عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 26-09-2006, 11:22 PM   #14
معلومات العضو
مسك الختام
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي دواء الروح لكل مجروح !!!



قال لصاحبه وقد رأى على ملامح وجهه آيات الكدر وعلامات الهم :
ما بالك تبدو مهموماً كأنما جبال الدنيا على رأسك ؟

قال الآخر وهو يزفر ويتأفف :
لو تعلم ما بي لعذرتني ، تسحقني الهموم سحق الرحى للحب ،
متعب الروح ، مكدود النفس ، محترق الأعصاب ،
رغم الهيل والهيلمان الذي يراه الناس معي ومن حولي ،
ولكنها والله قشرة خارجية براقة فحسب ، أما الداخل فحطام ..!
ولو أن هؤلاء المبهورين بما عندي ، اطلعوا على هذه الروح
التي أتحرك بها ، لكنت محلاً للرثاء بدلاً من الإعجاب !


قال له صاحبه وهو يتوجه بقلبه إلى السماء :
أتريد حقاً أن تتخلص من تعبك النفسي هذا إلى غير رجعه ؟

فأجاب الآخر بلغة المهزوم وفي نبرة يائسة :
كيف السبيل إلى ذلك ؟
والله لو كان يدفع من أجل ذلك الأموال الكثيرة ،
لأخرجتها مطمئناً إلى صواب ما أفعل .


قال له صاحبه في نبرة واثقة :
لا تيأس من روح الله ، واسأل الله تعالى أن أكون دليلك إلى هذه الوصفة
التي تبحث عنها ولا تجدها ، ولكن بشرط .

رفع الآخر رأسه وقد بدا أنه تهلل قليلاً ثم قال في لهفة :
قل ، قل فكلي آذان صاغية ،
إن المعاناة النفسية التي تسحقني عنيفة للغاية
ولا يعلم حقيقة ما أنا فيه إلا الله تعالى وحده ،
وستجدني في سبيل الخلاص من هذه الحالة
مستعداً لتنفيذ ما تأمر به .


قال صاحبه وقد توجه بقلبه لله يستلهمه الصواب :
الطريق إلى ذلك ميسور جداً وقريب جداً ، أقرب إليك مما تتصور !!

اتضح تماماً أن ملامح صاحبنا قد أخذت تتفتح في انتشاء ،
كأنما هي تشير إلى أن عملية خفية تجري الآن في داخل القلب
تجعله يتفتح مع هذا الحديث الشجي المقبل عليه ... إقبال الحبيب على الحبيب .

واصل صاحبه الحديث قائلاً :
إعرف ربك سبحانه جيداً ، تزل كل متاعب قلبك المكدود !!

انعقدت الدهشة على وجه الآخر و قال في نبرة حانقة :
وهل تراني لا أعرف الله سبحانه ؟!!
الله ربي وخالقي ومولاي ، لا رب لي سواه ؟!


ابتسم صاحبه وهو يحدق في عينه وقال :
هذا الذي أراه !!! ولو كنت تعرف الله تعالى جيداً لم تسحقك
الهموم على هذه الشاكلة المخيفة ؟!

قال الآخر متسائلاً : لم أفهم ماذا تعني !؟

قال صاحبه : أظنك إنما تقصد المعرفة العقلية بأن الله تعالى موجود ،
وأنه واحد أحد وأن هذا الكون مخلوق له وحده ،
وأنك تستطيع أن تقيم على ذلك عشرات الأدلة الواضحة في يسر ؟

حملق الآخر في وجه صاحبه ثم قال :
نعم ، وهل هناك معرفة لله تعالى غير هذه ؟!


ابتسم صاحبه وهو يقول :
المعرفة التي تقصدها يا صاحبي غير التي أشير إليها ..
المعرفة التي في ذهنك قد لا تغني عنك من الله شيئاً ،
فالشيطان عليه اللعنة يعرف الله تعالى أكثر منك بكثير..!
ومع هذا ها أنت تراه مطروداً من رحمة الله تعالى أبد الدهر .

تغيرت ملامح وجه الشاب الآخر
كأنما دارت به الدنيا دورتها الكاملة
أراد أن يتفوه بشيء ما ، غير أنه لم يستطع ،
واكتفى بمواصلة الإنصات في شيء من الذهول ..

وواصل صاحبه الحديث في إشراق :
وأزيدك من الشعر بيتاً :
المعرفة العقلية قد يعرفها كذلك - أكثر منك - :
علماء الغرب والشرق من غير المسلمين ..
ومع ذلك فهل تنفعهم هذه في شيء عند الله تعالى ؟!

في تلقائية هز الآخر رأسه بالنفي ، ثم تمتم متسائلاً :
صدقت ، ما هي المعرفة الصحيحة إذن ؟


قال صاحبه :
المعرفة العقلية مقدمة للمعرفة القلبية ووسيلة إليها ،
فإذا لم يشرق القلب بهذه المعرفة ويتفاعل معها ، وينصهر فيها ،
ويتحرك على ضوئها ، فإن مجرد المعلومات والأدلة وحفظها
وسردها وحشو الذهن بها ، لا يغني شيئاً .
المعرفة القلبية احساسات إيمانية يستنير معها القلب ،
وتزكو خلالها النفس ،
وترتبط الروح مباشرة بالله تعالى لا تلتفت إلى غيره ،
تجد لديه وفي رحابه وبين يديه أنسها وروحها وريحانها ..
فينفحها الله تعالى بنفحات السماء ، فتتذوق ، وهي بعد في الدنيا :
تتذوق ببعض نعيم الجنة !!

هز الآخر رأسه ، وتمتم في هدوء :
هيه هيه ..زدني .. اغرف لي من هذا النور فإن روحي عطشى !


قال صاحبه وكأنما هو يغترف من بحر النور مباشرة :
هل تعرف أسماء الله تعالى الحسنى ؟

فأجاب الآخر في تلقائية : بل أحفظ كثيراً منها عن ظهر قلب .

قال الأول ، فماذا أثمرت في قلبك وروحك وحسك ؟

صمت الآخر ولم يجب فواصل الأول الحديث :
حفظ الأسماء الحسنى في حد ذاته عمل جليل ، ودليل تعلق بالله تعالى ،
لكنه تعلق باهت ..
لم يثمر عملاً ولم يصحح وضعاً ولم يبن حياة مشرقة .
هل حاولت أن تقرأ الكون كله من خلال أسماء الله تعالى الحسنى ؟
بحيث " تشهد " لكل اسم على حده متجلياً أمام بصيرتك
في " لقطات " هذا الكون الحافل بالحركة والحياة ،
إذا فعلت ذلك أثمرت لك هذه القراءة القلبية :
أنواراً تحسها إحساساً مباشراً في قرارة فؤادك
وبهذه الإشراقات تزول متاعبك وتخف همومك ،
بل قد تنقلب تلك المتاعب والهموم في حسك ،
فإذا فيها لذتها الخاصة ونكهتها المتميزة !!

قال الآخر وقد عادت إليه طلاقة وجهه :
أرجو أن تضرب لي مثالاً واحداً على الأقل على ما تقول ؟!


قال الأول : تعلم كما يعلم كل مسلم أن من أسماء الله تعالى الحسنى :
" الحكيم " .. ولكن ..
ألا تشهد هذا الاسم الجليل يتجلى لك في أكثر من لقطة
من لقطات هذه الحياة ، في الكون ، ومن حولك ، وفي ذات نفسك .
والحكمة كما تعلم هي وضع الشيء المناسب في المكان المناسب بدقة ،
وهذه الشمس مثلاً لو تقدمت قليلاً لأحرقت كل شيء ،
ولو تأخرت قليلاً لتجمد كل شيء ..
المشهد يجعل اسم " الحكيم" يتجلى في قلبك وأمام بصيرتك
بوضوح وصفاء ومن غير غبش .
وهذه المفاصل في جسد كل إنسان ، وكل حيوان ،
ألا ترى أنها مصممة بدقة متناهية ، وأن كل واحد منها
موضوع في مكانه المناسب ، بحيث لو حل مفصل مكان مفصل
لما قامت حياة الإنسان كما ينبغي ..
وهاتان العينان في رأس كل إنسان بل وفي رأس كل حيوان :
ألا تراهما موضوعتان بعناية تامة في المكان المناسب ،
بحيث لو تغير موضعهما لاختلت حياة هذا الإنسان .
وعلى هذا قس مشاهد الكون الكثيرة في الآفاق وفي الأنفس ،
في السماء وفي الأرض ، وفي الإنسان ، والحيوان ، والطيور ،
والأشجار ، والحشرات .. في كل كبير وفي كل صغير ،
تابع وتأمل وتفكر وتدبر... تجد نفسك مبهوراً في هذا المهرجان الرائع !
( العجيب أن أكثر الخلق ينبهرون بمهرجانات صنعها البشر
وهي مجرد أضواء زائلة ، وزخارف مؤقتة ، وألوان وبهارج
ثم تجدهم يمرون على هذه البدائع في السماء والأرض ولا يلتفتون إليها ؟!!
(( وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُون ))
معرضون عن هذه الأعاجيب السماوية لأن قلوبهم أشربت حب عجل الشهوات !
(( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ))..
(( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ))

