بارك الله فيكم أخي الحبيب ( عابد الله ) ، لقد تعرضت لهذا الحديث في كتابي الموسوم ( منهج الشرع في بيان المس والصرع ) على النحو التالي :
عن أنس – رضي الله عنه – : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع إحدى نسائه ، فمر به رجل ، فدعاه فجاء فقال : يا فلان هذه زوجتي فلانة ، فقال : يا رسول الله من كنت أظن به فلم أكن أظن بك 0 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ) ( أخرجه الإمام أحمد في مسنده - 3 / 156 ، 285 ، 309 - 6 / 337 ، متفق عليه - أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - كتاب الأحكام ( 21 ) - برقم ( 7171 ) - وكتـاب بدء الخلق ( 11 ) – برقم ( 3281 ) – وكتاب الاعتكاف ( 11 ، 12 )- برقم ( 2038 ، 2039 ) ، والإمام مسلم في صحيحه – كتاب السلام ( 23 ) – برقـم ( 2174 ) ، وأبو داوود في سننه - كتاب الصوم ( 79 ) - برقم ( 2470 ) - وكتاب السنة ( 17 ) - برقـم ( 4704 )- وكتـاب الأدب ( 89 ) - برقم ( 4994 ) ، والنسائي في " السنن الكبرى " - 2 / 263 - كتـاب الاعتكـاف ( 10 ) - برقم ( 3357 - 3359 ) بطرق أخرى ، وابن ماجة في سننه - كتاب الصيام ( 65 ) - برقم ( 1779 ) ، والدارمي في سننه - كتاب الرقاق ( 66 ) ، أنظر صحيح الجامع 1658 ، صحيح أبي داوود 2158 ، 4178 ، صحيح ابن ماجة 1440 ) 0
قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( وفيه أن الله جعل للشيطان قوة على التوصل إلى باطن الإنسان ) ( فتح الباري - 6 / 342 ) 0
قال النووي : قوله صلى الله عليه وسلم : ( " أن الشيطان يجري من الإنسان مجرى
الدم " ، قال القاضي وغيره : قيل : هو على ظاهره ، وأن الله تعالى جعل له قوة وقدرة على الجري في باطن الإنسان مجرى الدم ) ( صحيح مسلم بشرح الإمام النووي - 13 ، 14 ، 15 / 331 ) 0
قال ابن القيم : ( وقد جعل الله للشيطان دخولا في جوف العبد ، ونفوذا إلى قلبه وصدره ، فهو يجري منه مجرى الدم ، وقد وكل بالعبد ، فلا يفارقه إلى الممات ) ( بدائع الفوائد - 2 / 256 ) 0
وقال أيضا : ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم حتى يصادف نفسه ويخالطه ، ويسألها عما تحبه وتؤثره ، فإذا عرفه استعان بها على العبد 0 ودخل عليه من هذا الباب ، وكذلك علم إخوانه وأولياءه ، من الإنس إذا أرادوا أغراضهم الفاسدة من بعضهم بعضا أن يدخلوا عليهم من الباب الذي يحبونه ويهوونه ، فإنه باب لا يخذل عن حاجته من دخل منه ، ومن رام الدخول من غيره فالباب عليه مسدود ، وهو عن طريق مقصده مصدود ) ( اغاثة اللهفان - 1 / 132 ) 0
قال موفق الدين عبداللطيف البغدادي - معقبا على الحديث : ( لأن الجن أجسام لطاف ، وغير مستنكر اختلاط الجني بروح الإنسان ، كاختلاط الدم والبلغم في البدن مع كثافته ) ( الطب من الكتاب والسنة - ص 231 ) 0
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله - : ( والواجب إجراء الحديث على ظاهره ، وعدم تأويله مما يخالف ظاهره ، لأن الشياطين أجناس لا يعلم تفاصيل خلقتهم ، وكيفية تسلطهم على بني آدم إلا الله سبحانه ، فالمشروع لكل مسلم الاستعاذة به سبحانه من شرهم ، والاستقامة على الحق ، واستعمال ما شرعه الله من الطاعات والأذكار والتعوذات الشرعية ، وهو سبحانه الواقي والمعيذ لمن استعاذ به ولجأ إليه ، لا رب سواه ولا إله غيره ، ولا حول ولا قوة إلا به ) ( المعالجون بالقرآن - ص 72 ) 0
يقول علي بن حسن عبدالحميد – حفظه الله - : ( وهذا الحديث استدل به على " إمكانية " دخول الجان بدن الإنسان جماعة من أهل العلم " الكبار " ؛ منهم الإمام القرطبي في " تفسيره " ( 2 / 50 ) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " ( 24 / 277 ) ، والبقاعي في " نظم الدرر " ( 4 / 112 ) ، والقاسمي في " محاسن التأويل "
( 3 / 701 ) ، والشيخ عبدالله بن حميد في " الرسائل الحسان في نصائح الإخوان " ( ص 42 ) – ونقل ذلك عن " الإقناع " و " شرحه " - ، وغيرهم ) ( برهان الشرع في إثبات المس والصرع – ص 142 ) 0
قال الشيخ محمد متولي الشعراوي – رحمه الله – تعليقا على هذا الحديث : ( على أننا لا بد أن نتعرض لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه - ثم ساق الحديث آنف الذكر -ثم قال : ذلك أن بعض المستشرقين يحاول التشكيك في هذا الحديث 0
ونقول لهؤلاء المشككين الذين يحاولون أن يجدوا ثغرة ينفثون من خلالها سمومهم - وهيهات - إن الدم فيه مكونات كثيرة تجري فيه 0 منها الحديد والفوسفات والكالسيوم 0 وغير ذلك من مكونات التي أظهرتها لنا التحاليل الحديثة 0
بل إن الميكروبات والجراثيم - وهي جسم مادي - تخترق الجلد وتدخل إلى الدم ، وتظل فيه فترة حضانتها حتى تتكاثر وتقوم بينها وبين كرات الدم البيضاء معارك ، والشيطان ليس مخلوقا من مادة الطين ، بل هو مخلوق من مادة أكثر شفافية وهو غاية في اللطف والدقة 0 فكيف نستكثر أن يخترق الجلد ويجري في الدم كما تجري عشرات المواد الصلبة ونحن لا نحس بها ) ( الشيطان والإنسان - ص 107 ، 108 ) 0
قلت : والحق ما قاله علماء الأمة الأجلاء بأن الحديث يؤخذ على ظاهره ، وكذلك فإن هذا الحديث يعتبر دليلا قويا على نفاذ الجان لباطن الإنسان وصرعه وتخبطه ، ولا يؤخذ الحديث كناية على وسوسة الشيطان للإنسان كما أشار لذلك بعض أهل العلم ، فالجريان المشار إليه في الحديث هو جريان فعلي لا مجازي وهو ذو معنى حقيقي ، والواجب إجراء الحديث على ظاهره دون الوقوع في التأويلات المخالفة لأقوال أهل العلم فهذا أتقى وأسلم وأنفع ، والله تعالى أعلم 0
هذا ما تيسر لب أخي الحبيب ( عابد الله ) ، زادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0