المحاضرة الثانية في شروط المجتهد المستقل
المحاضرة الثانية في شروط المجتهد المستقل
المجتهدون المستقلون هم الطبقة العليا ويسمون المجتهدون المستقلون في الاجتهاد فهم الذين يرسمون لأنفسهم المناهج ويفرعون عليها الفروع وهم مستقلون لا تابعين لأحد ولا منتسبين اليه
ومن هؤلاء فقهاء الصحابة والتابعين كالأئمة الأربعة والليث بن سعد والثوري وغيرهم كثير
وقد حكم بعض العلماء المتأخرين باغلاق باب الاجتهاد بالنسبة الي هذا النوع ولكن الجانب الأعظم يرفضون هذا القول
ورحم الله استاذنا محمد ابو زهرة اذ يقول :
ولا نعرف أحدا" يسوغ له أن يغلق بابا" فتحه الله تعالي للعقول ، فان قال ذلك فمن أي دليل أخذ ولماذا يحرم علي غيره مايبيحه لنفسه ..
ورحمة الله علي ابن بدران الدمشقي الحنبلي وهو يصف القائلين بسد باب الاجتهاد المستقل بالجمود والجهل ويقرر أن الاجتهاد الآن أسهل منه في العصور السابقة وذلك بتقدم العلوم وفن الطباعة وكثرة المؤلفات .
وفيهم – أي المجتهدون المستقلون- قال عنهم ابن القيم هم الذين قال رسول الله صلي الله فيهم : ان الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة عام من يجدد لها من أمر دينها ..
ونحن نقول بأنه لا يجوز أن يخلو عصر من العصور من مجتهد توفرت فيه شروط الأجتهاد المستقل فان ذلك ضرورة لا بد منها صيانة للدين من افتراء المفترين وحماية له من الحاد الملحدين ولقد مضي أئمة المذاهب في دعوة تلا ميذهم وأتباعهم الي أن يبحثوا في أقوالهم وأحكامهم ليكونوا علي بينة منها قبل أن يأخذوا بها
والشيعة يقررون أن باب الاجتهاد لم يغلق وفقهاء الظاهرية أوجبوه .
وقبل أن نتكلم عن الشروط المجتهد المستقل أود أن يعلم أخواني في الله أن هناك أرعة طبقات من طبقات المجتهدين هم :
1/المجتهدون المستقلون : وهم مانتكلم عنهم
2/المجتهدون المنتسبون : أي لهم مذهب ينتسبون اليه وهم من أختاروا أقوال امامهم في الأصل وخالفوه في الفرع وان انتهوا الي نتائج متشابهة في الجملة لما وصل اليه الامام
3/ المجتهدون في المذهب : وهم الذين اختارور اقوال امامهم في الأصل والفرع
4/ المجتهدون المرجحون : ومن اسمهم يتبين ان عملهم هو الترجيح بين الاراء المروية بوسائل الترجيح التي ضبطها لهم علماء الطبقات السابقة
ونعود بعد هذه النبذة الي موضوعنا الأصيل وهو شروط الواجب توافرها في المجتهد المستقل وهي تتلخص في ستة شروط هامة وهي :
1/ العلم باللغة العربية :
من معرفة بالنحو والصرف والبلاغة ومعرفة معاني مفردات اللغة وتراكيبها وخواص الأساليب المختلفة في التعبير
وقد اشترط الامام الغزالي في المستصفي ان يكون متبحرا" في علوم اللغة العربية
ولكن واقع الحال يقول انه ليس من شأن العربي أن يقف علي دقائق اللغة كلها لأن الشأن فيه أنه لا يجيد الا لغة قبيلة واحدة ولا يفترض فيه أن يعلم علم تام بلغات القبائل المختلفة وأساليبها اللغوية فهذا مما لا يف عليه أحد
اما الامام الشاطبي في الموافقات فيرتب الباحثين في الشريعة بحسب مرتبتهم في اللغة فيقول :
فاذا فرضها مبتدأ في اللغة فهو مبتدأ في الشريعة أو متوسط فهو متوسط في فهم الشريعة
ونحن نري أن كلام الشاطبي منطقي ومعقول لأن المجتهد حجة لغير المجتهد ولا يصل الي هذه الدرجة الا من يكون قد وصل الي درجة قريبة ممن تكون أقوالهم وآراؤهم حجة وهم أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ومن بعدهم أئمة الدين وكلهم كان اماما" في العربية بقدر امامته في الفقه والله الموفق
2/ العلم بالقرآن الكريم :
فيجب علي المجتهد أن يكون عالما بدقائق آيات الأحكام القرآنية المقاربة لخمسمائة آية منه ويمون علمه بهذه الآيات شاملا" للعام والخاص والناسخ والنسوخ وعالما" بامعاني والعلل المؤثرة في الأحكام ووجوه الدلالات للألفظ وأحكامها
ولا يشترط حفظه للقرآن كله بل يكفي أن يكون عارفا" بمواقعه حتي يرجع اليه في وقت الحاجة والأفضل كما قال الامام الشاطبي وجمهرة العلم أن يكون حافظا" للقرآن كله لكونه أضبط لمعانيه من غير الحافظ
ولكن القدرة علي الاجتهاد تتوفر للمجتهد بادامة النظر في القرآن وبذلك لاتوقف علي الحفظ
3/ العلم بالسنة :
فيجب أن يكون المجتهد عالما" بالسنة القولية والفعلية والتقريبية قارئا" لها وفاهما" ومدركا" المناسبات التي قيلت فيها .
فيجب أن يكون المجتهد عارفا بالناسخ والمنسوخ منها والعام والخاص والمطلق والمقيد وأن يعرف اسناد الأحاديث وطرق الرواية وقوة الرواة وضعفهم
ولا يشترط أن يكون المجتهد حافظا" للسنة كلها بل يكفي معرفة ما يتعلق منها بالأحكام
وقد اختلف الفقهاء في المقدار الذي يحتاج اليه في ذلك :
فقال بعضهم أنه ثلاثة آلاف حديث وحده بعضهم بألف ومائتين ويري ابن القيم : أن الأصول التي تدور عليها الأحكام هي خمسمائة حديث وهي مفصلة في أربعة آلاف حديث
4/ العلم بالقياس :
يقول الامام الشافعي : الاجتهاد هو العلم بأوجه القياس وطرائقه
فلابد ان يكون المجتهد علي دراية تامة بمنهج القياس السليم وذلك يقتضي العلم بثلاثة أمور :
أولها : العلم بأصول النصوص التي يبني علها العلم بالعلل التي قامت علها أحكام هذه النصوص والتي يمكن عن طريقها الحاق حكم الفرع اليها
ثانيا" : العلم بقوانين القياس وضوابطه
ثالثا" : أن يعرف المناهج التي سلكها السلف الصالح في التعرف علي علل الأحكام
5/ فهم مقاصد الشريعة :
كثيرا" منا اخوتي في الله لا يعلم أن مقاصد الأحكام في الشريعة الاسلامية هي الرحمة بالعباد وهو المقصد الأسمي لرسالة الاسلام .
ولهذا فان الامام الشاطبي يبني شروط الاجتهاد علي أصلين :
الأول : فهم مقاصد الشريعة .
الثاني : هو التمكن من الاستنباط بمعرفة اللغة العربية ومعرفة أحكام القرآن والسنة والاجماع وخلاف الفقهاء وأوجه القياس .
ويقول الشاطبي : أن الأول هو الأساس والثاني خادم له
6/ صحة الفهم وحسن التقدير :
وهذا الشرط قد شرطه الامام الأثنوي رحمه الله حيث قال : يشترط في المجتهد أن يعرف شرائط الحود والبراهين وكيفية تركيب مقدماتها واستنتاج المطلوب منها ليأمن من الخطأ في نظره
والأثنوي بهذ الشرط يشترط معرفة المجتهد بعلم المنطق لأنه العلم الذي يعرف الحد والرسم ويعرف البرهان ومقدماته
ولكن هذا الشرط محل خلاف بين الفقهاء فمنهم من بغض اليه علم المنطق كابن تيمية فهم يرون ان الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين وصلوا الي ما وصلوا اليه من الاجتهاد ولم يكن ذلك العلم قد عرف وذاع
وأخيرا" يجب أن ننوه أن هذه الشروط لابد منها لكي يتمكن العالم من الوصول الي درجة الأجتهاد المطلق
وسنتكلم في المحاضرة الثالثة عن اجتهاد الرسول صلي الله عليه وسلم سنتكلم في أدلة المانعين لوقوع الاجتهاد منه صلي الله عيه وسلم وفي أدلة المؤيدين وهل يقبل اجتهاده الخطأ أم لا وكيف كان منهجه في الاجتهاد
وصلي اللهم وسلم وبارك علي سيدي ونبي محمد وعل آله وصحبه وسلم