أهل السنة والجماعة وسط بين فرق الأمة:
أهل السنة والجماعة وسط بين فرق الأمة في أصول خمسة:
_________
(1) رواه ابن ماجة، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم رقم (3992) من حديث عوف ابن مالك بلفظ قريب من هذا. ورواه أبو داوود كتاب السنة، باب شرح السنة رقم (4596) والترمذي كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة رقم (2640) وابن ماجة كتاب الفتن باب افتراق الأمم رقم (3991) من حديث أبى هريرة مختصرا. ورواه الترمذي رقم (2641) والحاكم (1/ 129) من حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما. الأول: أسماء الله وصفاته، فأهل السنة وسط فيها بين أهل التعطيل وأهل التشبيه، لأن أهل التعطيل ينكرون صفات الله، وأهل التشبيه يثبتونها مع التشبيه، وأهل السنة والجماعة يثبتونها بلا تشبيه.
الثاني: القضاء والقدر: الذي عبر عنه المؤلف بأفعال الله، فأهل السنة وسط فيه بين الجبرية والقدرية؛ لأن الجبرية يثبتون قضاء الله في أفعال العبد ويقولون: إنه مجبر لا قدرة له ولا اختيار. والقدرية ينكرون قضاء الله في أفعال العبد، ويقولون: أن العبد قادر مختار لا يتعلق فعله بقضاء الله، وأهل السنة يثبتون قضاء الله في أفعال العبد ويقولون: إن له قدرة واختياراً أودعهما الله فيه متعلقين بقضاء الله.
الثالث: الوعيد بالعذاب، فأهل السنة وسط فيه بين الوعيدية وبين المرجئة؛ لأن الوعيدية يقولون: فاعل الكبيرة مخلد في النار؛ والمرجئة يقولون: لا يدخل النار ولا يستحق ذلك، وأهل السنة يقولون: مستحق لدخول النار دون الخلود فيها.
الرابع: أسماء الإيمان والدين: فأهل السنة وسط فيه بين
المرجئة من جهة وبين المعتزلة والحرورية من جهة؛ لأن المرجئة يسمون فاعل الكبيرة مؤمنا كامل الإيمان، والمعتزلة والحرورية يسمونه غير مؤمن، لكن المعتزلة يقولون: لا مؤمن ولا كافر في منزلة بين منزلتين، والحرورية يقولون: إنه كافر، وأهل السنة يقولون: إنه مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بأيمانه فاسق بكبيرته.
الخامس: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأهل السنة وسط فيه بين الروافض والخوارج؛ لأن الروافض بالغوا في حبِّ آل النبي صلى الله عليه وسلم وغلوا فيهم حتى أنزلوهم فوق منزلتهم، والخوارج يبغضونهم ويسبونهم، وأهل السنة يحبون الصحابة جميعهم، وينزلون كل واحد منزلته التي يستحقها من غير غلو ولا تقصير.
طوائف المبتدعة الذين أشار إليهم المؤلف في هذه الأصول السابقة:
أشار المؤلف إلى طوائف من أهل البدع:
أولا الجهمية: وهم أتباع الجهم بن صفوان الذي أخذ التعطيل عن الجعد بن درهم، وقتل في خراسان سنة 128هـ، ومذهبهم في الصفات إنكار صفات الله، وغلاتهم ينكرون
حتى الأسماء، ولذلك سموا بالمعطلة. ومذهبهم في أفعال العباد أن العبد مجبور على عمله ليس له قدرة ولا اختيار، ومن ثم سموا جبرية.
ومذهبهم في الوعيد وأسماء الإيمان والدين أن فاعل الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ولا يدخل النار، ولذلك سموا مرجئة فهم أهل الجيمات الثلاث تجهم وجبر وإرجاء.
ثانيا المعتزلة: وهم أتباع واصل ابن عطاء الذي اعتزل مجلس الحسن البصري حين كان الحسن يقرر أن فاعل الكبيرة مؤمن ناقص الإيمان، فاعتزله واصل وجعل يقرر أن فاعل الكبيرة في منزلة بين منزلتين.
ومذهبهم في الصفات: إنكار صفات الله كالجهمية، ومذهبهم في أفعال العباد أن العبد مستقل بفعله يفعل بإرادة وقدرة مستقلا عن قضاء الله وقدره عكس الجهمية؛ ولذلك سموا قدرية. ومذهبهم في الوعيد أن فاعل الكبيرة مخلد في النار عكس الجهمية القائلين بأنه لا يدخل النار، ولذلك سموا الوعيدية. ومذهبهم في أسماء الإيمان والدين أن فاعل الكبيرة في منزلة بين منزلتين ليس مؤمناً ولا كافراً، عكس الجهمية
القائلين بأنه مؤمن كامل الإيمان، ولذلك سموا أصحاب المنزلة بين منزلتين.
ثالثا: الخوارج: سموا بذلك لخروجهم على إمام المسلمين، ويقال لهم: الحرورية نسبة إلى حروراء موضع بالعراق قرب الكوفة خرجوا فيه على علي بن أبى طالب رضي الله عنه. كانوا من أشد الناس تديناً في الظاهر حتى قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرءان لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية؛ فأينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم إلى يوم القيامة) (1).
ومذهبهم في الوعيد أن فاعل الكبيرة مخلد في النار كافر يحل دمه وماله، ومن ثم استباحوا الخروج على الأئمة إذا
_________
(1) رواه البخاري كتاب استتابة المرتدين، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة رقم (6930) ومسلم كتاب الزكاة، باب التحريض على قتل الخوارج رقم (1066).
فسقوا.
رابعا: الروافض: ويقال لهم الشيعة الذين يغلون في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويفضلون على ابن أبى طالب رضي الله عنه على جميع الصحابة، ومنهم من يفضله على النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يجعله ربا. وسموا شيعة لتشيعهم لآل البيت، وسموا روافض لأنهم رفضوا زيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب حين سألوه عن أبى بكر وعمر رضي الله عنهما فاثنى عليهما، وقال هما وزيرا جدي يعني النبي صلى الله عليه وسلم فانصرفوا عنه ورفضوه.
اليوم الآخر:
اليوم الآخر يوم القيامة، ويدخل في الإيمان به كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، كفتنة القبر وعذابه ونعيمه وغير ذلك. والإيمان به واجب، ومنزلته من الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة.
فتنة القبر:
فتنة القبر سؤال الملكين الميت عن ربه ودينه ونبيه، فيثبت
الله الذين آمنوا بالقول الثابت، فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد، وأما المرتاب أو الكافر فيقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته.
والفتنة عامة لكل ميت إلا الشهيد ومن مات مرابطاً في سبيل الله، وكذلك الرسل لا يسألون لأنهم المسئول عنهم. واختلف في غير المكلف كالصغير، فقيل: يسأل، لعموم الأدلة؛ وقيل: لا، لعدم تكليفه. واسم الملكين منكر ونكير (1).
قول أهل السنة في نعيم القبر وعذابه:
قولهم فيه أنه حق ثابت لقوله تعالى في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّا وَعَشِيّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ادْخِلُوا آل فِرْعَوْنَ أشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر: 46). وقوله في المؤمنين: (إن الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ألا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَابْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت: 30)
_________
(1) أخرجه الترمذي كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر رقم (1071) عن أبى هريرة رضي الله عنه وقال: حسن غريب.
ولقوله صلى الله عليه وسلم في الكافر حين يسأل في قبره فيجيب: (فينادي منادٍ من السماء أن كذب عبدي فافرشوه من النار وافتحوا له بابا إلي النار) وقوله في المؤمن إذا سئل في قبره فأجاب: (فينادي منادٍ من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وافتحوا له بابا من الجنة) (1).
والعذاب أو النعيم على الروح فقط، وقد تتصل بالبدن أحياناً. والعذاب على الكافرين مستمر أما على المؤمنين فبحسب ذنوبهم. والنعيم للمؤمنين خاصة والظاهر استمراره.
الجواب على ما ثبت عن توسيع قبر المؤمن وتضيقه على الكافر مع أنه لو فتح لوجد بحاله: الجواب من وجهين:
الأول: أن ما ثبت في الكتاب والسنة وجب تصديقه
_________
(1) أخرجه الإمام احمد (4/ 287) وأبو داوود كتاب السنة، باب في المسالة في القبر وعذاب القبر رقم (4753) والحاكم (1/ 37) عن البراء ابن عازب رضي الله عنه. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
والإيمان به سواء أدركته عقولنا وحواسنا أم لا، لأنه لا يعارض الشرع بالعقل لا سيما في الأمور التي لا مجال للعقل فيها.
الثاني: أن أحوال القبر من أمور الآخرة التي اقتضت حكمة الله أن يحجبها عن حواس الخلق وعقولهم امتحانا لهم، ولا يجوز أن تقاس بأحوال الدنيا؛ لتباين ما بين الدنيا والآخرة.
القيامة:
القيامة صغرى كالموت، فكل من مات فقد قامت قيامته، وكبرى وهي المقصود هنا، وهي قيام الناس بعد البعث للحساب والجزاء. وسميت بذلك لقيام الناس فيها، وقيام العدل، وقيام الأشهاد. ودليل ثبوتها الكتاب والسنة والإجماع. فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: (ألا يَظُنُّ أولَئِكَ أنهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ*يوم َ يقُوم النَاسُ لربِ العالًمِين) (المطففين: 4 - 6). ومن أدلة السنة قوله صلى الله عليه وسلم (إنكم تحشرون حفاة عراةً
غرلاً) (1).
وأما الإجماع فقد اجمع المسلمون وجميع أهل الأديان السماوية على إثبات يوم القيامة، فمن أنكره أو شك فيه فهو كافر. وللقيامة علامات تسمى الاشراط كخروج الدجال ويأجوج ومأجوح، وطلوع الشمس من مغربها. وجعلت لها هذه الاشراط؛ لأنها يوم عظيم وهام فكان لها تلك المقدمات.
حشر الناس:
يحشر الناس يوم القيامة حفاة غير منتعلين عراة غير مكتسين غرلاً غير مختونين؛ لقوله تعالى: (كَمَا بَدَأنا أولَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (الأنبياء: الاية104). وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم تحشرون حفاة عراةً غرلاً).
الأشياء التي ذكر المؤلف أنها تكون يوم القيامة:
أولا: دنو الشمس من الخلق بقدر ميل أو ميلين، فيعرق
_________
(1) أخرجه البخاري كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا)، رقم (3349) ومسلم، كتاب الجنة، باب فناء الدنيا رقم (2860) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
الناس بقدر أعمالهم، منهم من يصل عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يلجمه، ومنهم من بين ذلك، ومن الناس من يسلم من الشمس، فيظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، مثل الشاب إذا نشأ في طاعة الله، والرجل المعلق قلبه بالمساجد.
ثانيا: الموازين ـ جمع ميزان ـ يضعها الله لتوزن فيها أعمال العباد، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون. والميزان حقيقي له كفتان خلافاً للمعتزلة القائلين بأنه العدل لا ميزان حقيقي. وقد ذكر في القرآن مجموعاً وفي السنة مجموعاً ومفرداً، فقيل: إنه ميزان واحد، وجمع باعتبار الموزون، وقيل: متعدد بحسب الأمم أو الإفراد، وأفرد باعتبار الجنس.
ثالثا: نشر الدواوين ـ أي فتحها ـ وتوزيعها، وهي صحائف الأعمال التي كتبتها الملائكة على الإنسان قال الله تعالى: (وَكُلَّ إنسان ألزمناه طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَأمة كِتَابا يَلْقَاهُ مَنْشُورا*اقرأ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبا) (الإسراء: 13 - 14). فآخذ كتابه بيمينه وهو المؤمن، وآخذ
كتابه بشماله أو من وراء ظهره لقوله تعالى: (فَأما مَنْ أوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابا يَسِيرا *وَيَنْقَلِبُ إلى أهلهِ مَسْرُورا *وَأما مَنْ أوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فسوف يدعو ثبوراً وَيَصْلَى سَعِيرا) (الانشقاق: 7 - 12). وفي آية أخرى: (وَأما مَنْ أوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أوتَ كِتَابِيَهْ) (الحاقة: 25). والجمع بين هذه والتي قبلها إما باختلاف الناس، وأما بكون الذي يأخذها بشماله تخلع يده من وراء ظهره.
رابعا: الحساب وهو محاسبة الخلائق على أعمالهم، وكيفيته بالنسبة للمؤمن أن الله يخلو به فيقرره بذنوبه، ثم يقول (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا اغفرها لك اليوم) (1). وأما بالنسبة للكافر فإنه يوقف على عمله ويقرر به، ثم ينادى على رؤوس الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين. (2)
_________
(1) أخرجه البخاري كتاب المظالم، باب (ألا لعنة الله على الظالمين) رقم (2441) ومسلم كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وان كثر قتله رقم (2768) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(2) انظر التخريج السابق.
وأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله الصلاة (1). وأول ما يقضى بين الناس الدماء (2). ومن الناس من يدخل الجنة بلا حساب، وهم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، ومنهم عكاشة بن محصن رضي الله عنه (3).
خامسا: الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم في عرصات القيامة ـ أي مواقفها ـ يرده المؤمنون من أمته ومن شرب منه لم يظمأ أبداً، طوله شهراً وعرضه شهر، وآنيته كنجوم السماء، وماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من رائحة المسك. ولكل نبي حوض يرده المؤمنون من أمته، لكن الحوض الأعظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم.
_________
(1) أخرجه أبو داو ود (864) والترمذي (413) والنسائي (1/ 232) وابن ماجة (1425) عن أبى هريرة رضي الله عنه.
(2) أخرجه الترمذى (1396) عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما وقال: حسن صحيح.
(3) أخرجه البخاري (6541) ومسلم (220) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقد أنكر المعتزلة وجود الحوض، وقولهم مردود بما تواترت به الأحاديث من إثباته.
سادسا: الصراط وهو الجسر المنصوب على جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف (1)
عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، يمرون عليه على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركائب الإبل ومنهم من يعدو عدواً ومنهم من يمشي مشياً ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم من يخطف فيلقى في النار فيعذب بقدر عمله (2). فإذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض قصاصاً تزول به الأحقاد والبغضاء ليدخلوا الجنة إخواناً متصافين.
سابعا: الشفاعة وهي التوسط للغير بجلب المنفعة أو دفع
_________
(1) أخرجه مسلم (183) عن أبى سعيد الخدري قال: بلغني أن الجسر أدق من الشعر وأحد من السيف.
(2) أخرجه البخاري (7439) ومسلم (183) عن أبى سعيد الخدري.
مضرة، ولا تكون إلا بإذن الله للشافع ورضاه عن المشفوع له.
وتنقسم إلى قسمين: خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعامة له ولغيره من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
فالخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر المؤلف منها نوعين:
الأول: الشفاعة العظمى، حيث يشفع في أهل الموقف إلى الله ليقضي بينهم، بعد أن تطلب الشفاعة من آدم فنوح فإبراهيم فموسى فعيسى عليهم الصلاة والسلام فلا يشفعون، حتى تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيشفع فيقبل الله منه (1). وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله بقوله: (عَسَى أن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مقاماً مَحْمُودا) (الإسراء: الاية79).
الثاني: شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوها.
وأما العامة فذكر المؤلف منها نوعين:
الأول: الشفاعة في من استحق النار من المؤمنين ألا يدخلها.
الثاني: الشفاعة في من دخلها منهم أن يخرج منها.
وهذان النوعان ينكرهما المعتزلة والخوارج بناء على
_________
(1) أخرجه البخاري (4712) ومسلم (194) عن أبى هريرة رضي الله عنه.
قولهم: أن فاعل الكبيرة مخلد في النار فلا تنفعه الشفاعة. ويخرج الله أقواماً من النار بغير شفاعة بل بفضله ورحمته، ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا فينشئ الله لها أقواماً فيدخلهم الجنة.
الإيمان بالقضاء والقدر:
الإيمان بالقضاء والقدر واجب، ومنزلته من الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن القدر خيره وشره.
ومعنى الإيمان بالقضاء والقدر: أن تؤمن بأن كل ما في الكون من موجودات ومعدومات، عامة وخاصة، فأنه بمشيئة الله وخلقه، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
درجات الإيمان بالقضاء والقدر:
للإيمان بالقدر درجتان كل درجة تتضمن شيئين:
فالدرجة الأولى تتضمن العلم والكتابة، ودليلها قوله تعالى: (الَمْ تَعْلَمْ أن اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأرض أن ذَلِكَ
فِي كِتَابٍ إن ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحج: 70). فالعلم أن تؤمن بعلم الله المحيط بكل شيء جملةًً وتفصيلاً. والكتابة هي أن تؤمن بأن الله كتب مقادير كل شيء في اللوح المحفوظ بحسب علمه. وهي أنواع:
النوع الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ودليلها قوله صلى الله عليه وسلم: (أن الله لما خلق القلم قال له: اكتب. قال: رب ماذا اكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) (1).
النوع الثاني: الكتابة العمرية، وهي ما يكتبه الملك الموكل بالأرحام على الجنين في بطن أمه إذا تم له أربعة أشهر، فيؤمر المَلَك بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، ودليله حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في الصحيحين (2).
_________
(1) أخرجه الإمام احمد (5/ 317) وأبو داوود كتاب السنة، باب في القدر رقم (4700) والترمذي كتاب القدر رقم (2155) والحاكم (2/ 498) وصححه.
(2) البخاري (3208) ومسلم (2643).
وهذه الدرجة ينكرها غلاة القدرية قديماً.
وأما الدرجة الثانية فتتضمن شيئين: المشيئة والخلق، ودليل المشيئة قوله تعالى: (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (إبراهيم: الاية27). ودليل الخلق قوله تعالى: (الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الزمر: الاية62).
فأما المشيئة فهي أن تؤمن بمشيئة الله العامة، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، سواء في ذلك أفعاله وأفعال الخلق، كما قال تعالى في أفعاله: (وَلَوْ شِئْنَا لَاتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) (السجدة: الاية13). وقال في أفعال الخلق: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) (الأنعام: الاية112). وأما الخلق فهو أن تؤمن أن الله خالق كل شيء سواء مما فعله أو فعله عباده. دليل الخلق في فعله قوله تعالى: (إن رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأرض فِي سِتَّةِ ايَّامٍ) (الأعراف: الاية54). ودليل الخلق في أفعال العباد قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات: 96). ووجه كونه خالقاً لأفعال العباد أن فعل العبد لا يصدر إلا عن إرادة وقدرة، وخالق إرادة العبد وقدرته هو الله.
مشيئة العبد وقدرته:
للعبد مشيئة وقدرة لقوله تعالى: (فَاتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُمْ) (البقرة: الآية 223). وقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فأثبت الله للعبد مشيئةً وإرادة وهي القدرة إلا أنهما تابعتان لمشيئة الله تعالى؛ لقوله: (وَمَا تَشَاءُونَ إلا أن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير: 29).
من ضل في هذه الدرجة وهي المشيئة والخلق:
ضلَّ فيها طائفتان:
الأولي: القدرية حيث زعموا أن العبد مستقل بإرادته وقدرته ليس لله في فعله مشيئة ولا خلق.
الثانية: الجبرية حيث زعموا أن العبد مجبوراً على فعله ليس له فيه إرادة ولا قدرة.
والرد على الطائفة الأولى القدرية بقوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إلا أن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) وقوله: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ). والرد على الطائفة الثانية الجبرية بقوله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أن يَسْتَقِيمَ). وقوله: (فَأتُوا حَرْثَكُمْ أنَّى شِئْتُمْ). فاثبت للإنسان مشيئة وقدرة.
الاعتماد على القضاء السابق وترك العمل:
لا يجوز الاعتماد على القضاء السابق وترك العمل؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: (يا رسول الله، أفلا نتكل على الكتاب الأول وندع العمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعملوا فكل ميسر لما خلق له. أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة). وتلا قوله تعالى: (فَأما مَنْ أعطى وَاتَّقَى*وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى*وَأما مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) (1) (الليل: 5 - 10).
مجوس هذه الأمة:
مجوس هذه الأمة القدرية الذين يقولون: أن العبد مستقل بفعله. سموا بذلك لأنهم يشبهون المجوس القائلين بأن للعالم خالقين: النور يخلق الخير. والظلمة تخلق الشر.
_________
(1) أخرجه البخاري كتاب الجنائز، باب موعظة المحدث عند القبر رقم (1362) ومسلم كتاب القدر باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه رقم (2647) عن على رضي الله عنه.
وكذلك القدرية قالوا: أن للحوادث خالقين، فالحوادث التي من فعل العبد يخلقها العبد، والحوادث التي من فعل الله يخلقها الله.
الجبرية يخرجون عن أحكام الله حكمها ومصالحها فما وجه ذلك؟
وجه ذلك أن الجبرية لا يفرقون بين فعل العبد اختياراً وفعله بدون اختيار، كلاهما عندهم مجبر عليه كما سبق، وإذا كان كذلك صار ثوابه على الطاعة وعقابه على المعصية لا حكمة له، إذ الفعل جاء بدون اختياره، وما كان كذلك فإن صاحبه لا يمدح عليه فيستحق الثواب، ولا يذم عليه فيستحق العقاب.
الإيمان:
الإيمان لغة ً: التصديق، واصطلاحا: قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح. فقول القلب تصديقه وإقراره، وعمل القلب إرادته وتوكله ونحو ذلك من حركاته؛ وقول اللسان نطقه، وعمل الجوارح الفعل والترك. والدليل على أن الإيمان يشمل ذلك كله قوله صلى الله عليه وسلم:
(الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته .. الخ) (1). وهذا قول القلب وقوله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) (2). فقول لا اله إلا الله قول اللسان، وإماطة الأذى عن الطريق عمل الجوارح، والحياء عمل القلب.
زيادة الإيمان ونقصانه:
الإيمان يزيد وينقص لقوله تعالى: (لِيَزْدَادُوا إيمَاناً مَعَ إيمَانهِمْ (الفتح: 4). وقول النبي صلى الله عليه وسلم في النساء: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) (3).
_________
(1) أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب بيان الإيمان والإسلام ... رقم (8) عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه
(2) أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب شعب الإيمان رقم (35) عن أبى هريرة رضي الله عنه.
(3) أخرجه البخاري كتاب الحيض باب ترك الحائض الصوم رقم (304) ومسلم كتاب الإيمان باب نقصان الإيمان بنقص الطاعات رقم (79) عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما.
وسبب زيادته الطاعة، وهي: امتثال أمر الله واجتناب نهيه، وسبب نقصه: معصية الله بالخروج عن طاعته.
الكبيرة:
الكبيرة كل ذنب قرن بعقوبةٍ خاصة، كالزنا والسرقة وعقوق الوالدين والغش ومحبة السوء للمسلمين وغير ذلك. وحكم فاعلها من حيث الاسم أنه مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وليس خارجاً من الإيمان لقوله تعالى في القاتل عمداً: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: الاية178). فجعل الله المقتول أخاً للقاتل، ولو كان خارجاً من الإيمان ما كان المقتول أخاً له، ولقوله تعالى في الطائفتين المقتتلتين: (وَإن طَائِفَتَان مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَاصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) (الحجرات: الاية9). إلى قوله: (إنمَا الْمُؤْمِنُونَ اخْوَةٌ فَاصْلِحُوا بَيْنَ اخَوَيْكُمْ) (الحجرات: الاية10). فجعل الله الطائفتين المقتتلتين مع فعلهما الكبيرة إخوة للطائفة الثالثة المصلحة بينهما.
وحكم فاعل الكبيرة من حيث الجزاء أنه مستحق للجزاء المرتب عليها، ولا يخلد في النار، وأمره إلى الله إن شاء عذبه
بما يستحق، وإن شاء غفر له لقوله تعالى: (إن اللَّهَ لا يَغْفِرُ أن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء: الاية48).
الذي خالف أهل السنة في فاعل الكبيرة:
خالفهم في ذلك ثلاثة طوائف:
1. المرجئة: قالوا: أن فاعل الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ولا عقاب له.
2. الخوارج: قالوا: إنه كافر مخلد في النار.
3. المعتزلة: قالوا: لا مؤمن ولا كافر، في منزلة بين منزلتين، وهو مخلد في النار.
هل الفاسق يدخل في اسم الإيمان؟
الفاسق لا يدخل في اسم الإيمان المطلق أي الكامل، كما في قوله تعالى: (إنمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياته زَادَتْهُمْ إيماناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال: 2). وإنما يدخل في مطلق الإيمان أي في أقل ما يقع عليه الاسم، كما في قوله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (النساء: الاية92). فالمؤمن هنا يشمل الفاسق وغيره.
الصحابي وموقف أهل السنة من الصحابة:
الصحابي من اجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو لحظةً مؤمناً ومات على ذلك. وموقف أهل السنة من الصحابة محبتهم والثناء عليهم بما يستحقون، وسلامة قلوبهم من البغضاء والحقد عليهم، وسلامة ألسنتهم من قول ما فيه نقص أو شتم للصحابة كما وصفهم الله بقوله: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِاخْوَاننَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمان وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاّ لِلَّذِينَ امَنُوا رَبَّنَا انكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر: 10). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه) (1).
اختلاف مراتب الصحابة رضي الله عنهم:
تختلف مراتب الصحابة لقوله تعالى: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ
_________
(1) أخرجه البخاري كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذا خليلا ... ) رقم (3673) ومسلم كتاب فضائل الصحابة باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم رقم (2541) عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه.
انفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أولَئِكَ اعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ انفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) (الحديد: الاية10). وسبب اختلاف مراتبهم: قوة الإيمان والعلم والعمل الصالح والسابق إلى الإسلام.
أفضلهم جنسا المهاجرون ثم الأنصار؛ لأن الله قدم المهاجرين عليهم فقال تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْانصَارِ) (التوبة: الاية117). ولأنهم جمعوا بين الهجرة من ديارهم وأموالهم والنصرة. وافضل الصحابة عيناً أبو بكر، ثم عمر بالإجماع، ثم عثمان ثم علي على رأي جمهور أهل السنة الذي استقر عليه أمرهم، بعدما وقع الخلاف في المفاضلة بين علي وعثمان، فقدم قوم عثمان وسكتوا، وقدم قوم عليا ثم عثمان، وتوقف قوم في التفضيل. ولا يضلل من قال بأن علياً أفضل من عثمان لأنه قد قال به بعض أهل السنة.
الخلفاء الأربعة:
الخلفاء الأربعة هم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي،
وترتيبهم في الخلافة أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي.
ويضلل من خالف في خلافة واحد منهم، أو خالف في ترتيبهم؛ لأنه مخالف لإجماع الصحابة وإجماع أهل السنة. وثبتت خلافة أبى بكر بإشارة من النبي صلى الله عليه وسلم إليها، حيث قدمه في الصلاة وفي إمارة الحج، وبكونه أفضل الصحابة فكان أحقهم بالخلافة. وثبتت خلافة عمر بعهد أبى بكر إليه بها، وبكونه افضل الصحابة بعد أبى بكر.
وثبتت خلافة عثمان باتفاق أهل الشورى عليه.
وثبتت خلافة علي بمبايعة أهل الحل والعقد له، وبكونه أفضل الصحابة بعد عثمان.
أهل بدر:
أهل بدر هم الذين قاتلوا في غزوة بدر من المسلمين، وعددهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا. والفضيلة التي حصلت لهم أن الله اطلع عليهم وقال: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ومعناه أن ما يحصل منهم من المعاصي يغفره الله بسبب الحسنة الكبيرة التي نالوها في غزوة بدر، ويتضمن هذا بشارة
بأنه لن يرتد أحد منهم عن الإسلام.
أهل بيعة الرضوان:
أهل بيعة الرضوان هم الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية على قتال قريش، وألا يفروا حتى الموت، وسببها ما أشيع من أن عثمان قتلته قريش حين أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إليهم للمفاوضة. وسميت بيعة الرضوان، لأن الله رضي عنهم بها، وعددهم نحو ألف وأربعمائة. والفضيلة التي حصلت لهم هي:
1. رضا الله عنهم: لقوله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (الفتح: الاية18).
2. سلامتهم من دخول النار: لأن النبي صلى الله عليه وسلم اخبر أنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة (1).
آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم:
آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: زوجاته وكل من تحرم عليه الزكاة من أقاربه المؤمنين كآل علي، وجعفر، والعباس، ونحوهم. والواجب نحوهم المحبة والتوقير والاحترام؛ لإيمانهم بالله
_________
(1) أخرجه مسلم (2496) عن جابر رضي الله عنه.
ولقرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم ولتنفيذ الوصية التي عهد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (أذكركم الله في أهل بيتي) (1). ولأن ذلك من كمال الإيمان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي) (2).
والذين ضلوا في أهل البيت طائفتان:
الأولي: الروافض: حيث غلو فيهم وأنزلوهم فوق منزلتهم حتى ادعى بعضهم أن عليا اله.
الثانية: النواصب: وهم الخوارج الذين نصبوا العداوة لآل البيت وآذوهم بالقول والفعل.
زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:
زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أفضل نساء هذه الأمة؛ لمكانتهن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولأنهن أمهات المؤمنين، ولأنهن زوجات
_________
(1) أخرجه مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضائل على بن أبى طالب رضي الله عنه رقم (2408) عن زيد ابن أرقم رضي الله عنه
(2) أخرجه الإمام احمد (1/ 207) وابن ماجة، كتاب المقدمة باب فضل العباس بن عبد المطلب، رقم (140).
النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة، ولطهارتهن من الرجس؛ ولذلك يكفر من قذف واحدة منهن؛ لأن ذلك يستلزم نقص النبي صلى الله عليه وسلم وتدنيس فراشه وأفضلهن خديجة وعائشة، وكل واحدة منهما أفضل من الأخرى من جهة؛ فمزية خديجة أنها أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها عاضدته على أمره في أول رسالته، وأنها أم أكثر أولاده بل كلهم إلا إبراهيم، وأن لها منزلة عالية عنده، فكان يذكرها دائماً، ولم يتزوج عليها حتى ماتت. ومزية عائشة حسن عشرتها مع النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أمره، وأن الله برأها في كتابه مما رماها به أهل الإفك، وأنزل فيها آيات تتلى إلى يوم القيامة، وأنها حفظت من هدى النبي صلى الله عليه وسلم وسنته ما لم تحفظه امرأة سواها، وأنها نشرت العلم الكثير بين الأمة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً سواها، فكانت تربيتها الزوجية على يديه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) (1).
_________
(1) أخرجه البخاري كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب فضل عائشة رضي الله عنها رقم (3769) ومسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها رقم (2431).
موقف أهل السنة في الخلاف والفتن التي حصلت بين الصحابة رضي الله عنهم:
موقفهم في ذلك أن ما جرى بينهم فإنه باجتهاد من الطرفين وليس عن سوء قصد، والمجتهد إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله اجر واحد، وليس ما جرى بينهم صادر عن إرادة علو ولا فساد في الأرض؛ لأن حال الصحابة رضي الله عنهم تأبى ذلك، فإنهم أوفر الناس عقولاً، وأقواهم إيماناً أشدهم طلباً للحق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني) (1). وعلى هذا فطريق السلامة أن نسكت عن الخوض فيما جرى بينهم ونرد أمرهم إلى الله؛ لأن ذلك أسلم من وقوع عداوة أو حقد على أحدهم.
_________
(1) أخرجه البخاري كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رقم (3651) ومسلم كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم رقم (2533).
موقف أهل السنة من الآثار الواردة في الصحابة:
موقفهم أن الآثار الواردة في مساوئ بعضهم على قسمين:
الأول: صحيح لكنهم معذورون فيه؛ لأنه واقع عن اجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ فله أجر، وان أصاب فله أجران.
الثاني: غير صحيح أما لكونه كذبا من أصله، وأما لكونه زيد فيه أو نقص أو غُيِّر عن وجهه، وهذا القسم لا يقدح فيهم لأنه مردود.
عصمة الصحابة رضي الله عنهم:
الصحابة ليسوا معصومين من الذنوب، فإنهم يمكن أن تقع منهم المعصية كما تقع من غيرهم، لكنهم أقرب الناس إلى المغفرة للأسباب الآتية:
1. تحقيق الإيمان والعمل الصالح.
2. السبق إلى الإسلام والفضيلة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون (1).
3. الأعمال الجليلة التي لم تحصل لغيرهم كغزوة بدر وبيعة
_________
(1) سبق تخريجه.
الرضوان.
4. التوبة من الذنب، فإن التوبة تجب ما قبلها.
5. الحسنات التي تمحو السيئات.
6. البلاء وهي المكارِه التي تصيب الإنسان؛ فإن البلاء يكفر الذنوب.
7. دعاء المؤمنين لهم.
8. شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم التي هم أحق الناس بها.
وعلى هذا فالذي ينكر من فعل بعضهم قليل منغمر في محاسنهم، لأنهم خير الخلق بعد الأنبياء وصفوة هذه الأمة التي هي خير الأمم، ما كان ولا يكون مثلهم.
الشهادة بالجنة والنار:
الشهادة بالجنة على نوعين: عامة وخاصة.
فالعامة أن نشهد لعموم المؤمنين بالجنة دون شخص بعينه، ودليلها قوله تعالى: (ان الَّذِينَ امَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا) (الكهف: 107).
والخاصة أن نشهد لشخص معين بالجنة، وهذا يتوقف على دليل من الكتاب والسنة، فمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم شهدنا
له مثل: العشرة (1) وثابت بن قيس بن شماس (2). وعكاشة ابن محصن (3). وغيرهم من الصحابة.
وكذلك الشهادة بالنار على نوعين: عامة وخاصة.
فالعامة أن نشهد على عموم الكفار بأنهم في النار، ودليلها قوله تعالى: (ان الَّذِينَ كَفَرُوا بِايَاتِنَا سَوْفَ نُصليهِمْ نَارا) (النساء: الاية56).
والخاصة أن نشهد لشخص معين بالنار، وهذا يتوقف على دليل من الكتاب والسنة، مثل أبى لهب وامرأته، ومثل أبى
_________
(1) أخرجه الإمام احمد (1/ 187) وأبو داوود (4649) والترمذي (3748) وابن ماجة (133) وابن حبان (7002) الإحسان، والحاكم (3/ 450) عن عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنهم. والمراد بالعشرة: الخلفاء الأربعة، وستة أخرى جمعهم بعضهم في قوله: سعيد وسعد وابن عوف وطلحة ... وعامر فهر والزبير الممدح
(2) رواه البخاري (3613) ومسلم (119) عن انس بن مالك رضي الله عنه.
(3) سبق تخريجه.
طالب (1). وعمرو بن لحي الخزاعي (2).
قول أهل السنة والجماعة في كرامات الأولياء:
قول أهل السنة في كرامات الأولياء أنها ثابتة واقعة، ودليلهم في ذلك ما ذكره الله في القرآن عن أصحاب الكهف وغيرهم، وما يشاهده الناس في كل زمان ومكان. وخالف فيها المعتزلة محتجين بأن إثباتها يوجب اشتباه الولي بالنبي، والساحر بالولي، والرد عليهم بأمرين:
1. أن الكرامة ثابتة بالشرع والمشاهدة فإنكارها مكابرة.
2. أن ما ادعوه من اشتباه الولي بالنبي غير صحيح، لأنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولأن النبي يقول إنه نبي فيؤيده الله بالمعجزة، والولي لا يقول إنه نبي.
وكذلك ما ادعوه من اشتباه الساحر بالولي غير صحيح؛ لأن الولي مؤمن تقي تأتيه الكرامة من الله بدون عمل لها ولا
_________
(1) أخرجه البخاري (3883) ومسلم (209) عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخاري (4624) ومسلم (901) عن عائشة رضي الله عنها.
يمكن معارضتها، أما الساحر فكافر منحرف يحصل له أثر سحره بما يتعاطاه من أسبابه، ويمكن أن يعارض بسحر آخر.
الولي ومعنى الكرامة:
الولي: كل مؤمن تقي، أي قائم بطاعة الله تعالى على الوجه المطلوب شرعا.
والكرامة: أمر خارق للعادة يظهره الله تعالى على يد ولي من أوليائه تكريما له أو نصرةً لدين الله.
وفوائدها:
1. بيان قدرة الله.
2. نصرة الدين أو تكريم الولي.
3. زيادة الإيمان والتثبيت للولي الذي ظهرت على يده وغيره.
4. أنها من البشرى لذلك الولي.
5. أنها معجزة للرسول الذي تمسك الولي بدينه، لأنها كالشهادة للولي بأنه على حق.
والفرق بينها وبين المعجزة أنها تحصل للولي، والمعجزة تحصل للنبي.
والكرامة نوعان:
1. في العلوم والمكاشفات: بأن يحصل للولي من العلم ما لا يحصل لغيره، أو يكشف له من الأمور الغائبة عنه ما لا يكشف لغيره، كما حصل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين كشف له وهو يخطب في المدينة عن إحدى السرايا المحصورة في العراق، فقال لقائدها واسمه سارية بن زنيم: الجبل يا سارية. فسمعه القائد فاعتصم بالجبل.
2. في القدرة والتأثير: بأن يحصل للولي من القدرة والتأثيرات ما لا يحصل لغيره، كما وقع للعلاء بن الحضرمي حين عبر البحر يمشي على متن الماء.
طريقة أهل السنة والجماعة في سيرتهم وعلمهم:
طريقتهم في ذلك:
أولا: إتباع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، وآثار الأولين السابقين من المهاجرين والأنصار، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ... ) (1).
_________
(1) أخرجه الإمام احمد (4/ 126) وأبو داوود كتاب السنة باب في لزوم السنة رقم (4607) والترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع رقم (2676) وابن ماجة المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين رقم (42 - 43) وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
الحديث. والخلفاء الراشدون هم الذين خلفوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمته في العلم والإيمان والدعوة إلى الحق، وأولى الناس بهذا الوصف الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
ثانيا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة.
والمعروف: ما عرف حسنه شرعاً، والمنكر: ما عُرف قبحه شرعاً، فما به أمر الشارع فهو معروف، وما نهى عنه فهو منكر.
وللأمر بالمعروف شروط:
ا - أن يكون المتولي لذلك عالما بالمعروف وبالمنكر.
ب - ألا يخاف ضررا ً على نفسه.
ج - ألا يترتب على ذلك مفسدة أكبر.
ثالثاً: النصح لولاة الأمور وإقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد معهم، أبرارا كانوا أو فجارا والتزام السمع والطاعة لهم ما لم يأمروا بمعصية الله.
رابعاً: النصح لجميع الأمة وبث المحبة والألفة والتعاون بين المسلمين. مطبقين في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) (1). وقوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) (2).
خامساً: الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، كالصدق والبر والإحسان إلى الخلق، والشكر عند النعم، والصبر على البلاء، وحسن الجوار والصحبة، وغير ذلك من
_________
(1) أخرجه البخاري كتاب الأدب باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضاً رقم (6026) ومسلم كتاب البر والصلة باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم رقم (2585).
(2) أخرجه البخاري كتاب الأدب باب رحمة الناس والبهائم رقم (6011) ومسلم كتاب البر والصلة باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم رقم (2586).
الأخلاق المحمودة شرعاً وعرفاً.
سادساً: النهي عن مساوئ الأخلاق، كالكذب والعقوق والإساءة إلى الخلق، والتسخط من القضاء، والكفر بالنعمة، والإساءة إلى الجيران والأصحاب، وغير ذلك من الأخلاق المذمومة شرعا أو عرفا.
الأمور التي يزن بها أهل السنة والجماعة ما كان عليه الناس من العقائد والأعمال والأخلاق
الأمور التي يزن بها أهل السنة والجماعة ذلك هي الكتاب والسنة والإجماع، فالكتاب هو القرآن، والسنة قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وإقراره، والإجماع هو اتفاق العلماء المجتهدين من هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي.
والإجماع الذي ينضبط ما كان عليه السلف الصالح؛ إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة. ولم يذكر المؤلف القياس؛ لأن مرده إلى هذه الأصول الثلاثة.
الصديقون والشهداء والصالحون والأبدال:
الصديقون هم: الصادقون باعتقادهم وقولهم وعملهم
والمصدقون بالحق.
والشهداء هم: الذين قتلوا في سبيل الله، وقيل: العلماء.
والصالحون هم: الذين صلحت قلوبهم وجوارحهم بما قاموا به من الأعمال الصالحة.
والأبدال هم: الذين يخلف بعضهم بعضا في نصر الدين والدفاع عنه، كلما ذهب منهم واحد خلفه آخر بدله. وكل هؤلاء الأصناف الأربعة موجودون في أهل السنة والجماعة.
الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة وما المراد بقيامها؟:
الطائفة المنصورة هم أهل السنة والجماعة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله) (1). وفي
_________
(1) رواه البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ... ). رقم (7311) ومسلم كتاب الجهاد باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين) رقم (1921) بلفظ ظاهرين بدل منصورة.
رواية: (حتى تقوم الساعة) (1). والمراد بقيام الساعة قرب قيامها، وإنما أولناه بذلك لأجل أن يصح الجمع بينه وبين حديث: (أن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء) (2).
وأهل السنة والجماعة هم خيار الخلق بعد الأنبياء، فلا يمكن أن تدركهم الساعة.
فنسأل الله أن يجعلنا منهم، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.
_________
(1) رواه مسلم كتاب الجهاد رقم (1922) عن جابر رضي الله عنه.
(2) أخرجه احمد (1/ 405) وابن خزيمة (789) وابن حبان (340)، وابن أبى شيبة (3/ 345). وقال شيخ الإسلام في الاقتضاء إسناده جيد.
الكتاب: مذكرة على العقيدة الواسطية
المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)
الناشر: مدار الوطن للنشر - الرياض
عام النشر: 1426 هـ
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي]