قال تعالى : ** ويَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وما يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قالُوا سُبْحَانَكَ ما كان يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ ولكِن مَّتَّعْتَهُمْ وآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وكانُوا قَوْمًا بُورًا **
[ سورة الفرقان : 17 - 18 ]
قال العلاّمة السّعدي رحمه الله في تفسيره :
يخبر تعالى عن حالة المشركين وشركائهم يوم القيامة وتَبَرِّيهم منهم وبطلان سعيهم ،
فقال : ** ويَوْمَ يَحْشُرُهُمْ **
أي : المكذبين المشركين
** ومَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَيَقُولُ **
الله مخاطبا للمعبودين على وجه التقريع
لمن عبدهم : ** أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ
أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ **
هل أمرتموهم بعبادتكم وزينتم لهم ذلك
أم ذلك من تلقاء أنفسهم ؟
** قَالُوا سُبْحَانَكَ **
نزّهوا الله عن شرك المشركين به وبرّؤوا أنفسهم من ذلك ، ** مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا **
أي : لا يليق بنا ولا يحسن منّا أن نتّخذ من دونك من أولياء نتولاّهم ونعبدهم وندعوهم ؛
فإذا كنا محتاجين ومفتقرين إلى عبادتك متبرئين من عبادة غيرك ؛ فكيف نأمر أحدا بعبادتنا ؟!
هذا لا يكون .
أو : سبحانك أَنْ نَتَّخِذَ ** مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ ** :
وهذا كقول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام : ** وإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ
مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ
إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ** الآية .
وقال تعالى : ** وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ **
** وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ **
فلما نزّهوا أنفسهم أن يدعوا لعبادة غير الله
أو يكونوا أضلوهم ذكروا السبب الموجب لإضلال المشركين فقالوا :
** وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ ** في لذّات الدّنيا وشهواتها ومطالبها النفسيّة ،
** حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ **
اشتغالا في لذات الدنيا وإكبابا على شهواتها ؛ فحافَظوا على دنياهم وضيّعوا دينهم ،
** وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا **
أي : بائرين لا خير فيهم ولا يصلحون لصالح
لا يصلحون إلاّ للهلاك والبوار ،
فذكروا المانع من اتّباعهم الهدى ،
وهو التمتّع في الدنيا ،
الذي صرفهم عن الهدى ،
وعدم المقتضي للهدى ، وهو أنّهم لا خير فيهم، فإذا عدم المقتضي ووُجِد المانع ؛
فلا تشاء من شرّ وهلاك إلاّ وجدته فيهم .