قال الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (المتوفى: ٢٥٦ هـ): "فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب، فهو كلام الله ليس بخلق"
- وقال الإمام أبو حامد الإسفراييني (المتوفى: ٤٠٦ هـ): "مذهبي ومذهب الشافعي وفقهاء الأمصار أنّ القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر، والقرآن حمله جبريل مسموعًا من الله تعالى، والنبي - صلى الله عليه وسلم - سمعه من جبريل، والصحابة سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي نتلوه نحن بألسنتنا، فما بين الدفتين، وما في صدورنا مسموعًا ومكتوبًا ومحفوظًا ومنقوشًا كل حرف منه كالباء والتاء كله كلام الله غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر عليه لعائن الله والملائكة والناس أجمعين"
وقال الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجرّي (المتوفى: ٣٦٠ هـ):في كتاب الشريعة "وكذلك من قال: إنّ هذا القرآن الذي يقرؤه الناس وهو في المصاحف: حكاية لما في اللوح المحفوظ، فهذا قول منكر، تنكره العلماء.
يقال لقائل هذه المقالة: القرآن يكذبك، ويرد قولك، والسنة تكذبك وترد قولك. قال الله - عز وجل -: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ** [التوبة:٦] فأخبرنا الله - عز وجل - أنه إنما يستمع الناس كلام الله - عز وجل -، ولم يقل: حكاية كلام الله - عز وجل -.
وقال الله جل وعلا: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا** [الأعراف:٢٠٤] فأخبرنا جل وعلا أن السامع إنما يستمع القرآن، ولم يقل تبارك وتعالى: حكاية القرآن.
وقال - عز وجل -: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ** [الإسراء:٩] وقال - عز وجل -: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ** [الأحقاف:٢٩
وقال جل وعلا: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ** [الجن:١ - ٢] الآية، ولم يقل - عز وجل - يستمعون حكاية القرآن، ولا قالت الجن: إنا سمعنا حكاية القرآن كما قال من ابتدع بدعة ضلالة، وأتى بخلاف الكتاب والسنة، وبخلاف قول المؤمنين" (١).
وقال أيضًا: "فينبغي للمسلمين أن يتقوا الله - عز وجل -، ويتعلموا القرآن، ويتعلموا أحكامه، فيحلوا حلاله، ويحرموا حرامه، ويعملوا بمحكمه، ويؤمنوا بمتشابهه، ولا يماروا فيه، ويعلموا أنه كلام الله - عز وجل - غير مخلوق.
فإن عارضهم إنسان جهمي فقال: مخلوق، أو قال: القرآن كلام الله - عز وجل - ووقف، أو قال: لفظي بالقرآن مخلوق، أو قال: هذا القرآن حكاية لما في اللوح المحفوظ. فحكمه أن يهجر ولا يكلم، ولا يصلى خلفه، ويحذر منه"
أنصحكم أن تقرؤوا كتاب الشريعة للآحري فانه كتاب جيد مهم في عقيدة اهل السنة أصحاب الحديث أصحاب العقيدة الصحيحة
قال الحافظ أبو القاسم بن منده (المتوفى: ٤٧٠ هـ) بعد روايته لحديث «من قرأ حرفًا من القرآن كتبت له حسنة ... الحديث»: "والمبتدع يشير بهذه الحروف إلى قرآن سوى ذلك الكتاب، فقد صار القرآن عنده قرآنين: مجازا وحقيقته، المجاز عنده مخلوق، وصاحب الحديث لا يعرف قرآنًا غير هذا الذي يراه المبتدع مخلوقًا
وقال الإمام يحيى ابن أبي الخير العِمراني شيخ الشافعيين باليمن (المتوفى: ٥٥٨ هـ):"القرآن عند أصحاب الحديث هو الكتاب الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو القرآن العربي، السور والآيات، المتلو باللسان، والمسموع بالآذان، المعقول بالأذهان، المحفوظ في الصدور، المكتوب بالمصاحف بالسطور، له أول وآخر وبعض" (١).
وقال الإمام العارف عبد القادر الجيلاني (المتوفى: ٥٦١ هـ): "ونعتقد أن القرآن كلام الله وكتابه وخطابه ووحيه الذي نزل به جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... وقال - عز وجل -: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ** [التوبة:٦]، وكلام الله تعالى هو القرآن غير مخلوق كيفما قرئ وتلي وكتب، وكيفما تصرفت به قراءة قارئ، ولفظ لافظ، وحفظ حافظ، هو كلام الله وصفة من صفات ذاته ... وهو كلام الله في صدور الحافظين وألسن الناطقين وفي أكف الكاتبين وملاحظة الناظرين ومصاحف أهل الإسلام وألواح الصبيان حيثما رؤي ووُجد" (٢).كتاب الغنية
وعلى كلٍ فمذهب السلف في القرآن - وأنه كلام الله تعالى منزل غير مخلوق حيثما تصرف، وأين كُتب وحيث تُلي- معلوم مشهور، وأقوالهم في ذلك أكثر من أن تُحصر، وما تقدم غيض من فيض.