قال تعالى : ** ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ
كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ **
[ سورة الأنعام : 102 ]
قال العلاّمة السّعدي رحمه الله في تفسيره :
ذلكم الذي خلق ما خلق وقدّر ما قدّر ؛
** اللَّهُ رَبُّكُمْ ** أي: المألوه المعبود
الذي يستحقُّ نهاية الذُّلِّ ونهاية الحُبِّ ،
الربُّ الذي رَبَّى جميع الخلق بالنعم،
وصرف عنهم صنوف النقم ،
خالق كل شيء لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ** فَاعْبُدُوهُ **
أي : إذا استقرَّ وثبت أنه الله الذي لا إله إلا هو، فاصرفوا له جميع أنواع العبادة ،
وأخلصوها لله ، واقصدوا بها وجهه ؛
فإنّ هذا هو المقصود من الخلق
الذي خُلقوا لأجله ،
** وما خَلَقْتُ الجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ **
** وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ **
أي : جميع الأشياء تحت وكالة الله وتدبيره
خَلقاً وتدبيراً وتصريفاً .
ومن المعلوم أن الأمر المتصرَّف فيه يكون استقامته وتمامه وكمال انتظامه
بحسب حال الوكيل عليه ،
ووكالته تعالى على الأشياء ليست من جنس
وكالة الخلق ؛ فإنّ وكالتهم وكالة نيابة ،
والوكيل فيها تابع لموكله ،
وأما الباري تبارك وتعالى ؛
فوكالته من نفسه لنفسه ، متضمنة لكمال العلم وحسن التدبير والإحسان فيه والعدل ،
فلا يمكن لأحد أن يستدرك على الله ،
ولا يرى في خلقه خللا ولا فطورا ،
ولا في تدبيره نقصا وعيبا ،
ومِن وكالته : أنّه تعالى توكَّل ببيان دينه وحفظه عن المزيلات والمغيِّرات ،
وأنه تولَّى حفظ المؤمنين وعصمتهم عما يزيل إيمانهم ودينهم .