قال تعالى : ** ومِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وفي آذَانِهِمْ وَقْرًا وإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إذا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ *
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا على النَّارِ فَقَالُوا يا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ
وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ **
[ سورة الأنعام : 25 - 28 ]
قال العلاّمة السّعدي رحمه الله في تفسيره :
أي : ومن هؤلاء المشركين قومٌ يحملهم بعضَ الأوقات بعضُ الدواعي إلى الاستماع لما تقول، ولكنه استماعٌ خال من قصد الحقّ واتباعه،
ولهذا لا ينتفعون بذلك الاستماع
لعدم إرادتهم للخير .
** وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً **
أي : أغطية وأغشية لئلا يفقهوا كلام الله،
فصان كلامَه عن أمثال هؤلاء .
** وَفِي آذَانِهِمْ ** جعلنا ** وَقْرًا ** أي: صمما،
فلا يستمعون ما ينفعهم ،
** وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا **
وهذا غاية الظلم والعناد :
أنّ الآيات البينات الدالّة على الحقّ لا ينقادون لها ولا يصدِّقون بها ،
بل يجادلون بالباطل الحقَّ ليدحضوه ،
ولهذا قال : ** حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ** ؛
أي : مأخوذ من صحف الأولين المسطورة
التي ليست عن الله ولا عن رسله ،
وهذا من كفرهم ،
وإلاّ ؛ فكيف يكون هذا الكتاب الحاوي لأنباء السابقين واللاحقين والحقائق التي جاءت بها الأنبياء والمرسلون والحق والقسط والعدل التام من كل وجه أساطيرَ الأولين ؟!
** وهم ** : أي المشركون بالله المكذِّبون لرسوله يَجمعون بين الضّلال والإضلال ؛
ينهون النّاس عن اتباع الحقّ ، ويحذرونهم منه، ويبعدون بأنفسهم عنه، ولن يضرُّوا الله ولا عباده المؤمنين بفعلهم هذا شيئا .
** وإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ** : بذلك .
يقول تعالى مخبرا عن حال المشركين يوم القيامة وإحضارهم النّار :
** وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ **
ليوبَّخوا ويُقَرَّعوا ؛
لرأيت أمرا هائلا وحالا مفظعة ،
ولرأيتهم كيف أَقرُّوا على أنفسهم بالكفر والفسوق، وتمنَّوا أن لو يُردُّوا إلى الدّنيا ،
** فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ** .
** بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ ** :
فإنّهم كانوا يُخفون في أنفسهم أنّهم كانوا كاذبين، ويَبدو في قلوبهم في كثير من الأوقات ،
ولكن الأغراض الفاسدة صدَّتهم عن ذلك
وصَرَفَتْ قلوبهم عن الخير،
وهم كَذَبَةٌ في هذه الأمنية، وإنّما قصدهم أن يدفعوا بها عن أنفسهم العذاب .
** ولَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ** .