قال الله تعالى :
** واللهُ يَدْعُوا إلى دارِ السّلَامِ
ويَهْدِي مَنْ يَشآءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ *
لِّلَّذينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وزِيادَةٌ ولَا يَرْهَقُ
وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ولَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أصْحابُ الجَنَّةِ
هُمْ فيها خالِدُونَ **
سورة يونس 25 - 26
_ قال العلاّمة عبد الرّحمٰن السّعدي رحمه الله في تفسير كلام المنّان :
عمَّ تعالى عباده بالدعوة إلى دار السلام والحثِّ على ذلك والترغيب ،
وخصَّ بالهدايةِ من شاء استخلاصَه واصطفاءَه ؛
فهذا فضلُه وإحسانُه،
والله يختصُّ برحمتِه من يشاء ،
وذلك عدلُه وحكمته ، وليس لأحد عليه حُجَّةٌ بعد البيان والرسل ،
وسمَى اللهُ الجنة دار السلام لسلامتِها
من جميع الآفات والنقائِص ،
وذلك لكمال نعيمِها وتمامِه وبقائِه
وحُسنِه من كلِّ وجهٍ .
ولما دعا إلى دار السلام ؛
كأنّ النفوس تشوَّقَت إلى الأعمال الموجبة لها الموصلة إليها ،
فأخبر عنها بقوله :
** لِّلَّذينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وزِيَادَةٌ ** ؛
أي : للذين أحسنوا في عبادة الخالق ،
بأنْ عبدوه على وجه المراقبة والنصيحة
في عبوديَّته ،
وقاموا بما قدروا عليه منها ،
وأحسنوا إلى عباد الله ، بما يقدرون عليه من الإحسان القوليِّ والفعليِّ :
من بذل الإحسان الماليِّ
والإحسان البدنيِّ والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر وتعليم الجاهلين
ونصيحة المعرضين وغير ذلك من وجوه
البرِّ والإحسان ؛
فهؤلاء الذين أحسنوا لهم الحسنى ،
وهي الجنة الكاملة في حسنها ،
وزيادةٌ ،
وهي النظر إلى وجه الله الكريم ،
وسماع كلامه ، والفوز برضاه ،
والبهجة بقربه ؛ فبهذا حصل لهم أعلى
ما يتمنّاه المتمنُّون ، ويسأله السائلون .
ثم ذكر اندفاع المحذور عنهم ،
فقال :
** ولَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ولَا ذِلَّةٌ ** ؛
أي : لا ينالهم مكروهٌ بوجه من الوجوه ؛
لأنّ المكروه إذا وقع بالإنسان ؛
تبيّن ذلك في وجهه وتغيَّر وتكدَّر .
وأما هؤلاء ؛ فهم كما قال الله عنهم :
** تَعْرِفُ في وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعيم ** ،
أُولَئِكَ أصْحابُ الجَنَّةِ الملازمون لها
هُمْ فيها خالِدُونَ ،
لا يَحُولُون ، ولا يَزُولُون ، ولا يَتغيَّرون .