918 - " أخروهن من حيث أخرهن الله . يعني النساء " .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
لا أصل له مرفوعا .
وقد أشار إلى ذلك الحافظ الزيلعي في " نصب الراية " ( 2 / 36 ) بقوله : " حديث غريب مرفوعا . وهو في " مصنف عبد الرزاق " (1) موقوف على ابن مسعود فقال : أخبرنا سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن ابن مسعود قال : كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعا ، فكانت المرأة ( لها الخليل ) تلبس القالبين فتقوم عليهما ، تقول بهما لخليلها ، فألقي عليهن الحيض ، فكان ابن مسعود يقول : أخروهن من حيث أخرهن الله . قيل : فما القالبان ؟ قال : أرجل من خشب يتخذها النساء يتشرفن الرجال في المساجد ، ومن
طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في ( معجمه ) " .
قلت : ورواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 36 / 2 ) من طريق زائدة أيضا عن الأعمش به ، إلا أنه لم يذكر أبا معمر في سنده . ثم ذكر الزيلعي أن بعض الجهال ( كذا ) من فقهاء الحنفية كان يعزوه إلى " مسند رزين " و" دلائل النبوة " للبيهقي . قال : " وقد تتبعته فلم أجده فيه لا مرفوعا ولا موقوفا " . وأفحش من هذا الخطأ أن بعضهم عزاه للصحيحين كما نبه عليه الزركشي ، ونقله السخاوي ( 41 ) وغيره عنه ، ونقل الشيخ علي القاريء في " الموضوعات " عن ابن الهمام أنه قال في شرح الهداية " : لا يثبت رفعه ، فضلا عن شهرته ، والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود كما في " كشف الخفاء " ( 1 / 67 ) . قلت : والموقوف صحيح الإسناد ، ولكن لا يحتج به لوقفه ، والظاهر أن القصة من الإسرائيليات .
ومن العجائب أن الحنفية أقاموا على هذا الحديث مسألة فقهية خالفوا فيها جماهير العلماء ، فقالوا : إن المرأة إذا وقفت بجانب الرجل أو تقدمت عليه في الصلاة أفسدت عليه صلاته ، وأما المرأة فصلاتها صحيحة ، مع أنها هي المعتدية ! بل ذهب بعضهم إلى إبطال الصلاة ولوكانت على السدة فوقه محاذية له ! وقد استدلوا على ذلك بالأمر في هذا الحديث بتأخيرهن ، ولا يدل على ما ذهبوا إليه البتة ، وذلك من وجوه : أولا : أن الحديث موقوف فلا حجة فيه كما سبق . ثانيا : أن الأمر وإن كان يفيد الوجوب فهو لا يقتضي فساد الصلاة ، بل الإثم كما سيأتي عن الحافظ . ثالثا : أنه لو اقتضى فساد الصلاة فإنما ذلك إذا خالف الرجل الأمر ولم يؤخر المرأة أولم يتقدم عليها ، أما إذا دخل في الصلاة ثم اعتدت المرأة ووقفت بجانبه ، أو تقدمت عليه ، فلا يدل على بطلان صلاته بوجه من الوجوه ، بل لوقيل ببطلان صلاة المرأة في هذه الحالة لم يبعد ، لوكان صح رفع الحديث ، ومع ذلك فهم لا يقولون ببطلان صلاتها ! وهذا من غرائب أقوال الحنفية التي لا يشهد لصحتها أثر ولا نظر ! نعم من السنة أن تتأخر المرأة في الصلاة عن الرجال كما روى البخاري وغيره عن أنس بن مالك قال : " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أم سليم خلفنا " . قال الحافظ في " شرحه " ( 2 / 177 ) : " وفيه أن المرأة لا تصف مع الرجل ، وأصله ما يخشى من الافتتان بها ، فإذا خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور .
وعن الحنفية : تفسد صلاة الرجل دون المرأة ، وهو عجيب ، وفي توجيهه تعسف ، حيث قال قائلهم ، دليله قول ابن مسعود هذا ، والأمر للوجوب ، وحيث ظرف مكان ، ولا مكان يجب تأخرهن فيه إلا مكان الصلاة ، فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل ، لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها ! وحكاية هذا تغني عن تكلف جوابه .
والله المستعان ، فقد ثبت النهي عن الصلاة في الثوب المغصوب ، وأمر لابسه أن ينزعه ، فلو خالف فصلى فيه ولم ينزعه أثم وأجزأته صلاته ، فلم لا يقال في الرجل الذي حاذته المرأة ذلك ، وأوضح منه لو كان لباب المسجد صفة مملوكة فصلى فيها شخص بغير إذنه مع اقتداره على أن ينتقل عنها إلى أرض المسجد بخطوة واحدة صحت صلاته وأثم ، وكذلك الرجل مع المرأة التي حاذته ، ولاسيما إن جاءت بعد أن دخل في الصلاة فصلت بجنبه " .
__________
(1) ( ج 3 / 149 رقم 5115 - طبع المكتب الإسلامي ) ، والزيادة منه ، مع تصحيح بعض الألفاظ . اهـ .
958 - " كان لا يمس من وجهي شيئا وأنا صائمة ، قالته عائشة " .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر .
رواه ابن حبان في صحيحه ( 904 ) : أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع حدثنا عثمان بن أبي ( شيبة : حدثنا وكيع عن ) (1) زكريا بن أبي زائدة عن العباس بن ذريح عن الشعبي عن محمد بن الأشعث عن عائشة قالت : فذكره مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه الإمام أحمد ( 6 / 162 ) فقال : حدثنا وكيع عن زكريا به ... مثله ، يعني مثل حديث ساقه قبله فقال : حدثنا يحيى بن زكريا حدثني أبي عن صالح الأسدي عن الشعبي عن محمد بن الأشعث ابن قيس عن عائشة أم المؤمنين قالت : " ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتنع من شيء من وجهي وهو صائم " . قلت : وفي هذا السياق مخالفتان : الأولى في السند ، والأخرى في المتن .
أما المخالفة في السند ، فهي أنه جعل مكان العباس بن ذريح ، صالحا الأسدي ، وهو صالح بن أبي صالح الأسدي ، وهو مجهول كما يشير إلى ذلك الذهبي بقوله : " تفرد عنه زكريا بن أبي زائدة " .
وقد قيل : عنه عن محمد بن الأشعث عن عائشة بإسقاط الشعبي من بينهما ، أخرجه النسائي وقال : " إنه خطأ ، والصواب الأول " كما في " تهذيب التهذيب " . وأخرجه النسائي في " العشرة " من " الكبرى " ( ق 84 / 1 ) من طريق زياد بن أيوب قال حدثنا ابن أبي زائدة قال : أخبرني أبي صالح الأسدي عن الشعبي به ، فهذا يرجح رواية أحمد عن وكيع ، ويدل على أن رواية ابن حبان شاذة .