وواصل صاحبنا حديثه الشجي :
ولعلى أذهب إلى أنك لو تتبعت – في ساعة خلوة منفرد مع الله تعالى –
هذا الكون المليء بالعجائب على هذا النحو ،
وبهذا الحس لرأيت روحك تحلق وتسافر وتسمو
وأنت في مكانك لم تتحرك ..!
وإذا بروحك تعود إليك من سفرتها تلك محملة بهدايا السماء لقلبك المكدود ،
وذلك لأنك حيثما يممت وجهك لوجدت آيات تتوالى تترى تترى ،
وكل منها يقول لك ، وتسمع منه ... ويهتف بك ، وتشتاق إليه ،
فإذا بأسماء الله الحسنى تشرق في قلبك إشراقها حتى يضيء ويتلألأ .
فإذا أدركت ذلك جيداً " وتذوقته " ووجدت حلاوة متجلية في قرارة روحك
ستدرك يقيناً أنه ما من تشريع سماوي إلا وله حكمة وفيه حكمة ومعه حكمة ،
لأن مُشَرِّعُةُ هو " الحكيم " سبحانه وتعالى .
وبشيء من التفكير الهادي ستجد أن تلك الحكمة عائدة عليك
عليك أنت أيها الإنسان على هذه الأرض ..!
فهذه خطوة ثانية على الطريق ، ثم تنسحب هذه النظرة الروحية إلى
دائرة ابتلاء الله سبحانه وتعالى للإنسان بصنوف البلاء ..
فإذا بصاحب هذه الروح لا يضطرب اضطراب الناس ..!
ولا يجزع ذلك الجزع الذي يجعله فريسة سهلة للشيطان ..!
ولمَ الجزع ؟ ولمَ الهلع ؟ وقد أيقن أن ربه " الحكيم " سبحانه ..
وأن الأمر منه وإليه ، وأن كل شيء بحكمه ولحكمة ..؟!
(( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ))
بل كيف ينتابه القلق العاصف وقد تذوق هذه المعاني الإيمانية
في قرارة قلبه ، وأحس بصيص أنوارها في روحه ..!؟
بل هناك شيء آخر ..
ينبغي أن تنتبه إليه ..
هو أن الآية الواحدة – من آيات هذا الكون الكثيرة والمتوالية والمتنوعة –
الآية الواحدة التي ستقرؤها بهذه الروح المتطلعة ،
يتجلى لك منها أكثر من اسم من الأسماء الحسنى ..
لا مجرد اسم واحد فحسب .. فافهم

قال الآخر وقد بدأ صدى هذه المعاني يتجلى على وجهه :
أرجو أن تضرب لي مثالاً ؟


قال صاحبه :
نعود إلى الشمس ، لنتأملها جيداً ..
سيتجلى لك فيها : اسم الله " الحكيم " واسمه " الرحيم "
واسمه " المبدع " واسمه " اللطيف " وهكذا..
وهكذا تشرق في قلبك أسماء حسنى متعددة في كل مشهد
تقف أمامه متأملاً متفكراً متدبراً ..
وعلى هذا قس بقية الأسماء الحسنى ..
وذلك نعيم عجيب تتلذذ به الروح لذة لا تحسب من الدنيا في شيء !
إنك بهذا الأسلوب ، وبهذه الطريقة تدخل دائرة النور
وتسعد بها فتنسى فيها همومك ومتاعبك !
أو على الأقل يخف وقع أثرها على نفسك !
من هنا يا عزيزي تجد أن كثيراً من الأوهام التي تتصورها
ليست كذلك ... وإلا فحسك غافل عن الله تعالى ،
لأن قلبك أمسى مغلقاً بغشاوة كثيفة بسبب بعدك عن ربك سبحانه .

يروى أن إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى لقي رجلاً يكاد يتفجر هماً وغماً ،
فقال له إبراهيم : أسألك أسئلة ثلاثة ، فأجنبي بما تعتقد :
هل يجري في هذا الكون شيء دون إرادة الله تعالى ؟!
قال الرجل : لا .. قال إبراهيم :
فهل يملك مخلوق أن ينقص من رزقك الذي حدده الله لك وقدره ؟
قال الرجل : لا ... قال إبراهيم :
وهل يملك مخلوق أن يقدم ساعة الأجل التي كتبها الله تعالى عليك في أم الكتاب ؟
قال الرجل : لا ... فقال إبراهيم في نبرة الواثق بربه :
ويحك !! فعلام الهم إذن ؟ علامَ الهم ...!!!
وسارع الرجل يعانق إبراهيم يقول :
فرج الله تعالى عليك كما فرجت علي .

صاح الآخر وقد تراقصت الفرحة في وجهه
حتى كادت أن تقفز من عينيه وهو يهتف في فرح طفولي :
وأنا والله أقول لك كذلك :
فرج الله تعالى عليك دنيا وآخره كما فرجت عليّ همومي بحديثك هذا ،
ووالله لن أكون مبالغاً لو قلت أنك غسلتني بكلامك هذا غسلاً قلبياً كاملاً
وها أنا أشعر بأني غير الإنسان الذي كنت قبل قليل .


قال صاحبه ، وقد ندت عيناه بالدموع :
ذلك فضل الله تعالى وله الحمد والمنة والشكر
وإذا بقيت لي كلمة فإني أهمس في أذنك قائلاً :
لقد انفتح أمامك طريق لسعادة الدنيا والآخرة ،
وعليك أن لا تغفل عنه ، ولا تلتفت إلى غيره ،
ولذا قيل : عامل الله تعالى وأبشر بخير ،
ارتبط بالله سبحانه دائماً أبداً وإياك والغفلة عنه .
ويصح لك الآن أن تناجي الله سبحانه بقول القائل :

إليك ، وإلا لا تشد الركائبُ = ومنك ، وإلا فالمؤملُ خائبُ
وفيك ، وإلا فالحب مضيع = وعنك ، وإلا فالمحدث كاذبُ


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منقول
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة