قال تعالى : ** بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحَمْدُ لِله فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ والْأَرْضِ جَاعِلِ المَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ ورُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * ما يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وما يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وهُوَ العَزِيزُ الْحَكِيمُ **
سورة فاطر 1 - 2
قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :
يمدح الله تعالى نفسه الكريمة المقدّسة
على خلقه السماوات والأرضَ وما اشتَمَلَتا عليه من المخلوقات ؛
لأن ذلك دليل على كمال قدرته
وسَعَة مُلكه وعموم رحمته وبديع حكمته وإحاطة علمه .
ولمّا ذَكر الخلق ؛
ذكر بعده ما يتضمّن الأمر ،
وهو أنه جَعلَ ** المَلَائِكَةَ رُسُلًا ** :
في تدبير أوامره القدريّة ووسائط بينه
وبين خلقه في تبليغ أوامره الدينيّة .
وفي ذِكرِه أنّه جعل الملائكة رسلا
ولم يستثن منهم أحدا دليل على كمال طاعتهم لربّهم وانقيادهم لأمره ؛
كما قال تعالى : ** لَا يَعْصُونَ الله ما أَمَرَهُمْ ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ** .
ولما كانت الملائكة مدبِّرات بإذن الله
ما جعلهم الله موكّلين فيه ؛
ذَكر قوّتهم على ذلك وسرعة سيرِهم ؛
بأن جعلهم ** أُولِي أَجْنِحَةٍ ** :
تطير بها فتسرع بتنفيذ ما أمرت به ، ** مَثْنَى وثُلَاثَ وَرُبَاعَ ** ؛
أي : منهم من له جناحان وثلاثة وأربعة بحسب ما اقتضتْه حكمتُه .
** يَزِيدُ في الخَلْقِ ما يَشَاءُ **
أي : يزيد بعضَ مخلوقاته على بعض
في صفة خلقها وفي القوّة وفي الحسن وفي زيادة الأعضاء المعهودة وفي حسن الأصوات ولذّة النغمات .
** إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ** :
فقدرته تعالى تأتي على ما يشاؤه ،
ولا يستعصي عليها شيء ،
ومن ذلك زيادة مخلوقاته بعضها على بعض .
ثم ذكر انفراده تعالى بالتدبير والعطاء والمنع فقال : ** مَا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وما يُمْسِكْ ** :
من رحمته عنهم
** فَلَا مُرْسِلَ لَهُ من بَعْدِهِ ** :
فهذا يوجب التعلُّق بالله تعالى
والافتقار إليه من جميع الوجوه ،
وأن لا يُدعى إلاّ هو ولا يُخاف ويُرجى
إلاّ هو .
** وهُوَ العَزِيزُ ** : الذي قهر الأشياء كلَّها .** الحَكِيمُ ** : الذي يضع الأشياء مواضعها ، وينزلها منازلها .