ثم رأيتها في " مصنف ابن أبي شيبة " ( 3 / 60 ) عن وكيع مثل رواية أحمد . وأما الاختلاف في المتن فظاهر بأدنى تأمل ، وذلك أن يحيى بن زكريا ، جعل المتن نفي امتناعه صلى الله عليه وسلم من تقبيل وجه عائشة وهو صائم ، بينما جعله وكيع - في رواية ابن حبان - نفي تقبيله صلى الله عليه وسلم لها وهي صائمة ! فإذا كان لفظ رواية وكيع عند أحمد ، مثل لفظ رواية يحيى بن زكريا كما يدل عليه إحالة أحمد عليه بقوله : " مثله " كما سبقت الإشارة إليه ، إذا كان الأمر كذلك كانت رواية وكيع عند ابن حبان شاذة لمخالفتها ، لروايته عند أحمد ورواية يحيى بن زكريا ، ويؤكد هذا موافقة لفظ زياد بن أيوب عند النسائي للفظ أحمد . وسواء كان الأمر كما ذكرنا أولم يكن ، فإننا نقطع بأن هذه الرواية شاذة بل منكرة ، لمخالفتها للحديث الثابت بالسند الصحيح عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهما صائمان ، فقال الإمام أحمد ( 6 / 162 ) : حدثنا يحيى بن زكريا قال : أخبرني أبي عن سعد بن إبراهيم عن رجل من قريش من بني تميم يقال له طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت : " تناولني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : إني صائمة ، فقال : وأنا صائم " . وهذا سند صحيح ، و قد رواه جماعة من الثقات عن سعد بن إبراهيم به نحوه كما بينته في " الأحاديث الصحيحة " فانظر " كان يقبلني ... " ( رقم 219 ) . وعلة حديث الترجمة إنما هي تفرد محمد بن الأشعث بهما ، وهن في عداد مجهولي الحال . فقد أورده البخاري في " التاريخ الكبير " ( 1 / 1 / 16 ) وابن أبي حاتم ( 3 / 2 / 206 ) ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا ، نعم ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 3 / 231 ) وروى عنه جمع من الثقات ، فمثله حسن الحديث عندي إذا لم يخالف ، ولكن لما كان قد تفرد بهذا الحديث وخالف فيه الثقة وهو طلحة بن عبد الله بن عثمان القرشي الذي أثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل عائشة وهي صائمة ، كان الحديث بسبب هذه المخالفة شاذا بل منكرا وقد اتق الشيخان على إخراج حديثها بلفظ : " كان يقبل وهو صائم " وليس فيه بيان أنها كانت صائمة أيضا كما في حديث القرشي عنها وقد خفي هذا على بعض أهل العلم ، كما خفي عليه حال هذا الحديث المنكر ، فقال الصنعاني في " سبل السلام " ( 2 / 218 ) : " تنبيه " : قولها : " وهو صائم " لا يدل على أنه قبلها وهي صائمة فقد أخرج ابن حبان بإسناده ( عنها ) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يمس وجهها وهي صائمة ، وقال : ليس بين الخبرين تضاد ، إنه كان يملك إربه ، ونبه بفعله ذلك على جواز هذا الفعل لمن هو بمثابة حاله ، وترك استعماله إذا كانت المرأة صائمة ، علما منه بما ركب في النساء من الضعف عند الأشياء التي ترد عليهن ، انتهى " .
فقد فات ابن حبان حديث القرشي المشار إليه ، وتبعه عليه الصنعاني ، وذهل هذا عن علة حديث ابن حبان ! وتبعه على ذلك الشوكاني ( 4 / 180 ) .
ولكن هذا لم يفته حديث القرشي ، بل ذكره من طريق النسائي ، فالعجب منه كيف ذكر الحديثين دون أن يذكر التوفيق بينهما ، والراجح من المرجوح منهما . فهذا هو الذي حملني على تحرير القول في نكارة هذا الحديث ، والله ولي التوفيق . ثم إني لما رأيت الحديث في " المصنف " ووجدت متنه بلفظ : " كان لا يمتنع من وجهي وأنا صائمة " ، تيقنت شذوذ لفظ ابن حبان ، كما تبينت أنه لا علاقة لابن الأشعث به ، وإنما هو من ابن حبان نفسه أو من شيخه عمران ، والله أعلم .
__________
(1) سقطت هذه الزيادة من النسخة المطبوعة ، فاستدركتها من أصلها المخطوط المحفوظ في المكتبة المحمودية في المدينة المنورة ( ق 68 / 1 ) بعد أن ضيعت وقتا كثيرا في معرفة عثمان بناء على ما وقع في المطبوعة ! وأما فهرس الخطأ فيها ، فقد جاء التصويب فيه خطأ أيضا ! . اهـ .