قال الحافظ السّيوطيّ رحمه الله :
" وقال الأصبهانيُّ في تفسيره : اعلم أنّ إعجاز القرآن ذُكر مِن
وجهين :
أحدهما : إعجاز يتعلّق بنفسه ،
والثاني : بصرف النّاس عن
معارضته ...
.. قال : فظهر مِن هذا أنّ الإعجاز المختص بالقرآن يتعلّق بالنظم المخصوص .
وبيان كون النظم معجزا يتوقَّف
على بيان نظم الكلام ،
ثم بيان أن هذا النظم مخالف
لنظمِ ما عَدَاهُ ،
فنقول :
مراتب تأليف الكلام خمسٌ :
الأولى : ضمُّ الحروف المبسوطة بعضها إلى بعض ،
لتحصل الكلمات الثلاث :
الاسم والفعل والحرف .
والثانية : تأليف هذه الكلمات بعضها إلى بعض ،
لتحصل الجُمل المفيدة ،
وهو النّوع الذي يتداوله النّاس جميعا في مخاطباتهم ،
وقضاء حوائجهم ،
ويقال له المنثور من الكلام .
والثالثة : ضمُّ بعضِ ذلك إلى بعض ضمّاً له مَبادٍ ومَقاطع ،
ومداخل ومخارج ،
ويقال له : المنظوم .
والرابعة : أن يعتبر في أواخر الكلام مع ذلك تسجيع ،
ويقال له المسجّع .
والخامسة :
أن يُجعلَ له مع ذلك وزنٌ ،
ويقال له : الشِّعر .
والمنظوم : إمّا محاورة
ويقال له : الخطابة ،
وإما مُكاتبة ويقال له : الرسالة .
فأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الأقسام ،
ولكلّ من ذلك نظم مخصوصٌ ،
والقرآن جامعٌ لمحاسن الجميع
على نظم غير نظم شيء منها ،
يدُلُّ على ذلك أنّه لا يصح أن
يقال له : رسالة ، أو خطابة ،
أو شعر ، أو سجع ،
كما يَصحُّ أن يقال : هو كلام .
والبليغ إذا قَرع سمعَه فَصَلَ بينَه وبين ما عداه من النظم ،
ولهذا قال تعالى :
** وإنّه لكتاب عزيز * لاّ يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه **
[ سورة فصلت : 41 - 42 ] .
تنبيها على أنّ تأليفَه ليس على
هيئة نظم يتعاطاه البشر ،
فيمكن أن يغير بالزيادة والنقصان كحالة الكتب الأخرى ... " .
نقلته من : الإتقان في علوم القرآن
( 2 / 1009 - 1010 )
ط : دار ابن كثير .
مع شيء من الاختصار .