عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 07-09-2023, 09:56 PM   #95
معلومات العضو
أبوسند
التصفية و التربية
 
الصورة الرمزية أبوسند
 

 

افتراضي




قال ابن قيم الجوزية رحمه الله :


" فصل :

[ الحكمة في جعل ذبيحة غير الكتابي مثل الميتة ]

وأما جمعها بين الميتة وذبيحة غير الكتابي في التحريم ،
وبين ميتة الصيد وذبيحة المحرم له ، فأي تفاوت في ذلك ؟

وكأن السائل رأى أن الدَّمَ لما احتقن
في الميتة كان سببا لتحريمها ،
وما ذبحه المحرم أو الكافر غير الكتابي لم يحتقن دمه ؛
فلا وجه لتحريمه ،
وهذا غلط وجهل ؛
فإنّ علة التحريم لو انحصرت في احتقان الدم لكان للسؤال وَجْهٌ ،

فأما إذا تَعَدّدَت علل التحريم
لم يلزم من انتفاء بعضها انتفاء الحكم إذا خلفه علة أخرى ،

وهذا أمر مطرد في الأسباب
والعلل العقلية .

فما الذي ينكر منه في الشرع ؟

فإن قيل : أليس قد سَوَّتْ الشريعة بينهما في كونهما ميتة ،
وقد اختلفا في سبب الموت ،
فتضمنت جمعها بين مختلفين وتفريقها بين متماثلين ؛
فإن الذبح واحد صورة وحسا وحقيقة ؛
فجعلت بعض صوره مخرجا للحيوان عن كونه ميتة وبعض صوره موجبا لكونه ميتة من غير فرق .

قيل : الشريعة لم تُسَوِّ بينهما في اسم الميتة لغة ،
وإنما سوت بينهما في الاسم الشرعي ؛
فصار اسم الميتة في الشرع
أعم منه في اللغة ،

والشارع يتصرف في الأسماء اللغوية بالنقل تارة وبالتعميم تارة وبالتخصيص تارة ،

وهكذا يفعل أهل العرف ؛
فهذا ليس بمنكر شرعا ولا عرفا .

وأما الجمع بينهما في التحريم فلأن الله سبحانه حرم علينا الخبائث ،

والخُبثُ الموجب للتحريم
قد يظهر لنا وقد يخفى ،

فما كان ظاهرا لم يَنْصِبُ عليه الشارعُ علامة غير وصفه ،

وما كان خفيا نصب عليه علامة
تدل على خبثه ؛

فاحتقان الدم في الميتة سبب ظاهر ،

وأما ذبيحة المجوسي والمرتد
وتارك التسمية ومَن أَهَلَّ بذبيحته لغير الله فنفسُ ذبيحة هؤلاء أكسبت المذبوحَ خبثا أوجب تحريمه ،

ولا ينكر أن يكون ذكر اسم الأوثان والكواكب والجن على الذبيحة يكسبها خبثا ،
وذكر اسم الله وحده يكسبها طيبا ،

إلا مَن قَلَّ نصيبُه من حقائق العلم والإيمان وذَوق الشريعة ،

وقد جعل الله سبحانه ما لم يذكر
اسم الله عليه من الذبائح فسقا
وهو الخبيث ،

ولا ريب أن ذكر اسم الله على الذبيحة يطيبها ويطرد الشيطان عن الذابح والمذبوح ،

فإذا أَخَلَّ بذكر اسمِه لابس الشيطانُ الذابحَ والمذبوحَ ،
فأثر ذلك خبثا في الحيوان ، والشيطان يَجْري في مَجَاري الدَّم
مِن الحيوان ،
والدم مركبه وحامله ،
وهو أخبث الخبائث ،
فإذا ذكر الذابحُ اسمَ الله خرج الشيطان مع الدم فطابت الذبيحة ، فإذا لم يذكر اسم الله لم يخرج الخبث .

وأما إذا ذكر اسم عدوه من الشياطين والأوثان فإن ذلك يكسب الذبيحة خبثا آخر .

يوضحه أن الذبيحة تجري مجرى العبادة ،
ولهذا يقرن الله سبحانه بينهما كقوله : ** فصل لربك وانحر **
[ سورة الكوثر : 2 ] ،

وقوله : ** قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين **
[ سورة الأنعام : 162 ] ،

وقال تعالى :
** والبُدنَ جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صوافّ فإذا وجبت جُنوبها فكلوا منها وأطعموا القانِع والمعتَرّ كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون *
لن ينال الله لحومها ولا دماؤها
ولكن يناله التقوى منكم **
[ سورة الحج : 36 - 37 ] ،

فأخبر أنه إنما سخرها لمن يذكر اسمه عليها ، وأنه إنما ينالُه التقوى
- وهو التقرب إليه بها
وذكر اسمه عليها -

فإذا لم يذكر اسمه عليها كان ممنوعا من أكلها ، وكانت مكروهة لله ، فأكسبتها كراهيته لها
- حيث لم يذكر عليها اسمه
أو ذكر عليها اسم غيره -
وصف الخبث فكانت بمنزلة الميتة ،

وإذا كان هذا في متروك التسمية
وما ذكر عليه اسم غير الله
فما ذَبَحه عدوُّه المشرك به الذي هو
من أخبث البرية أولى بالتحريم ؛

فإن فِعلَ الذابح وقَصْدَه وخبثه
لا ينكر أن يؤثر في المذبوح ،
كما أن خبث الناكح ووصفه وقصده يؤثر في المرأة المنكوحة ،

وهذه أمور إنما يصدق بها من أشرق فيه نور الشريعة وضياؤها ،
وباشر قلبه بشاشة حكمها
وما اشتملت عليه من المصالح
في القلوب والأبدان ،
وتلقَّاها صافية من مِشكاة النبوة ، وأحكم العقد بينها وبين الأسماء والصفات التي لم يطمس نور حقائقها ظلمة التأويل والتحريف " .



_ أعلام الموقعين عن رب العالمين
( 2 / 118 - 119 )
ط : دار الكتب العلمية بيروت .













 

 

 

 


 

توقيع  أبوسند
 

يقول العلاّمة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله

طالب الحق يكفيه دليل ...
... وصاحب الهوى لايكفيه ألف دليل

الجاهل يُعلّم
وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل

--------------------------
حسابي في تويتر

@ABO_SANAD666



    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة