( عـــــــــلاج الاكتئــــــــــــــاب )
لمَّا كانت شرعية الإسلام جاءت لتحقيق مصالح العباد وتكثيرها ،ودرء المفاسد عنهم وتقليلها: كان من رحمة الله سبحانه أن جعل القرآن الكريم شفاء ورحمة للمؤمنين ،كما قال سبحانه : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً) سورة الاسراء،الآية:82 .
وقـال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَ تْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) سورة يونس،الآية:57 .
وقال عزَّ وجلَّ : ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) سورة فصلت،الآية :44 .
فما على المسلم سوى العودة إلى كتاب ربه عزَّ وجلَّ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ليفوز بسعادة الدنيا والآخرة ..
والحزن والاكتئاب والقلق والهم والغم : أمراض كثير منها ناتج عن البعد عن طاعة الله سبحانه،وقليل منها يكون بأسباب أحداث الحياة ،وآلامها وأحزانها ، والأقل منها يكون بسب علل عضوية ، وأدوية مأخوذة ..
وعلاج الاكتئاب في شريعة الإسلام يكون قسمين :
1- عـلاج ديني إيماني :
2- عـلاج دوائي طبيٌّ :
فأما العلاج الإيماني : فيكون بمعرفة أنَّ عقيدة الإسلام لها أثر كبير في الوقاية من الاكتئاب وعلاجه عند وجوده ..
ومن قضايا الاعتقاد المهمة التي لها أثر في درء الاكتئاب قبل وجوده ،وعلاجه عندما يوجد :
أ- الإيمان بالقضاء والقدر: فعقيدتنا نحن المسلمين تمنعنا الحزن والاكتئاب ،وتوجب علينا الرضى بالقضاء والقدر ، قال تعال: ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) سورة الحديد،الآية:22.
وثبت عـن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قــال لعبـد الله بن عباس -رضي الله عنهما- يا غلام: ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهنَّ ، فقلت: بلى ، فقال : احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك ،تعرَّف إليه في الرَّخاء يعرفك في الشدة ، وإذا سألتَ فاسأل الله،وإذا استعنتَ فاستعن بالله ،قد جفَّ القلمُ بما هو كائن ، فلو أنَّ الخلقَ كلّهم جميعاً أرادوا أنْ ينفعوك بشيءٍ لم يكتبه الله عليك ،لم يقدروا عليه ،وإنْ أرادوا أنْ يضروك بشيءٍ لم يكتبه الله عليك ،لم يقدروا عليه ،واعـلم : أنَّ في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، وأنَّ النَّصـرَ مع الصـبرِ، وأنَّ الفرجَ مع الكرب ، وأنَّ مع العسر يسراً ) السلسلة الصحيحة(رقم:2382) .
وفي رواية : (واعلم أنَّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك ) .
فالمسلم عندما يعلم : أنَّ الأمور مفروغ منها ومكتوبة؛فإنه لا يحزن،وكيف يحزن وهو يعلم أنَّ مَنْ حوله من الإنس والجنِّ لا يستطيعون أن يضروه ،أو ينفعوه إلا بقدر الله تعالى ؟فلِمَ القلق إذن ،ولم الحزن الشديد ؟! .
ب- الإيمان باليوم الآخر:إن الذي يؤمن باليوم الآخر يعلم أن هذه الدنيا لا تساوي شيئاً فهي قصيرة جداً، وإذا فقد شيئاً في هذه الدنيا فإنه لا يحزن الحزن الشديد عليه، ويتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء ) رواه الترمذي ،صحيح .
والإيمان باليوم الآخر: يخفف الحزن ،ويسلِّي المؤمن وممَّا يدل على ذلك ما أخرجه ابن ماجة بسند حسن عن أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها -قالت :لما توفي ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له المعزي: إمَّا أبو بكر، وإمَّا عمر: أنت أحق من عظَّم الله حقّه،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يُسخط الربَّ، ولولا أنه وعدٌ صادق،وموعودٌ جامعٌ، وأنَّ الآخِرَ منَّا يتبع الأوَّل ، لوجـدنا عليك يا إبراهيـمُ وجداً أشدَّ ما وجـدنا، وإنَّا بك لمحزونون ) .
ج- مفهوم المسلم للمصائب والأحزان :
يؤمن المسـلم بأنَّ المصائب قد تكون علامة على محبة الله تعالى للعبد ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الله إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم )صحيح رواه أحمد وغيره .
كما أنه يؤمن بأنَّ الابتلاء يكون على قدر الإيمان كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : (أشـدُّ الناس بلاء : الأنبياء ،ثم الصالحون،ثمَّ الأمثلُ فالأمثل ) صحيح الجامع : (رقم : 1003) .
كما يؤمن -أيضاً- بأنَّ المصائب سبب عظيم لتكفير الخطايا والذنوب، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(ما يصيب المسلم من نصبٍ ،ولا وصب ، ولا هم ،ولا حزن ،ولا أذى، ولا غمٍّ ،حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه )رواه البخاري ومسلم .فـإذا صبر على المصيبة ارتفعت درجته عنـد ربه،وبُشر بالخير،قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّـذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَـالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَـلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) سورة البقرة،الآية :155-157 .
وقال تعالى: ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)سورة الزمر، الآية :10 .
فالمؤمن في كلِّ أحواله في خير ،روى مسلم في صحيحه من حديث صهيب -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (عجباً لأمر المؤمن،إنَّ أمره كلَّه خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له،وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له ) .
يتبع إنْ شاء الله تعالى ....
_________________
الإمارات العربية المتحدة .. ( أبوظبي ) حفظها الله تعالى من كل بلاء ومكروه .. وسائر بلاد المسلمين ..
أخوكم : أبوعبد الرحمن اليوسف .