عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 07-03-2011, 07:43 AM   #19
معلومات العضو
فيه شفاء

Lightbulb حقيقة الحلاج

البداية والنهاية - (11 / 135-144)
أشياء من حيل الحلاج
روى الخطيب البغدادي أن الحلاج بعث رجلا من خاصة أصحابه وأمره أن يذهب بين يديه إلى بلد من بلاد الجبل وأن يظهر لهم العبادة والصلاح والزهد فإذا رآهم قد أقبلوا عليه وأحبوه واعتقدوه أظهر لهم أنه قد عمى ثم يظهر لهم بعد أيام أنه قد تكسح فإذا سعوا في مداواته قال لهم يا جماعة الخير إنه لا ينفني شيء مما تفعلون ثم يظهر لهم بعد أيام أنه قد رأى رسول الله ( ص ) في المنام وهو يقول له إن شفاءك لا يكون إلا على يد القطب وإنه سيقدم عليك في اليوم الفلاني في الشهر الفلاني وصفته كذا وكذا وقال له الحلاج إني سأقدم عليك في ذلك الوقت فذهب ذلك الرجل إلى تلك البلاد فأقام بها يتعبد ويظهر الصلاح والتنسك يقرأ القرآن فأقام مدة على ذلك فاعتقدوه وأحبوه ثم أظهر لهم أنه قد عمي فمكث حينا على ذلك ثم أظهر لهم أنه قد زمن فسعوا بمداواته بكل ممكن فلم ينتج فيه شيء فقال لهم يا جماعة الخير هذا الذي تفعلونه معي لا ينتج شيئا وأنا قد رأيت رسول الله ( ص ) في المنام وهو يقول لي إن عافيتك وشفاءك إنما هو على يدي القطب وإنه سيقدم عليك في اليوم الفلاني في الشهر الفلاني وكانوا أو لا يقودونه إلى المسجد ثم صاروا يحملونه ويكرمونه كان في الوقت الذي ذكر لهم واتفق هو والحلاج عليه أقبل الحلاج حتى دخل البلد مختفيا وعليه ثياب صوف بيض فدخل المسجد ولزم سارية يتعبد فيه لا يلتفت إلى أحد فعرفه الناس بالصفات التي وصف لهم ذلك العليل فابتدروا إليه يسلمون عليه ويتمسحون به ثم جاؤا إلى ذلك الزمن المتعافي فأخبره بخبره فقال صفوه لي فوصفوه له فقال هذا الذي أخبرني عنه رسول الله ( ص ) في المنام وأن شفائي علي يديه اذهبوا بي إليه فحملوه حتى وضعوه بين يديه فكلمه فعرفه فقال يا أبا عبد الله إني رأيت رسول الله ( ص ) في المنام ثم ذكر له رؤياه فرفع الحلاج يديه فدعا له ثم تفل من ريقه في كفيه ثم مسح بهما على عينيه ففتحهما كأن لم يكن بهما داء قط فأبصر ثم أخذ من ريقه فمسح على رجليه فقام من ساعته فمشى كأنه لم يكن به شيء شيء والناس حضور وأمراء تلك البلاد وكبراؤهم عنده فضج الناس ضجة عظيمة وكبروا الله وسبحوه وعظموا الحلاج تعظيما زائدا على ما أظهر لهم من الباطل والزور ثم أقام عندهم مدة يكرمونه ويعظمونه ويودون لو طلب منهم ما عساه أن يطلب من أموالهم فلما أراد الخروج عنهم أرادوا أن يجمعوا له مالا كثيرا فقال أما أنا فلا حاجة لي بالدنيا وإنما وصلنا إلى ما وصلنا إليه بترك الدنيا ولعل صاحبكم هذا أن يكون له إخوان وأصحاب من الأبدال الذين يجاهدون بثغر طرسوس ويحجون ويتصدقون محتاجين إلى ما يعينهم على ذلك فقال ذلك الرجل المتزامن المتعافى صدق الشيخ قد رد الله علي بصري ومن الله علي بالعافية لأجعلن بقية عمري في الجهاد في سبيل الله والحج إلى بيت الله مع إخواننا الأبدال والصالحين الذين نعرفهم ثم حثهم على إعطائه المال ما طابت من أنفسهم ثم إن الحلاج خرج عنهم ومكث ذلك الرجل بين أظهرهم مدة إلى أن جمعوا له مالا كثيرا ألوفا من الذهب والفضة فلما اجتمع له ما أراد ودعهم وخرج عنهم فذهب إلى الحلاج فاقتسما ذلك المال وروى عن بعضهم قال كنت أسمع أن الحلاج له أحوال وكرامات فأحببت أن أختبر ذلك فجئته فسلمت عليه فقال لي تشتهي علي الساعة شيئا فقلت أشتهي سمكا طريا فدخل منزله فغاب ساعة ثم خرج علي ومعه سمكة تضطرب ورجلاه عليهما الطين فقال دعوت الله فأمرني أن آتي البطائح لآتيك بهذه السمكة فخصت الأهواز وهذا الطين منها فقلت إن شئت أدخلتني منزلك حتى أنظر ليقوى يقيني بذلك فإن ظهرت على شيء وإلا آمنت بك فقال ادخل فدخلت فأغلق علي الباب وجلس يراني فدرت البيت فلم أجد فيه منفذا إلى غيره فتحيرت في أمره ثم نظرت فإذا أنا بتأزيرة وكان مؤزرا بازار ساج فحركتها فانفلقت فإذا هي باب منفذ فدخلته فأفضى بي إلى بستان هائل فيه من سائر الثمار الجديدة والعتيقة قد أحسن إبقاءها وإذا أشياء كثيرة معدودة للأكل وإذا هناك بركة كبيرة فيها سمك كثير صغار وكبار فدخلتها فأخرجت منها واحدة فنال رجلي من الطين مثل الذي نال رجليه فجئت إلى الباب فقلت افتح قد آمنت بك فلما رآني على مثل حاله أسرع خلفي جريا يريد أن يقتلني فضربته بالسمكة في وجهه وقلت يا عدو الله أتعبتني في هذا اليوم ولما خلصت منه لقيني بعد أيام فضاحكني وقال لا تفش ما رأيت لأحد وإلا بعثت إليك من يقتلك على فراشك قال فعرفت أنه يفعل إن أفشيت عليه فلم أحدث به أحدا حتى صلب وقال الحلاج يوما لرجل آمن بي حتى أبعث لك بعصفورة تأخذ من ذرقها وزن حبة فتضعه على كذا منا من نحاس فيصير ذهبا فقال له الرجل آمن أنت بي حتى أبعث إليك بفيل إذا استلقى على قفاه بلغت قوائمه إلى السماء وإذا أردت أن تخفيه وضعته في إحدى عينيك قال فبهت وسكت ولما ورد بغداد جعل يدعو إلى نفسه ويظهر أشياء من المخاريق والشعوذة وغيرها من الأحوال الشيطانية واكثر ما كان يروج على الرافضة لقلة عقولهم وضعف تمييزهم بين الحق والباطل وقد استدعى يوما برئيس من الرافضة فدعاه إلى الإيمان به فقال له الرافضي إني رجل أحب النساء وإني أصلع الرأس وقد شبت فإن أنت أذهبت عني هذا وهذا آمنت بك وأنك الإمام المعصوم وإن شئت قلت إنك نبي وإن شئت قلت أنك أنت الله قال فبهت الحلاج ولم يحر إليه جوابا قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كان الحلاج متلونا تارة يلبس المسوح وتارة يلبس الدراعة وتارة يلبس القباء وهو مع كل قوم على مذهبهم وإن كانوا أهل سنة أو رافضة أو معتزلة أو صوفية أو فساقا أو غيرهم ولما أقام بالأهواز جعل ينفق من دراهم يخرجها يسميها دراهم القدرة فسئل الشيخ أبو علي الجبائي عن ذلك فقال إن هذا كله مما يناله البشر بالحيلة ولكن أدخلوه بيتا لا منفذ له ثم سلوه أن يخرج لكم جرزتين من شوك فلما بلغ ذلك إلى الحلاج تحول من الأهواز قال الخطيب أنبأ إبراهيم بن مخلد أنبأ إسماعيل بن علي الخطيب في تاريخه قال وظهر أمر رجل يقال له الحلاج الحسين بن منصور وكان في حبس السلطان بسعاية وقعت به وذلك في وزارة علي بن عيسى الأولى وذكر عنه ضروب من الزندقة ووضع الحيل على تضليل الناس من جهات تشبه الشعوذة والسحر وادعاء النبوة فكشفه علي بن عيسى عند قبضه عليه وأنهى خبره إلى السلطان يعني الخليفة المقتدر بالله فلم يقر بما رمى به من ذلك فعاقبه وصلبه حيا أياما متوالية في رحبة الجسر في كل يوم غدوة وينادى عليه بما ذكر عنه ثم ينزل به ثم يحبس فأقام في الحبس سنين كثيرة ينقل من حبس إلى حبس خوفا من إضلاله أهل كل حبس إذا طالت مدته عندهم إلى أن حبس آحر حبسة في دار السلطان فاستغوى جماعة من غلمان السلطان وموه عليهم واستمالهم بضروب من الحيل حتى صاروا يحمونه ويدفعون عنه ويرفهونه بالمآكل المطيبة ثم راسل جماعة من الكتاب وغيرهم ببغداد وغيرها فاستجابوا له وترقى به الأمر إلى أن ادعى الربوبية وسعى بجماعة من أصحابه إلى السلطان فقبض عليهم ووجد عند بعضهم كتب تدل على تصدبق ما ذكر عنه وأقر بعضهم بذلك بلسانه وانتشر خبره وتكلم الناس في قتله فأمر الخليفة بتسليمه إلى حامد بن العباس وأمره أن يكشفه بحضرة القضاة والعلماء ويجمع بينه وبين أصحابه فجرى في ذلك خطوب طوال ثم استيقن السلطان أمره ووقف على ما ذكر عنه وثبت ذلك على يد القضاة وأفتى به العلماء فأمر بقتله وإحراقه بالنار فأحضر مجلس الشرطة بالجانب الغربي في يوم الثلاثاء لتسع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة فضرب بالسياط نحوا من ألف سوط ثم قطعت بداه ورجلاه ثم ضربت عنقه وأحرقت جثته بالنار ونصب رأسه للناس على سور الجسر الجديد وعلقت يداه وجلاه وقال أبو عبدالرحمن بن الحسن السلمي سمعت إبراهيم بن محمد الواعظ يقول قال أبو القاسم الرازي قال أبو بكر بن ممشاذ حضر عندنا بالدينور رجل ومعه مخلاة فما كان يفارقها ليلا ولا نهارا فأنكروا ذلك من حاله ففتشوا مخلاته فوجدوا فيها كتابا للحلاج عنوانه من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان يدعوه إلى الضلالة والإيمان به فبعث بالكتب إلى بغداد فسئل الحلاج عن ذلك فأقر أنه كتبه فقالوا له كنت تدعي النبوة فصرت تدعي الألوهية والربوبية فقال لا ولكن هذا عين الجمع عندنا هل الكاتب إلا الله وأنا واليد آلة فقيل له معك على ذلك أحد قال نعم ابن عطاء وأبو محمد الحريري وأبو بكر الشبلي فسئل الحريري عن ذلك فقال من يقول بهذا كافر وسئل الشبلي عن ذلك فقال من يقول بهذا يمنع وسئل ابن عطاء عن ذلك فقال القول ما يقول الحلاج في ذلك فعوقب حتى كان سبب هلاكه ثم روى أبو عبدالرحمن السلمي عن محمد بن عبدالرحمن الرازي أن الوزير حامد بن العباس لما احضر الحلاج سأله عن اعتقاده فأقر به فكتبه فسأل عن ذلك فقهاء بغداد فأنكروا ذلك وكفروا من اعتقده فكتبه فقال الوزير إن أبا العباس بن عطاء يقول بهذا فقالوا من قال بهذا فهو كافر ثم طلب الوزير ابن عطاء إلى منزله فجاء فجلس في صدر المجلس فسأله عن قول الحلاج فقال من لا يقول بهذا القول فهو بلا اعتقاد فقال الوزير لابن عطاء ويحك تصوب مثل هذا القول وهذا الاعتقاد فقال ابن عطاء ما لك ولهذا عليك بما نصبت له من أخذ أموال الناس وظلمهم وقتلهم فما لك ولكلام هؤلاء السادة من الأولياء فأمر الوزير عند ذلك ] بضرب شدقيه ونزع خفيه وأن يضرب بهما على رأسه فما زال يفعل به ذلك حتى سال الدم من منخريه وأمر بسجنه فقالوا له إن العامة تستوحش من هذا ولا يعجبها فحمل إلى منزله فقال ابن عطاء اللهم اقتله واقطع يديه ورجليه ثم مات ابن عطاء بعد سبعة أيام ثم بعد مدة قتل الوزير شر قتلة وقطعت يداه ورجلاه وأحرقت داره وكان العوام يرون ذلك بدعوة ابن عطاء على عادتهم في مرائيهم فيمن أوذي ممن لهم معه هوى بل قد قال ذلك جماعة ممن ينسب إلى العلم فيمن يؤذي ابن عربي أو يحط على حسين الحلاج أو غيره هذا بخطيئة فلان وقد اتفق علماء بغداد على كفر الحلاج وزندقته وأجمعوا على قتله وصلبه وكان علماء بغداد إذ ذاك هم الدنيا قال أبو بكر محمد بن داود الظاهري حين أحضر الحلاج في المرة الأولى قبل وفاة أبو بكر هذا وسئل عنه فقال إن كان ما أنزل الله على نبيه ( ص ) حقا وما جاء به حقا فما يقوله الحلاج باطل وكان شديدا عليه وقال أبو بكر الصولي قد رأيت الحلاج وخاطبته فرأيته جاهلا يتعاقل وغبيا يتبالغ وخبيثا مدعيا وراغبا يتزهد وفاجرا يتعبد ولما صلب في أول مرة ونودي عليه أربعة أيام سمعه بعضهم وقد جيء به ليصلب وهو راكب على بقرة يقول ما أنا بالحلاج ولكن ألقي علي شبهه وغاب عنكم فلما أدني إلى الخشبة ليصلب عليها سمعته وهو مصلوب يقول يا معين الفنا علي أعني على الفنا وقال بعضهم سمعته وهو مصلوب يقول إلهي أصبحت في دار الرغائب أنظر إلي العجائب إلهي إنك تتودد إلى من يؤذيك فكيف بمن يؤذى فيك
صفة مقتل الحلاج:
قال الخطيب البغدادي وغيره كان الحلاج قد قدم آخر قدمة إلى بغداد فصحب الصوفية وانتسب إليهم وكان الوزير إذ ذاك حامد بن العباس فبلغه أن الحلاج قد أضل خلقا من الحشم والحجاب في دار السلطان ومن غلمان نصر القشوري الحاجب وجعل لهم في جملة ما ادعاه أنه يحيي الموتى وأن الجن يخدمونه ويحضرون له ما شاء ويختار ويشتهيه وقال إنه أحيا عدة من الطير وذكر لعلي بن عيسى أن رجلا يقال له محمد بن علي القنائي الكاتب يعبد الحلاج ويدعو الناس إلى طاعته فطلبه فكبس منزله فأخذه فأقر أنه من أصحاب الحلاج ووجد في منزله أشياء بخط الحلاج مكتوبة بماء الذهب في ورق الحرير مجلدة بأفخر الجلود ووجد عنده سفطا فيه من رجيع الحلاج وعذرته وبوله وأشياء من آثاره وبقية خبز من زاده فطلب الوزير من المقتدر أن يتكلم في أمر الحلاج ففوض أمره إليه فاستدعى بجماعة من أصحاب الحلاج فتهددهم فاعترفوا له أنه قد صح عندهم أنه إله مع الله وأنه يحيي الموتى أنهم كاشفوا الحلاج بذلك ورموه به في وجهه فجحد ذلك وكذبهم وقال أعوذ بالله أن أدعى الربوبية أو النبوة وإنما أنا رجل أعبد الله وأكثر له الصوم والصلاة وفعل الخير لا أعرف غير ذلك وجعل لا يزيد على الشهادتين والتوحيد ويكثر أن يقول سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وكانت عليه مدرعة سوداء وفي رجليه ثلاثة عشر قيدا والمدرعة وأصلة إلى ركبتيه والقيود وأصلة إلى ركبتيه أيضا وكان مع ذلك يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة وكان قبل احتياط الوزير حامد بن العباس عليه في حجرة من دار نصر القشوري الحاجب مأذونا لمن يدخل إليه وكان يسمي نفسه تارة بالحسين بن منصور وتارة محمد بن أحمد الفارسي وكان نصر الحاجب هذا قد افتتن به وظن أنه رجل صالح وكان قد أدخله على المقتدر بالله فرقاه من وجع حصل فاتفق زواله عنه وكذلك وقع لوالدة المقتدر السيدة رقاها فزالت عنها فنفق سوقه وحظي في دار السلطان فلما انتشر الكلام فيه سلم إلى الوزير حامد بن العباس فحبسه في قيود كثيرة في رجليه وجمع له الفقهاء فأجمعوا على كفره وزندقته وأنه ساحر ممخرق ورجع عنه رجلان صالحان ممن كان اتبعه أحدهما أبو علي هارون بن عبد العزيز الأوارجي وألا خر يقال له الدباس فذكرا من فضائحه وما كان يدعو الناس إليه من الكذب والفجور والمخرفة والسحر شيئا كثيرا وكذلك أحضرت زوجة ابنه سليمان فذكرت عنه فضائح كثيرة من ذلك أنه أراد أن يغشاها وهي نائمة فانتبهت فقال قومي إلى الصلاة وإنما كان يريد أن يطأها وأمر ابنتها بالسجود له فقالت أو يسجد بشر لبشر فقال نعم إله في السماء وإله في الأرض ثم أمرها أن تأخذ من تحت بارية هنالك ما أرادت فوجدت تحنها دنانير كثيرة مبدورة ولما كان معتقلا في دار حامد بن العباس الوزير دخل عليه بعض الغلمان ومعه طبق فيه طعام ليأكل منه فوجده قد ملأ البيت من سقفه إلى أرضه فذعر ذلك الغلام وفزع فزعا شديدا وألقى ما كان في يده من ذلك الطبق والطعام ورجع محموما فمرض عدة أيام ولما كان آخر مجلس من مجالسه أحضر القاضي أبو عمر محمد بن يوسف وجيء بالحلاج وقد أحضر له كتاب من دور بعض أصحابه وفيه من أراد الحج ولم يتيسر له فليبن في داره بيتا لا يناله شيء من من النجاسة ولا يمكن أحدا من دخوله فإذا كان في أيام الحج فليصم ثلاثة أيام وليطف به كما يطاف بالكعبة ثم يفعل في داره ما يفعله الحجيج بمكة ثم يستدعي بثلاثين يتيما فيطعمهم من طعامه ويتولى خدمتهم بنفسه ثم يكسوهم قميصا قميصا ويعطي كل واحد منهم سبعة دراهم أو قال ثلاثة دراهم فإذا فعل ذلك قام له مقام الحج وإن من صام ثلاثة أيام لا يفطر إلا في اليوم الرابع على ورقات هندبا أجزأه ذلك عن صيام رمضان ومن صلى في ليلة ركعتين من أول الليل إلى آخره أجزأه ذلك عن الصلاة بعد ذلك وأن من جاور بمقابر الشهداء وبمقابر قريش عشرة أيام يصلي ويدعو ويصوم ثم لا يفطر إلا على شيء من خبز الشعير والملح الجريش أغناه ذلك عن العبادة في بقية عمره فقال له القاضي أبو عمر من أين لك هذا فقال من كتاب الاخلاص للحسن البصري فقال له كذبت يا حلال الدم قد سمعنا كتاب الاخلاص للحسن بمكة ليس فيه شيء من هذا فأقبل الوزير على القاضي فقال له قد قلت يا حلال الدم فاكتب ذلك في هذه الورقة وألح عليه وقدم له الدواة فكتب ذلك في تلك الورقة وكتب من حضر خطوطهم فيها وأنفذها الوزير إلى المقتدر وجعل الحلاج يقول لهم ظهرى حمى ودمي حرام وما يحل لكم أن تتأولوا على ما يبيحه واعتقادي الإسلام ومذهبي السنة وتفضيل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبدالرحمن ابن عوف وأبي عبيدة بن الجراح ولي كتب في السنة موجودة في الوارقين فالله الله في دمي فلا يلتفتون إليه ولا إلى شيء مما يقول وجعل يكرر ذلك وهم يكتبون خطوطهم بما كان من الأمر ورد الحلاج إلى محبسه وتأخر جواب المقتدر ثلاثة أيام حتى ساء ظن الوزير حامد بن العباس فكتب إلى الخليفة يقول له إن أمر الحلاج قد اشتهر ولم يختلف فيه اثنان وقد افتتن كثير من الناس به فجاء الجواب بأن يسلم إلى محمد بن عبدالصمد صاحب الشرطة وليضربه ألف سوط فإن مات والا ضربت عنقه ففرح الوزير بذلك وطلب صاحب الشرطة فسلمه إليه وبعث معه طائفة من غلمانه يصلونه معه إلى محل الشرطة من الجانب الغربي خوفا من أن يستنقذ من أيديهم وذلك بعد عشاء الآخرة في ليلة الثلاثاء لست بقين من ذي القعدة من هذه السنة وهو راكب على بغل عليه إكاف وحوله جماعة من أعوان السياسة على مثل شكله فاستقر منزله بدار الشرطة في هذه الليلة فذكر أنه بات يصلي تلك الليلة ويدعو دعاء كثيرا قال أبو عبدالرحمن السلمي سمعت أبا بكر الشاشي يقول قال أبو الحديد يعني المصري لما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها الحلاج قام يصلي من الليل فصلى ما شاء الله فلما كان آخر الليل قام قائما فتغطى بكسائه ومد يده نحو القبلة فتكلم بكلام جائز الحفظ فكان مما حفظت منه قوله نحن شواهدك فلو دلتنا عزتك لتبدى ما شئت من شأنك ومشيئتك وأنت الذي في السماء إله وفي الأرض إله تتجلى لما تشاء مثل تجليك في مشيئتك كأحسن الصورة والصورة فيها الروح الناطقة بالعلم والبيان والقدرة ثم إني أوعزت إلى شاهدك لأني في ذاتك الهوى كيف أنت إذا مثلت بذاتي عند حلول لذاتي ودعوت إلى ذاتي بذاتي وأبديت حقائقي علومي ومعجزاتي صاعدا في معارجي إلى عروش أزلياتي عند التولي عن برياتي إني احتضرت وقتلت وصلبت وأحرقت واحتملت سافيات الذاريات ولججت في الجاريات وأن ذرة من ينجوج مكان هالوك متجلياتي لأعظم من الراسيات ثم أنشأ يقول ... أنعى إليك نفوسا طاح شاهدها ... فيما ورا الحيث بل في شاهد القدم ... أنعى إليك قلوبا طالما هطلت ... سحائب الوحى فيها أبحر الحكم ... أنعى إليك لسان الحق منك ومن ... أودى وتذكاره في الوهم كالعدم ... أنعى اليك بيانا يستكين له ... أقوال كل فصيح مقول فهم ... أنعى إليك إشارات العقول معا ... لم يبق منهن إلا دارس العلم ... أنعى وحبك أخلاقا لطائفة ... كانت مطاياهم من مكمد الكظم ... مضى الجميع فلا عين ولا أثر ... مضى عاد وفقدان الأولى إرم ... وخلفوا معشرا يحذون لبستهم ... أعمى من البهم بل أعمى من النعم ... قالوا ولما أخرج الحلاج من المنزل الذي بات فيه ليذهب به إلى القتل أنشد ... طلبت المستقر بكل أرض ... فلم أر لي بأرض مستقرا ... وذقت من الزمان وذاق مني ... وجدت مذاقه حلوا ومرا ... أطعت مطامعي فاستعبدتني ... ولو أني قنعت لعشت حرا ... وقيل إنه قالها حين قدم إلى الجذع ليصلب والمشهور الأول فلما أخرجوه للصلب مشى إليه وهو يتبختر في مشيته وفي رجليه ثلاثة عشر قيدا وجعل ينشد ويتمايل... نديمي غير منسوب ... إلى شيء من الحيف ... سقاني مثل ما يشر... ب قعل الضيف الضيف ... فلما دارت الكأس ... دعا بالنطع والسيف ... كذا من يشرب الراح ... مع التنين في الصيف ... ثم قال يستعجل بها الذي لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ثم لم ينطق بعد ذلك حتى فعل به ما فعل قالوا ثم قدم فضرب ألف سوط ثم قطعت يداه ورجلاه وهو في ذلك كله ساكت ما نطق بكلمة ولم يتغير لونه ويقال إنه جعل يقول مع كل سوط أحد أحد قال أبو عبدالرحمن سمعت عبد الله بن علي يقول سمعت عيسى القصار يقول آخر كلمة تكلم بها الحلاج حين قتل أن قال حسب الواحد إفراد الواحد له فما سمع بهذه الكلمة أحد من المشايخ إلارق له واستحسن هذا الكلام منه وقال السلمي سمعت أبا بكر المحاملي يقول سمعت أبا الفاتك البغدادي وكان صاحب الحلاج قال رأيت في النوم بعد ثلاث من قتل الحلاج كأني واقف بين يدي ربي عز و جل وأنا أقول يا رب ما فعل الحسين بن منصور فقال كاشفته بمعنى فدعا الخلق إلى نفسه فأنزلت به ما رأيت ومنهم من قال بل جزع عند القتل جزعا شديدا وبكى بكاء كثيرا فالله أعلم وقال الخطيب ثنا عبد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي قال قال لنا أبو عمر بن حيوية لما أخرج الحسين بن منصور الحلاج ليقتل مضيت في جملة الناس ولم أزل أزاحم حتى رأيته فدنوت منه فقال لأصحابه لا يهولنكم هذا الأمر فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يوما ثم قتل فما عاد وذكر الخطيب أنه قال وهو يضرب لمحمد بن عبد الصمد وإلى الشرطة أدع بي إليك فإن عندي نصيحة تعدل فتح القسطنطينية فقال له قد قيل لي إنك ستقول مثل هذا وليس إلى رفع الضرب عنك سبيل ثم قطعت يداه ورجلاه وحز رأسه وأحرقت جثته وألقى رمادها في دجلة ونصب الرأس يومين ببغداد على الجسر ثم حمل إلى خراسان وطيف به في تلك النواحي وجعل أصحابه يعدون أنفسهم برجوعه إليهم بعد ثلاثين يوما وزعم بعضهم أنه رأى الحلاج من آخر ذلك اليوم وهو راكب على حمار في طريق النهروان فقال لعلك من هؤلاء النفر الذين ظنوا أني أنا هو المضروب المقتول إني لست به وإنما ألقي شبهي على رجل ففعل به ما رأيتم وكانوا بجهلهم يقولون إنما قتل عدو من أعداء الحلاج فذكر هذا لبعض علماء ذلك الزمان فقال إن كان هذا الرأي صادقا فقد تبدى له شيطان على صورة الحلاج ليضل الناس به كما ضلت فرقة النصارى بالمصلوب قال الخطيب واتفق له أن دجلة زادت في هذا العام زيادة كثيرة فقال إنما زادت لأن رماد جثة الحلاج خالطها وللعوام في مثل هذا وأشباهه ضروب من الهذيانات قديما وحديثا ونودي ببغداد أن لا تشتري كتب الحلاج ولا تباع وكان قتله يوم الثلاثاء لست بقين من ذي القعدة من سنة تسع وثلثمائة ببغداد وقد ذكره ابن خلكان في الوفيات وحكى اختلاف الناس فيه ونقل عن الغزالي أنه ذكره في مشكاة الأنوار وتأول كلامه وحمله على ما يليق ثم نقل ابن خلكان عن إمام الحرمين أنه كان يذمه ويقول إنه اتفق هو والجنابي وابن المقفع على إفساد عقائد الناس وتفرقوا في البلاد فكان الجنابي في هجر والبحرين وابن المقفع ببلاد الترك ودخل الحلاج العراق فحكم صاحباه عليه بالهلكة لعدم انخداع أهل العراق بالباطل قال ابن خلكان وهذا لا ينتظم فإن ابن المقفع كان قبل الحلاج بدهر في أيام السفاح والمنصور ومات سنة خمسين وأربعين ومائتين أو قبلها ولعل إمام الحرمين أراد ابن المقفع الخراساني الذي ادعى الربوبية وأوتي العمر واسمه عطاء وقد قتل نفسه بالسم في سنة ثلاث وستين ومائتين ولا يمكن اجتماعه مع الحلاج أيضا وإن أردنا تصحيح كلام إمام الحرمين فنذكر ثلاثة قد اجتمعوا في وقت واحد على إضلال الناس وإفساد العقائد كما ذكر فيكون المراد بذلك الحلاج وهو الحسين بن منصور الذي ذكره وابن السمعاني يعني أبا جعفر محمد ابن علي وأبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي القرمطي الذي قتل الحجاج وأخذ الحجر الأسود وطم زمزم ونهب أستار الكعبة فهؤلاء يمكن اجتماعهم في وقت واحد كما ذكرنا ذلك مبسوطا وذكره ابن خلكان ملخصا وفيها توفي من الأعيان

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة