عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 17-03-2010, 06:19 PM   #5
معلومات العضو
عطر
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية عطر
 

 

افتراضي

غزوة بدر:

ثم جاءت الغزوات فكانت غزوة بدر وهي حدث عظيم، لكن من أعظم ما يلفت النظر فيها أنه
بعد ما أخذ بالأسباب المادية وجهز الجيش وأعد العدة، لجأ إلى ربه، فاللجوء إلى الله – جل وعلا – لا يستغنى عنه أحد كائنًا من كان، مهما عظمت قدراتنا، وبلغ حولنا ما بلغ، وزادت قوتنا، فإن حاجتنا إلى الله جل وعلا حاجة أبدية؛ لأننا فقراء إلى الله – جل وعلا – مهما بلغنا، مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش ينادي ربه حتى سقط رداؤه عن منكبه – صلوات الله وسلامه عليه – وأبو بكر يأتيه من الخلف ويضمه ويقول: بعض مناشدتك ربك يا رسول الله، فأنزل الله: ]إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ[[الأنفال: 9].
فكان النصر له – صلوات الله وسلامه عليه -، فلما أقر الله عينه بالنصر ووضع القتلى في قليب بدر نظر إليهم – عليه الصلاة والسلام – وأخذ يقول: «يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان – يناديهم بأسمائهم -: هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًا» فتعجب أصحابه، قالوا: يا رسول الله، تكلم قومًا قد جيفوا؟ قال: «يا عمر! والله ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يملكون جوابًا».

غزوة أحد:

ثم كانت أحد، وما أدراك ما أحد؟! فيها من العظات الشيء الكثير، لكن فيها أن وجهه كان نورًا يتلألأ، كأنه فلقة قمر، ومع ذلك يريد الله أن يثبت أن الكمال المطلق لله وحده سبحانه، فيشاع في أرض المعركة أنه ، قتل ويشج رأسه، وتكسر رباعيته، ويسيل الدم على وجهه الشريف ثم يمسح r وجهه الطاهر بيديه، ويقول: «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى الإسلام؟» فأنزل الله – جل وعلا – قوله: ]لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ[[آل عمران: 128]. فالأمر كله لله –جل وعلا– وحده.
وليت بني قومي اليوم إذا سمعوا بهلاك أحد، أو بموت أحد، لا يشغلون أنفسهم هل هو في جنة أو هو في نار؟ فهذه أمور لله تبارك وتعالى وحده، ولم يكلفنا الله تبارك وتعالى بأن ندخل من نشاء الجنة أو أن نحرم من نشاء منها، أو ندخل من نشاء النار، أو نمنع من نشاء منها، الجنة والنار بيد الله العزيز الغفار، والله –جلا وعلا– أعلم بخلقه، وأعلم بما تكنه الصدور، وهو تبارك وتعالى أسرع الحاسبين، وقد قال بعض الصالحين لولده ينصحه: يا بنيَّ! إن الله لن يسألك لم لم تلعن فرعون، مع أن فرعون ملعون في كتاب الله، لكن العاقل من لا يلقي لمثل هذه الأمور بالاً، ولا يشغل بها نفسه، الجنة والنار بيد أسرع الحاسبين، وبيد رب العالمين، وبيد أرحم الراحمين، ولن يسألنا الله من هم أهل الجنة؟ ومن هم أهل النار؟ ولكننا لأنفسنا نسأل الله الجنة ونستجير بالله – جل وعلا – من النار.
وفي مسند البزار: إن لا إله إلا الله كلمة كريمة على الله، من قالها في الدنيا صادقًا دخل الجنة، ومن قالها في الدنيا كاذبًا حقنت دمه وحسابه على الله – جل وعلا – فالعاقل لا يشغل نفسه بما لا يعنيه، لكنه في حوادث الدهر يحكم فيهن ما أمر الله به ورسوله.

أما الحوادث الأخروية فلسنا مسؤولين عنها؛ لأن علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى.
وفي غزوة أحد أراد الله – جل وعلا – أن يربي المسلمين على أن القادة العظماء، والزعماء الأفذاذ، لا يربون الناس على التعلق بذواتهم، وعلى حبهم، والمبالغة في الغلو فيهم ولكنهم يربون الناس على التعلق بالله – جل وعلا، فلما أصاب المسلمين ما أصابهم يوم أحد قال الله – جل وعلا – معاتبًا أهل الإيمان: ]وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ[[آل عمران: 144، 145].
فالعاقل لا يربي من حوله على التعلق به، وإنما يربيهم على التعلق بالله – جل وعلا – وحده.
فلا إله إلا الله تعني أن الكمال المطلق، والحب المطلق، والتوحيد المطلق، والتكبير المطلق لا يكون إلا لله – جل وعلا – وحده، فإذا كان سيد الخلق وجوده رحمة، وعدمه لا يضر المسلمين شيئًا إذا اعتصموا بما جاء به، كان غيره أولى وأجدر أن تطبق عليه هذه القاعدة فكان r حي المبادئ، حي الدين الذي جاء به، أما هو فيجري عليه قلم القضاء: ]إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ[[الزمر: 30، 31]، فهذا أعظم ما خرج المسلمون به يوم أحد من تربية إلهية لهم.

غزوة الأحزاب:

ثم كانت غزوة الأحزاب، تجمعت قريش، وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدينته، فاستشار الناس، فأشار عليه سلمان الفارسي أن يحفر الخندق، والخندق وسيلة حربية مجوسية، أخذها سلمان من أهل فارس، لم يكن للعرب عهد ولا علم بها آنذاك، وهنا نأتي لما عرف في عصرنا بصراع الحضارات، ينبغي أن يفرق أهل التقوى ما بين التقارب الديني، وما بين التقارب الحضاري.
الدين يا أخي صنع إلهي، لا يملك أحد أن يزيد فيه وينقص، والحضارة صنع إنساني قابلة للزيادة والنقصان، قابلة للأخذ والعطاء، قابلة للتلاقح بين الأمم، إذا تقاربت وتنافست!
فالنبي قبل مشورة سلمان، وعمل الخندق لما رأى فيه مصلحة يقوم به صلاح أمته، ولم يقل r حينها: «من تشبه بقوم فهو منهم»، من تشبه بقوم فهو منهم محمول على من تشبه بهم في أمور الدين، أما الصناعات الإنسانية فليست ملكًا لأحد، ولقد كانت العرب لا تأتي المرأة وهي مرضع خوفًا من أن يؤثر الإتيان على الرضيع، فلما بلغ النبي r أن فارس والروم تصنع ذلك، ولا يضر أبناءها شيئًا لم ينه أمته عنه كما روى مسلم في الصحيح من حديث جابر t، فالحضارات حق مفتوح، وأمر مشاع، يجوز للأمة أن تأخذ منه إذا رأت في ذلك مصلحتها، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها، أما الدين فـ ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا[[المائدة: 3].
ما عندنا من الدين يمنعنا أن نأخذ ولو قطرة من سقاء من أي دين أو ملةٍ على وجه الأرض؛ لأن الله يقول: ]وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[
[آل عمران: 85]
.

صلح الحديبية:

ثم توالت الأمور حتى كانت السنة السادسة فعزم على التوجه إلى مكة معتمرًا وأخذ معه رهطًا من أصحابه معهم السيوف في قُرُبها، فلما دنوا من البيت العتيق منعتهم قريش من أن يدخلوا، فجرى ما جرى من التفاوض وكانت قريش تريد أن تطمئن إلى أن النبي لم يأت لقتال، فكان أن بعث النبي عثمان؛ لأنه كان يؤمئذ عزيزًا منيعًا في بني أمية، وكان أكثرهم مشركًا حين ذاك، ثم أشيع أن عثمان قد قتل، فبايع الصحابة – رضي الله عنهم وأرضاهم – نبينا على الموت تحت ظل شجرة سمرة، وكان الذين بايعوه حينئذٍ ألفًا وأربعمائة رجل كلهم إلا الجد بن قيس كان رجلاً منافقًا لم يحضر البيعة، قال النبي لهؤلاء: «أنتم خير أهل الأرض»، وقال لهم: «لا يدخل النار رجل بايع تحت الشجرة».
ثم إنه بسط يمينه وقال: «هذه عن عثمان»، ثم بسط يساره يبايع نفسه بنفسه. قال العلماء: فكانت يد رسول الله لعثمان خيرًا من يد عثمان لعثمان نفسه.
بعد هذه البيعة وبعد مداولات أُقر الصلح بين المسلمين وبين كفار قريش، والصلح ظاهره فيه إجحاف بحق المؤمنين، وباطنه الرحمة، إذ وضعت الحرب، وألقت أوزارها.
وأخذ ذوو العقول يفكرون في الطرائق المثلى للوصول إلى الإيمان، إن هناك أناسًا يرزقهم الله – جل وعلا – عقولاً، ويمنعهم من الاستفادة منها حجب التقليد التي يضعونها أمامهم، أبو جهل كان يعلم أن محمدًا على الحق، ورأى من الآيات ما يشهد له بذلك، لكن الحسد والتقليد الأعمى منعه وكان سببًا في حرمانه من دخول الإيمان. أمَّا سُراقة بن مالك لما تبع النبي ورأى الآية لما ساخت قوائمُ فرسه آمن أن النبي حق وعرف الآية، وبنذ التقليد وراء ظهره.
خلال هذه الفترة بعد الصلح رجع عقلاء الناس إلى أنفسهم، وأخذوا يناقشونها ويحاسبونها، فدخل كثير من الناس أفواجًا في دين الله، فانقلب ذلك العدد من ألف وأربعمائة رجل إلى عشرة آلاف يوم الفتح، كما سيأتي ثم عاد r إلى المدينة، وفي العام الذي بعده كانت عمرة القضاء، ثم إنه غزا خيبر.


التعديل الأخير تم بواسطة عطر ; 17-03-2010 الساعة 09:32 PM.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة