قال : وقوله :
** وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي ** الآية
سورة الزخرف
قال ابن كثير : يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء ،
ووالد من بُعث بعده من الأنبياء ، الذي تنتسب إليه قريشٌ في نسبها ومذهبها :
إنه تبرأ من أبيه وقومه في عبادتهم الأوثان فقال : ** إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ **
أي : هذه الكلمة ؛
وهي عبادة الله وحده لا شريك له ،
وخلع ما سواه من الأوثان ،
وهي لا إله إلا الله
أي : جعلها في ذريته يقتدي به فيها مَن هداه الله مِن ذرية إبراهيم عليه السلام .
** لعلّهم يرجعون ** ، أي : إليها .
قال عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم في قوله :
** وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ **
يعني لا إله إلا الله ،
لا يزال في ذريته من يقولها .
وقال ابن زيد : كلمة الإسلام ،
وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة .
قلت : وروى ابن جرير عن قتادة في قوله :
** إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي ** .
قال : " خلقني " ، وعنه
** إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ(26)
إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي ** .
قال : إنهم يقولون : " إنّ الله ربّنا
** ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ** ،
فلم يبرأ من ربه " .
رواه عبد بن حميد .
قلت : يعني أن قوم إبراهيم يعبدون الله ويعبدون غيره ،
فتبرأ مما يعبدون إلا الله ،
لا كما يظن الجهال أن الكفار لا يعرفون الله ، ولا يعبدونه أصلاً .
وروى ابن جرير وابن المنذر عن قتادة
** وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ **
قال : " الإخلاص والتوحيد ، لا يزال في ذريته مَن يوحد الله ويعبده " .
فتبيّن بهذا أن معنى لا إله إلا الله هو البراءة مما يُعْبَدُ من دون الله ،
وإفراد الله بالعبادة ، وذلك هو التوحيد
لا مجرد الإقرار بوجود الله وملكه وقدرته وخلقه لكل شيء ، فإنّ هذا يقرُّ به الكفار
وذلك هو معنى قوله :
** إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)
إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي **
فاستثنى من المعبودين ربّه وذكر سبحانه
أن هذه البراءة وهذه الموالاة
هي شهادة أن لا إله إلا الله . قاله المصنف .
تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد
تأليف العلاّمة سليمان بن عبد الله بن محمد
بن عبد الوهاب رحمهم الله
تعليق العلاّمة عبد العزيز بن عبد الله الرّاجحي
حفظه الله ( ص 130 - 131 )
ط / الدار الأثرية للنشر والتوزيع .