مسألة علو الله واستوائه على عرشه، وأن ذلك داخل في الإيمان بالله، وذلك لما حصل في هذه المسألة من الاختلاف والمخاصمات لله بين أهل السنة والجماعة وبين طوائف الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم في هذه المسألة من الأشعرية ونحوهم. فإن مسألة العلو صنفت فيها المصنفات المستقلة، وأورد أهل السنة من نصوص الكتاب والسنة ما لا يمكن أو دفع بعضه، وحققوا ذلك بالعقل الصحيح، وأن
الإيمان بالله الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسوله، وأجمع عليه سلف الأمة، من أن الله سبحانه فوق سماواته على عرشه، علي على خلقه، وهو تعالى معهم أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون، كما جمع بين في ذلك في قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ** [الحديد: 4] وليس معنى قوله وهو معكم أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موجود في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان، وهو سبحانه فوق العرش رقيب على خلقه مهيمن عليهم مطلع إليهم، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته. وكل هذا الذي ذكر الله من أنه فوق العرش
وأنه معنا حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة مثل أن يظن أن ظاهر قوله: "في السماء" أن السماء تقله أو تظله، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان، فإن الله قد وسع كرسيه السماوات والأرض، وهو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره