هنا نجد بعض الآيات التي تحمل عتابا لّطيفا من الله لعبده ونبيّه محمد
صلَّى الله عليه وسلَّم
في حوادث معينة ؛
تتضمن أمورا نبّه الله عليها نبيّه صلى الله عليه وسلم ،
وقد يكون فيها بعض الحرج
للنّبيِّ صلى الله عليه وسلم ،
فلو كان هذا القرآن من عند
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ،
لما احتاج إلى كل هذا ،
ولكتم بعض هذه الآيات
فلو كان القرآن من عنده صلَّى الله عليه وسلَّم لما قام بكتابة ذلك وتدوينه !
قال تعالى : ** ولا تطرد الَّذينَ يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ **
سورة الأنعام 52
قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :
" وكان سبب نزول هذه الآيات أنّ أناساً
من قريش أو من أجلاف العرب قالوا
للنّبيّ صلى الله عليه وسلم :
إن أردتَ أن نؤمن لك ونتَّبِعَك ؛
فاطردْ فلانا وفلانا
– أناسا من فقراء الصحابة – ؛
فإنّا نستحيي أن ترانا العرب جالسين
مع هؤلاء الفقراء .
فحمَلَه حبُّه لإسلامهم واتِّباعهم له
فحدَّثته نفسه بذلك ،
فعاتبه الله بهذه الآيات ونحوها " . اهـ
وقال تعالى : ** ولا تَعْدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدُّنيا **
سورة الكهف 28
وقال تعالى : ** وَتُخْفِي في نَفْسِكَ
ما الله مُبْدِيهِ وتَخْشَى النّاسَ
والله أَحَقُّ أنْ تَخْشاهُ **
سورة الأحزاب 37
قال تعالى : ** يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ
ما أَحَلَّ الله لك تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ
والله غَفُورٌ رَحِيمٌ ** .
سورة التحريم 1
قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :
" هذا عتابٌ من الله لنبيّه محمد
صلى الله عليه وسلم،
حين حَرَّم على نفسه سُرِّيَّتَه مارية
أو شُربَ العسل مراعاةً لخاطر
بعض زوجاته في قِصَّةٍ معروفة ،
فأنزل الله [تعالى] هذه الآيات
** يا أَيُّها النَّبِيُّ **
أي : يا أيّها الذي أنعم الله عليه بالنبوّة والرسالة والوحي ،
** لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ الله لَكَ **
من الطيِّبات،
التي أنعم الله بها عليك وعلى أمتك .
** تَبْتَغِيَ **
بذلك التحريم
** مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ والله غَفُورٌ رَحِيمٌ **
هذا تصريحٌ بأنّ الله قد غفر لرسوله
ورفع عنه اللومَ ورحِمَه .
وصار ذلك التحريم الصادر منه سببًا لشرع حكم عامٍّ لجميع الأمّة ... " اهـ
وقال تعالى : ** عبس وتولَّى * أن جاءَهُ الأعمى * وما يدريك لَعَلَّه يَزَّكَّى *
أو يذّكرُ فتنفعه الذّكرى **
سورة عبس 1 - 4
قال القرطبيُّ رحمه الله في تفسيره :
" الآية عتاب من الله لنبيه صلَّى الله عليه
وسلَّم في إعراضه وتوليه عن عبد الله
بن أم مكتوم " .
الجامع لأحكام القرآن ( 19 / 185 )
ط : دار الكتاب العربي .
وقال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :
" سببُ نزولِ هذه الآيات الكريمات
أنّه جاء رجلٌ من المؤمنين أعمى
يسأل النبيَّ صلى الله عليه ويتعلّم منه ،
وجاءه رجلٌ من الأغنياء،
وكان صلّى الله عليه وسلم حريصا
على هداية الخلق،
فمال صلّى الله عليه وسلم وأصغى
إلى الغنيِّ وصدَّ عن الأعمى الفقير،
رجاءً لهداية ذلك الغنيِّ وطمعاً في تزكيته، فعاتبه الله بهذا العتاب اللطيف ... " اهـ
فهل يُعقل بعد هذا أن يقال :
أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم ألّف
هذا الكتاب العظيم ؟!
أيبقى بعد هذا شك عند ذي لُبٍّ
أن هذا القرآن هو كلام الله ،
وأن الرّسول صلى الله عليه وسلم
قد بلغ ما أوحى الله إليه
أكمل بلاغ وأتمه ؟!