" ولَقَدْ ظل القرآن الكريم طوال
أربعة عشر قرناً من الزمان أو يزيد ،
منارة شامخة ،
تسطع على الدُّنيا كلها ،
لا يهزها تتابع أعاصير الأفكار المختلفة ،
ولا يرجّها طغيان فيضانات المعارف المتنوعة ،
التي محت كل رسم من رسوم الفلسفات السابقة ، وأتت على كل أثر من آثار الثقافات القديمة ،
بل كان ذلك كله مما يزيد برهانه وضوحاً ،
وإعجازه سطوعاً .
وأعجب من ذلك كله ، أن يواجِهَ القرآن كل جيل من أجيال هذه القرون المتتابعة ،
بما يحل مشاكله ، ويروي ظمأه ،
ويشفي غليله ،
فكأنّما أنزل على كل جيل إنزالا جديدا ،
بقدر مقاييس عقله ، ومعايير فكره ،
وأطوار حياته ، ومطالب عصره ،
حتى إنَّهُ ليخيل للناشئ في أي زمان
وفي أي مكان ، أنه لم ينزل إلَّا ليشفي أمراض المجتمع الذي يعيش هو فيه ؛
لأنه يراه كالثوب الذي فُصِّل بقدر قامة مجتمعه .
ذلك لأن الله سبحانه جعله نورانياً ،
يروي كل نفس ، ويتدفق بكل دهر ،
ولَعَمْري : " ما ألفاظ القرآن إلَّا كلمات نورانية ، تجلّت من الغَيْبِ فتألقت في أُفُق البيان ، كما تتألق النجوم في أفق الفضاء ، وإنما الفارق بين تلك وهذه ،
أن تلك تهدي الأبصار ،
وهذه تهدي البصائر ،
وأن تلك من شأنها الأفول ،
وهذه لا تغور ولا تزول ،
فالقرآن يصلنا بالغيب ،
ويعكس لنا حقائق الوجود ،
وينير لنا ظلمات الحياة ،
ويمدنا بعطائه الذي لا ينفد ،
بعبارات لا ترقَى إليها مَلَكات البشر ،
إلَّا بقدر ما ترقى الأبصار إلى النجوم ،
وكلما حاولَ محاولٌ سوَّلت له نفسُه أن
يأتي بمثلِه ، انتكس على أم رأسِه ،
وكان مثار السخرية والاستخفاف
إلى يوم الدين " .
ومِنْ ثَمَّ أحجم كفرة قريش الماردون ،
كعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ،
والوليد بن عتبة ، والوليد بن المغيرةُ ،
وأبي جهل بن هشام ،
عن الاقتراب عن معارضته ،
ولم تسوِّل لهم أنفسهم ذلك ،
لأنهم يدركون أنهم لو حاولوا ذلك ،
لما كان منهم إلَّا الإسفاف الذي يريأون بأنفسهم عنه ، ويأنفون من نسبته إليهم ،
وقد كان عند هؤلاء الكفرة الماردين من التفكير ما لم يكن عند أولئك السخفاء المجانين ، الَّذينَ أعماهم الغرور ،
واقتادهم الهوى إلى مهاوي المغامرات
الـمُردية ، كمسيلمة الكذّاب ،
وسجاح بنت الحارث ، وغيرهم ممَّن أعماهم
الحقد وأضلهم الشيطان .
وعندما نشأت الديانة البهائية الضالة ،
حاول البهائيون معارضة القرآن ،
فألفوا مقالات لتكون فيما يزعمون ،
مثل سورِ القرآن في الهداية والإعجاز ،
فما كان من أمرهم إلَّا أن شعروا بالهزيمة والفضيحة ، فعادوا إلى ما ألفوه فمزّقوه ،
وما تبقى بأيديهم من نسخ هذا التأليف ،
حالوا بينَه وبين النّاس خشية السخرية
والاستهزاء بهم " .
_ الدِّينُ الحَقُّ وقواعده الرّاسخة
( 1 / 26 - 27 )
تأليف : فوزي عبد المنصف .