عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 09-07-2006, 10:58 AM   #1
معلومات العضو
د.عبدالله
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي &( من الفضائل القرآنية ... التواضع لله )&

د. عبد الكريم صقر


كلمة التواضع مأخوذة من مادة “وضع” وهي تدل على خفض الشيء والتواضع في عرف علماء الأخلاق هو لين الجانب والبعد عن الاغترار بالنفس فكأن المتواضع قد كلف نفسه أن يضعها دون منزلتها التي تستحقها ويهضمها حقها ويجنبها الاغترار بذاتها، ولذلك قالوا: إن التواضع هو اللين مع الخلق والخضوع للحق وخفض الجناح. وقال مظفر القرميسيني الصوفي: “التواضع” قبول الحق ممن كان وذلك بالخضوع له والانقياد إليه ولو كان من صغير أو جاهل. ولم ترد كلمة التواضع بلفظها في القرآن الكريم ولكن وردت كلمات تشير إليها وتدل عليها وبذلك يجدر أن نعد التواضع خلقاً من أخلاق القرآن الكريم، فالله تبارك وتعالى يقول في سورة الفرقان: “وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً” أي يمشون على الأرض هينين ويمشون مشياً هيناً لأن الهون (بفتح فسكون) هو الرفق والسهولة والحديث يقول “أحب حبيبك هوناً ما” ويقال: المؤمنون هيّنون لينون، ويقال: هان الأمر على فلان أي سهل وفي القرآن “هو عليّ هين” وفيه “وهو أهون عليه” فقال تعالى عن الأخيار من عباده “يمشون على الأرض هوناً” أي يمشون متواضعين بسكينة ولين ووقار وإذا كان الهون (بفتح فسكون) هو اللين والرفق فإن الهون (بضهم الهاء) هو الهوان على وجهين: الأول تذلل الإنسان في نفسه باختياره فيما لا يعيبه وهذا من شأن المؤمنين والآخر أن يكون من جهة متسلط مستخف به وهذا من شأن الحقراء كما في قوله تعالى: “فاليوم تجزون عذاب الهون”.

عاقبة التكبر

والتواضع ضده التكبر، سواء أكان التكبر بالعلم أم بالقوة أم بالعبادة أم بالنسب أم بالمركز أم بالجمال أم بالمال أم بالشهرة أم بكثرة الأتباع أم بغير ذلك، وإذا كان القرآن قد حمد التواضع ووصف أهله بالخير فإنه قد حمل على التكبر وأهله فقال في سورة الأعراف: “سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين” وكذلك حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على التكبر وأهله حملة زاجرة مؤدبة فقال: “لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في ديوان الجبارين” أي قوائمهم وسجلهم والمراد أنه يكون منهم ويحشر معهم ويصيبه العذاب مثلهم. “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر” وهذا على سبيل التهديد والوعيد، ويقول الله عز وجل: “العزة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني عذبته” ولا يتحقق التواضع في نفس الإنسان، يقتضي إلا إذا أزهق دوافع الزهو والخيلاء والكبرياء والعجرفة في نفسه وليس معنى هذا أن التواضع يفتح أمام الإنسان باب المذلة والهوان بل على العكس من ذلك فالتواضع وهو خلق محمود عند الله وعند العقلاء البصراء من الناس، يقتضي أن يحفظ الإنسان حق غيره حتى ولو كان عدواً ومخالفاً في الدين وأن يقبل عذر المعتذر وأن يفيء الى الحق والعدالة مهما كانت الجهة التي جاء منها ذلك الحق ويكون فاهماً لنفسه حتى يمكنه فهم الآخرين.

المثل الأعلى

ثم يلي ذلك تواضع الإنسان فيما بينه وبين نفسه فلا يرى في نفسه لنفسه ما يفتح عليها أبواب الاغترار والتكبر بل يردعها فلا تختال ولا تميل، والتواضع خلق يرتفع في ميزان القرآن حتى يجعله حلية الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين، وحينما وصف القرآن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بالرأفة والرحمة والحرص على خير الناس أراد أن يشعرنا بأنه المثل الأعلى في التواضع وها هو ذا رب العزة يخاطب نبي الرحمة في سورة آل عمران بقوله: “فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين” والتواضع إنما يصدق إذا كان عن قدرة أما إذا رغب الإنسان أو رهب أو خاف من شخص فذل له وانكسر معه فليس ذلك من التواضع في شيء. ويصدق التواضع من الكبير مع الصغير ومن القوي مع الضعيف ومن العالم مع الجاهل ومن الغني مع الفقير ومن الرئيس مع المرؤوس الى غير ذلك. وقد يظن بعض الناس أن التواضع معناه الإهمال في نظافة اليدين والثياب أو الأدوات أو إهمال العناية بمظهر الإنسان وشكله وليس لهذا الظن نصيب من الحق لأن الله تبارك وتعالى قال “يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله جميل يحب الجمال” وقد يكون الإنسان طهوراً في بدنه وثيابه أنيقاً في شكله ومظهره متمتعاً بالطيبات في حياته ومع ذلك يكون متواضعاً.

لا إسراف ولا مذلة

والتواضع يجب أن يكون بمقدار، فإذا أسرف الإنسان في تواضعه فإنه يضع نفسه موضع السخرية أو سوء الظن، وإذا كنا نرى من واجبنا أن نحترم الرجل العظيم مرتين، مرة لعظمته ومرة لتواضعه فإن المسرف في التواضع يحملنا على الاستهزاء به. والمحمود أن يتواضع الإنسان في غير مذلة والمحمود عند الله العدل وهو أن يعطي كل ذي حق حقه وينال المتواضع عفو الله ورحمته ونعمته ولذلك يقول يوسف بن الحسين الرازي: “الخير كله في بيت ومفتاحه التواضع والشر كله في بيت ومفتاحه التكبر” ومما يدل على ذلك أن آدم عليه السلام تواضع في ذنبه فنال العفو والكرم وأن إبليس تكبر فلم ينفعه شيء”. فعلى الإنسان أن يتذكر من أي شيء خُلِق “من نطفة خلقه فقدّره ثم السبيل يسّره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره” فالإنسان في أول أمره لم يكن شيئاً مذكوراً وهو في النهاية يصير شيئاً معدوماً وأي شيء أخس من المحو والعدم؟ ولقد كان أيضاً معدوماً قبل إيجاده ثم منّ الله عليه بالطاقات والهبات ولو شاء لنزعها منه. فكيف يجوز له أن يتكبر أو يتجبر؟ وبصدق التفكر والتدبر في هذا يفتح الإنسان في قلبه ينبوع التواضع لله ولخلقه فعلينا ألا نتكبر على عباد الله ونسأل الله أن يجملنا بالتواضع وأن يباعد بيننا وبين التكبر إنه ولي المتواضعين المخلصين.

منقول ...

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة