع عملي فيقول الدكتور نبيل ماء البارد - استشاري جراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري - معاينا حالة أصيبت بصرع الأرواح الخبيثة في تقريره :

( قبل بدء الرقية الشرعية على المريضة ، كانت قلقة متوترة مع نوبات من الهمود النفسي ، تجيب على الأسئلة المطروحة عليها ولكنها غير متعاونة تماما ، ويبدو أنها قلقة ليس على نفسها فقط ، إنما على كل من كان حولها من العائلة 0 أظهر الفحص العصبي المختص سلامتها من جميع النواحي العضوية العصبية ، أما فحص الحدقتين فكانتا بحجم طبيعي ( 4 - 5 مم ) ، مع استجابة عادية للمنعكس الضوئي حيث أنه المتعارف عليه أن تسليط الضوء على حدقة الإنسان المتواجد في غرفة معتمة نوعا ما يؤدي إلى انقباض أو صغر في حجم الحدقة ، وهذا ما كان عليه الحال بالنسبة للسيدة المذكورة 0 وبعد الرقية ، ومحاولة التكلم مع من تواجد بداخلها بدأت بالانفعال الشديد والهيجان ، وقد بدا واضحا أن الشخص الذي يتكلم معنا هو شخص آخر ليس فقط بسبب تغير في نبرة الصوت ؛ وإنما للتعرض لأحداث وإجابات لم تكن تعرف عنها شيئا قبل ذلك ، وخلال هذا الطور كان من الصعوبة تسليط الضوء على العينين لفحص الحدقتين حيث كان ذلك يؤدي إلى هيجان شديد مع صعوبة في السيطرة عليها ، ولكن بالرغم من ذلك تبين بأن حدقتا العينين هما في أشد مراحل التضييق ، ولا يوجد لها أي تفاعل أو تغير بعد تسليط الضوء الشديد عليهما ، وكانت العينان في حالة حركة أفقية مستمرة وهي ما نسميه ( بالرأرأة ) 0
وفي المرحلة الأخيرة وعندما طلب من الجني الخروج منها وذلك عن طريق الساق اليسرى أصابتها حالة اختلاجية تشنجية شديدة وموضعية خاصة في الساق اليسرى 0
وبعد ذلك طرأ تغير شديد على المريضة حيث استفاقت وهي لا تعلم عن كل ما أصابها ، كانت في حالة ذهول شديد ، وأرادت أن تتمم الحديث الذي بدأته قبل الرقية ، بدت عليها علامات الارتياح والطمأنينة ، وعندما سألناها عن الصداع الشديد الذي كانت تشعر به قبل ذلك أجابت بأنه قد اختفى نهائيا 0
تم فحص حدقتي العينين للمرة الثالثة ، ووجد أنهما عادتا إلى الوضع الطبيعي الذي كانتا عليه قبل أن تتم القراءة عليها 0
أما فحص قاع العين فقد كان طبيعيا قبل وأثناء وبعد القراءة عليها وصدق الله تعالى حيث قال في محكم كتابه : ( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) ( سورة الإسراء – الآية 82 ) 0 وقال : ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا ) ( سورة الإسراء – الآية 85 ) 0
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0
كتبه أبو الليث – الدكتور نبيل بن سليم ماء البارد - استشاري جراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري ) ( العلاج القرآني والطبي من الصرع الجني والعضوي - ص 98 - 100 ) 0

أما بخصوص سؤالك الثاني حول ( إمكانية التزاوج بين الإنس والجن ) فالظاهر أن التناكح بين الجن والإنس بالرغم مما بينهما من الاختلاف ، أمر ممكن عقلا ، بل هو الواقع ، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة ، فمنهم من رأى إمكانية ذلك ، ومنهم من رأى المنع ، والراجح إمكانية حدوث ذلك في نطاق محدود ، بل هو نادر الحدوث والله أعلم 0

وقد قال بهذا الرأي جماعة من العلماء منهم : مجاهد والأعمش ، وهو أحد الروايتين عن الحسن وقتادة ، وبه قال جماعة من الحنابلة والحنفية ، والإمام مالك وغيرهم ( الفتاوى الحديثية للهيثمي – 68 ، 69 ) 0

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وقد يتناكح الإنس والجن 000 وهذا كثير معروف ، وقد ذكر العلماء ذلك وتكلموا عنه ، وكره أكثر العلماء مناكحة الجن 0 وهذا يكون وهو كثير أو الأكثر عن بغض ومجازاة ) ( مجموع الفتاوى – 19 / 39 ) 0

وذهب بعض علماء التفسير لإمكانية حدوث ذلك كالطبري ، والألوسي ، والفخر الرازي ، وابن الجوزي 0

قال الشبلي – رحمه الله - : ( هذا وقد سئل أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن مناكحة الجن ، فقال : ما أرى بذلك بأسا في الدين ، ولكن أكره إذا وجدت امرأة حامل قيل لها : من زوجك ؟ قالت : من الجن فيكثر الفساد في الإسلام ) ( غرائب وعجائب الجن – ص 86 ) 0

وقد ذكر جلال الدين السيوطي كثير من المسائل المشكلة لحصول التناكح بين الإنس والجن ، ومن أراد الاستزاده فليرجع إلى كتابي ( القول المعين في مرتكزات معالجي الصرع والسحر والعين – ص 222 ، 236 ) 0

قال صاحبا فتح الحق المبين الدكتور عبدالله الطيار والشيخ سامي المبارك – ص 29 : ( والذي نراه أن هذه المسألة نادرة الوقوع إن لم تكن ممتنعة ، وحتى لو وقعت فقد تكون بغير اختيار ، وإلا لو فتح الباب لترتب عليه مفاسد عظيمة لا يعلم مداها إلا الله ، فسد الباب من باب سد الذرائع ، وحسم باب الشر والفتنة 00 والله المستعان 0 وقد علق سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله - على ذلك قائلا : " هذا هو الصواب ولا يجوز لأسباب كثيرة " ) 0

قلت : وهذا هو الصواب في هذه المسألة ، حيث أن المفاسد التي قد تترتب عن المناكحة أو التزاوج أو نشر ذلك بين الناس مفاسد عظيمة لا يعلم مداها وضررها إلا الله ، وكذلك وقوع بعض الأمور المشكلة من جراء حصول ذلك الأمر ، كما أشار جلال الدين السيوطي نقلاً عن قاضي القضاة شرف الدين البارزي - رحمه الله - ، والله تعالى أعلم 0

واعتذر أختي الفاضلة ( المجاهدة ) عن التأخير في الإجابة عن السؤال ، حيث أنني كنت في إجازتي السنوية ، راجياً من الله العلي القدير أن أكون قد وفقت على إجابة أسئلتك المقررة ، سائلاً المولى عز وجل أن يمن عليك بالعفو والعافية في الدنيا والآخرة هذا والله تعالى أعلم 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0

أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني

يتبع
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة