عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 10-04-2014, 05:55 PM   #17
معلومات العضو
RachidYamouni
التصفية والتربية

افتراضي






فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين :

الأمر الأول : دلالة الكتاب والسنة على أن هذا مكفر لئلا يفتري على الله الكذب .

الثاني : انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه،
وتنتفي الموانع .

ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله تعالى :
** ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ** سورة النساء 115

فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له .

ولكن هل يشترط أن يكون عالماً بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره أو يكفي أن يكون عالماً بالمخالفة وإن كان جاهلاً بما يترتب عليها ؟

الجواب : الثاني، أي إن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه لأن النبي،
صلى الله عليه وسلم،
أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة ،

ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلاً بما يترتب على زناه،
وربما لو كان عالماً ما زنى .

ومن الموانع من التكفير أن يكره على المكفر لقوله تعالى : ** من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم **
سورة النحل 106

ومن الموانع أن يغلق عليه فكره وقصده
بحيث لا يدري ما يقول لشدة فرح، أو حزن،
أو غضب، أو خوف ونحو ذلك .

لقوله تعالى :
** وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً **
سورة الأحزاب 5

وفي صحيح مسلم 2104
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال :

( لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها،

فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته،
فبينما هو كذلك إذا بها قائمة عنده،
فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح :
اللهم أنت عبدي، وأنا ربك،
أخطأ من شدة الفرح ) .

ومن الموانع أيضاً أن يكون له شبهة تأويل في الكفر بحيث يظن أنه على حق، لأن هذا لم يتعمد الإثم والمخالفة فيكون داخلاً في قوله تعالى :

** وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ** سورة الأحزاب 5

ولأن هذا غاية جهده فيكون داخلاً في
قوله تعالى : ** لا يكلف الله نفساً إلا وسعها **سورة البقرة 286

قال في المغني 8 / 131 :
« وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك يعني يكون كافراً

وإن كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم،
وفعلهم ذلك متقربين به إلى الله تعالى

إلى أن قال :
وقد عرف من مذهب الخوارج تكفير كثير من الصحابة ومن بعدهم واستحلال دمائهم، وأموالهم،

واعتقادهم التقرب بقتلهم إلى ربهم،

ومع هذا لم يحكم الفقهاء بكفرهم لتأويلهم،
وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل
مثل هذا » .

وفي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13 / 30 مجموع ابن القاسم : « و بدعة الخوارج إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه ، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب »

وفي ص 210 منه : « فإن الخوارج خالفوا السنة التي أمر القرآن باتباعها وكفروا المؤمنين الذين أمر القرآن بموالاتهم ..

وصاروا يتبعون المتشابه من القرآن فيتأولونه على غير تأويله من غير معرفة منهم بمعناه ولا رسوخ في العلم ، ولا اتباع للسنة، ولا مراجعة لجماعة المسلمين الذين يفهمون القرآن » .

وقال أيضاً 28 / 518
من المجموع المذكور : « فإن الأئمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم، وإنما تنازعوا في تكفيرهم على قولين مشهورين »

لكنه ذكر في 7 / 217
« أنه لم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيره، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع » .

وفي 28 / 518 « أن هذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره » .

وفي 3 / 282 قال : « والخوارج المارقون الذين أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين ، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم،

ولم يكفرهم علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهما من الصحابة،

بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم،

ولم يقاتلهم على حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم، لا لأنهم كفار.

ولهذا لم يسب حريمهم، ولم يغنم أموالهم،

وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص، والإجماع، لم يكفروا مع أمر الله ورسوله،
صلى الله عليه وسلم،
بقتالهم فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم، فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن يكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها،
وإن كانت فيها بدعة محققة،
فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضاً،
وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنهم جميعاً جهال بحقائق ما يختلفون فيه » .

إلى إن قال : « وإذا كان المسلم متأولاً في القتال، أو التكفير لم يكفر بذلك »

إلى أن قال في ص 288 :
« وقد اختلف العلماء في خطاب الله ورسوله هل يثبت حكمه في حق العبيد قبل البلاغ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره ..

والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله تعالى :

** وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ** .

وقوله : ** رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ** .

وفي الصحيحين عن النبي،
صلى الله عليه وسلم : ( ما أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ) .

_ البخاري : كتاب التوحيد : باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا شخص أغير من الله )، ومسلم : كتاب اللعان .


والحاصل أن الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفراً، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقاً، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة، والاعتبار، وأقوال أهل العلم .


_ مجموع الفتاوى ( م 7 ص ج 42 - 46 )


___________







    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة