الحديث الثاني حديث أبي أمامة: مَن شفع لأخيه شفاعةً، فأهدى له هديةً فقبلها، فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الرِّبا رواه أحمد وأبو داود، وفي إسناده مقال.هذا الحديث يدل على أنه لا يجوز الاعتياض عن الشَّفاعة، فالشفاعة تكون لله، من باب التَّعاون على البرِّ والتَّقوى، من باب الإحسان، فلا ينبغي للعبد أن يعتاض عنها شيئًا، فهي من أخلاق المسلمين، ومن صفاتهم الحميدة، ومن التَّعاون على البرِّ والتقوى، فلا يليق أن يُؤخذ في مقابلها شيء.فإذا شفع لأخيه على أن يُواسى فقره، أو يُعان من ضريبةٍ، أو يُقضى دَينه، أو شفع له في أمورٍ أخرى مما أباح الله، ثم أهدى له هذا المشفوع له، فلا ينبغي له أن يقبل ذلك؛ لأنها تكون معاوضات، ويُفضي ذلك إلى الشَّفاعة الباطلة، وإلى الشَّفاعة بغير حقٍّ، فلا ينبغي ذلك، بل ينبغي أن يكون المؤمنُ حريصًا على نيل الأجر، وابتغاء مرضات الله، وبذل جاهه فيما ينفع المسلمين، من دون حاجةٍ إلى أخذ المال.وقوله: "في إسناده مقال" لأنه من رواية القاسم بن عبدالرحمن الدمشقي، عن أبي أمامة. وفيه كلام؛ فبعض أهل العلم ضعَّفه، ويُروى عن أحمد رحمه الله أنه ضعَّفه وقال: إنه لا يرى إلا أنَّ ما وقع من أغلاطٍ في روايته أنه منه.والصواب أنه ليست الآفةُ منه، وإنما الآفةُ ممن يروي عن علي بن يزيد الألهاني؛ فإنه ضعيف جدًّا لا يُعول عليه، ويأتي بأشياء غرائب عن القاسم هذا، والعلة منه، والآفة منه، لا من القاسم.وهذا الحديث ليس من رواية علي بن يزيد، ولكنه من رواية خالد بن أبي عمران الفقيه الصدوق، فالحديث لا بأس به على الراجح، والمقال مرتفع بالنظر إلى أنَّ الراوي عن القاسم جيد، والقاسم على الأصح جيد، فتكون الرواية حينئذٍ مُستقيمةً؛ لسلامتها من الرواة الضُّعفاء عن القاسم، والقاسم الأرجح فيه أنه جيد إذا روى عنه الثقة، فالحديث يدل على تحريم قبول الهدايا بالشَّفاعة، وأنَّ المؤمن يشفع لله؛ لابتغاء مرضاة الله، ولا يشفع لأجل المال والطَّمع.
https://binbaz.org.sa/audios/265/31-...AA%D8%B4%D9%8A