عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 07-03-2011, 07:52 AM   #22
معلومات العضو
فيه شفاء

I15 بعض أحكام المسحور

أحكام طهارة المسحور:
نقصد بطهارة المسحور هنا، هي تلك الطهارة، التي تترتب عليها الأحكام الشرعية، من صلاة ومس مصحف ومكث في المسجد... وغير ذلك، وستلاحظ في هذه المباحث الكلام على المجنون، وإنما نقصد به من كان سبب جنونه السحر، والشياطين، لا من كان سبب جنونه غير ذلك.
فالمسحور له حالتان:
· الحالة الأولى- إما أن يكون ذلك السحر قد أثر على عقله تأثيرا كليا، فأصبح لا يعي شيئاً، ويسمى هذا: جنون مطبق، وهو:"الذي يستوعب جنونه جميع أوقاته"([1]). فهذا له أحكام خاصة سنتناولها بشيء من التفصيل، بمشيئة الله تعالى.
· الحالة الثانية- إما أن يكون ذلك السحر قد أثر على عقله تأثيرا جزئيا، فيعي أحيانا، ويغيب وعيه في أحيان أخرى، وهذا يسمى جنون غير مطبق، وهو:"الذي يكون في بعض الأوقات مجنونا، ويفيق في بعضها كالمصروع"([2]). وهذا أيضا له أحكام خاصة، سنتناولها بشيء من التفصيل بمشيئة الله تعالى.
ولنشرع الآن في بيان أحكام طهارة المسحور، الذي ذهب عقله بالكلية جراء السحر.
§ حكم وضوء المسحور:
لقد عد العلماء رحمهم الله تعالى زوال العقل- بأي سبب من الأسباب- ناقضا للوضوء، قال النووي:"واتفقوا على أن زوال العقل، بالجنون والإغماء، والسكر بالخمر أو النبيذ أو البنج أو الدواء، ينقض الوضوء، سواء قل أو كثر"([3])والجنون قد يكون بسحر- وهذا ما يهمنا في بحثنا هذا- أو بغيره. قال ابن نجيم الحنفي:"وأما الجنون: فهو زوال العقل، ونقضه ظاهر، باعتبار عدم مبالاته، وتمييز الحدث من غيره"([4]) وقال ابن قدامة:"زوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر، ينقض الوضوء"([5]).
أما إذا كان المسحور يذهب عقله أحيانا، ويفيق أحيانا، فيصح وضوءه في حال إفاقته؛ لأن مناط التكليف العقل، وقد وجد، فيترتب على ذلك صحة وضوءه؛ ولأن العلماء يعلقون تصرفات المسحور بسلامة عقله. قال السبكي وهو يبين شروط إمام صلاة الجماعة:"فلا تصح إمامة المجنون المطبِق جنونهُ، والسكران المعتوه أما من يُجنّ ويُفيق فتصح إمامته حال إفاقته"([6]).
§ حكم غُسل المسحور: هل يجب على المسحور إذا أفاق ورجع إليه عقله، أن يغتسل؟
استحب ذلك أبو حامد الغزالي([7]).
قال ابن قدامة:"ولا يجب الغسل على المجنون، والمغمى عليه إذا أفاقا من غير احتلام، ولا أعلم في هذا خلافا"([8]). ثم ذكر بعد ذلك أنه يستحب الغسل؛ خروجا من الخلاف([9]).
وسئل الإمام أحمد: هل يغتسل من أفاق من صرع الجنون؟ "قال: لا. أما الوضوء فلا بأس به"([10]).
ثانيا- أحكام صلاته:
بناءً على أن العقل من شروط وجوب وصحة الصلاة([11])، والمسحور فاقد للعقل- إما فقدا كليا أو جزئيا- فيترتب على ذلك عدم صحة صلاة من هذه حالته؛ لأنه غير مكلف، قال ابن عثيمين:" فالمجنون البالغ غير مكلَّف"([12]).
أما من يفيق أحيانا، ويغيب عقله أحيانا أخرى، فتصح صلاته حال إفاقته، لا حال غياب عقله. قال السبكي وهو يبين شروط إمام صلاة الجماعة:"فلا تصح إمامة المجنون المطبِق جنونهُ، والسكران المعتوه أما من يُجنّ ويُفيق فتصح إمامته حال إفاقته"([13]).قال ابن قدامة:"والمجنون غير مكلف، ولا يلزمه قضاء ما ترك في حال جنونه، إلا أن يفيق في وقت الصلاة، فيصير كالصبي يبلغ، ولا يعلم في ذلك خلافا"([14]). قال السيوطي:"مسألة: المجنون هل يجوز له قضاء ما فاته إذا أفاق، من صلاة وصوم، أم يستحب، أم يكره؟
الجواب: القضاء للمجنون مستحب، ذكره في المهمات"([15]).
جاء في فتاوى الشبكة الإسلامية، الفتوى التالية:- السؤال-:"ماحكم من يسرع في الصلاة - النقر- مع العلم بأنه - مسحور- أي ملبوس بجن، وأن الجن لا يريده أن يصلي، وأحيانا يجعله يؤخر في صلاته.فهل صلاته صحيحة؟
أفيدونا جزاكم الله خيرا.
- الجواب- الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فإن كان هذا المسحور قد أثر عليه السحر تأثيراً بيناً، وأخرجه عن تصرفاته العادية، بحيث لو رأى في حال إفاقته من يتصرف تلك التصرفات لأنكرها عليه، فإنه غير مؤاخذ في تقصيره في أحكام الصلاة، إذ هو بمثابة المعتوه.
أما إذا كان المسحور يتحكم في تصرفاته، ويضبط ما يصدر عنه من أفعال وأقوال، بحيث يملك أن يصلي الصلاة التامة بأركانها، لكنه يستسلم لوسوسة الشيطان، ويكسل عن القيام بفرائضها، فإنه آثم، ولا تصح منه الصلاة إلا بالقيام بأركانها وواجباتها، ويأثم بتأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر.والله أعلم"([16]).
ثالثا- أحكام صيامه:
وما قيل في أحكام طهارة المسحور وصلاته، يقال في حكم صيامه، قال ابن قدامة:"فأما المجنون إذا أفاق في أثناء الشهر، فعليه صوم ما بقي من الأيام بغير خلاف، وفي قضاء اليوم الذي أفاق فيه وإمساكه روايتان، ولا يلزمه قضاء ما مضى، وبهذا قال أبو ثور والشافعي في الجديد، وقال مالك: يقضي وإن مضى عليه سنون، وعن أحمد مثله، وهو قول الشافعي القديم؛ لأنه معنى يزيل العقل، فلم يمنع وجوب الصوم كالإغماء، وقال أبو حنيفة: إن جن جميع الشهر، فلا قضاء عليه، وإن أفاق في أثنائه، قضى مامضى؛ لأن الجنون لا ينافي الصوم؛ بدليل ما لو جن في أثناء الصوم،لم يفسد، فإذا وجد في بعض الشهر، وجب القضاء كالإغماء، ولنا، أنه معنى يزيل التكليف، فلم يجب القضاء في زمانه، كالصغر والكفر، ويخص أبا حنيفة، بأنه معنى، لو وجد في جميع الأشهر، أسقط القضاء، فإذا وجد في بعضه أسقطه، كالصغر والكفر، ويفارق الإغماء في ذلك"([17]).قال ابن عثيمين:"ولا يجب الصوم على من لا عقل له كالمجنون والمعتوه ونحوهما"([18]).
"سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله تعالى -: ما حكم صيام من يعقل زمناً ويجن زمناً آخر؟ أو يهذري يوماً ويصحو يوماً آخر؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم يدور مع علته، ففي الأوقات التي يكون فيها صاحياً عاقلاً يجب عليه الصوم، وفي الأوقات التي يكون فيها مجنوناً مهذرياً لا صوم عليه، فلو فرض أنه يجن يوماً ويفيق يوماً، أو يهذري يوماً ويصحو يوماً ففي اليوم الذي يصحو فيه يلزمه الصوم، وفي اليوم الذي لا يصحو فيه لا يلزمه الصوم"([19]).

[1]- درر الحكام شرح مجلة الأحكام (2/ 584) تأليف: علي حيدر، تحقيق تعريب: المحامي فهمي الحسيني، الناشر: دار الكتب العلمية، مكان النشر لبنان -بيروت.

[2]- نفس المصدر (2/585).

[3]- شرح النووي على مسلم (4/ 74) الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية: 1392م.

[4]- البحر الرائق (1/ 41) زين الدين ابن نجيم الحنفي، الناشر دار المعرفة، مكان النشر بيروت.

[5]- الكافي في فقه ابن حنبل (1/ 43،44) عبد الله بن قدامة المقدسي أبو محمد،الناشر: المكتب الإسلامي، مكان النشر: بيروت.

[6]- إرشاد الخلق إلى دين الحق (1/ 61) محمود محمد خطاب السّبكى، تنقيح وتعليق: أمين محمود خطاب، الطبعة الثالثة، 1401هـ - 1980م في الشاملة

[7]- انظر الوسيط في المذهب (2/291) محمد بن محمد بن محمد الغزالي أبو حامد، تحقيق أحمد محمود إبراهيم, محمد محمد تامر، الناشر: دار السلام، سنة النشر: 1417، مكان النشر: القاهرة.

[8]- المغني (1/ 244) الناشر: دار الفكر - بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ.

[9]- انظر المغني (1/ 244).

[10]- مسائل الإمام أحمد وابن راهويه (2/603) تأليف: إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج، تحقيق:خالد بن محمود الرباط، وأم الحوشي، د.جمعة فتحي، دار الهجرة - الرياض، الطبعة الأولى.

[11] - انظر البحر الرائق (1/ 10) ونور الإيضاح (1/36) تأليف: حسن الوفائي الشرنبلالي أبو الإخلاص، دار النشر: دار الحكمة - دمشق - 1985، والخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية (1/ 63 ) تأليف: محمد العربي القروي، دار النشر: دار الكتب العلمية – بيروت، وحاشية العدوي (1/ص 161) تأليف: علي الصعيدي العدوي المالكي، دار النشر: دار الفكر - بيروت – 1412هـ، تحقيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي.

[12] - الشرح الممتع على زاد المستقنع - (2/ 13) المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين، دار النشر : دار ابن الجوزي، الطبعة : الأولى، سنة الطبع: 1422 - 1428 هـ .

[13] - إرشاد الخلق إلى دين الحق (1/ 61) محمود محمد خطاب السّبكى، تنقيح وتعليق: أمين محمود خطاب، الطبعة الثالثة سنة 1401هـ - 1980م. في الشاملة3

[14] - المغني (1/ 240 ).

[15] - الحاوي للفتاوي (1/30) المؤلف: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت/ لبنان - 1421هـ - 2000م، الطبعة: الأولى.

[16] - فتاوى الشبكة الإسلامية، تاريخ الفتوى: 19 /شعبان /1423 رابط الفتوى:http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/ShowFatwa.php?lang=A&Id=24223&Option=FatwaId

[17] - المغني (3/ 47، 46)

[18] - الضياء اللامع من الخطب الجوامع (3/ 50) المؤلف: محمد بن صالح العثيمين، الناشر: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الطبعة: الأولى، تاريخ النشر: 1408هـ - 1988م .الشاملة3

[19] - مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (19/ 88) جمع وترتيب: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، الناشر : دار الوطن - دار الثريا، الطبعة : الأخيرة - 1413 هـ

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة