عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 02-01-2013, 10:12 AM   #12
معلومات العضو
فاديا
القلم الماسي
 
الصورة الرمزية فاديا
 

 

افتراضي

رابعا

ظلم الأبناء للآباء


لقد أمرنا الإسلام بصلة الرحم وعدم قطعها، ففي صحيح مسلم عن عائشة يقول : ((الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله))، وأعلى مرتبة في الأرحام هم الآباء والأمهات الذين في رضاهم رضا الله وفي سخطهم سخط الله، يقول في الحديث الذي أخرجه الطبراني عن ابن عمرو: ((رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما))، فهل نجهل هذا ونحتاج إلى من يذكرنا به؟!
الحقيقة أنه كان من المفروض أن يكون الإنسان بارّا بمن كانا سببًا في وجوده، وكانا راعيَيْن له وهو في أضعف حالاته العقلية والبدنية كما ترعى الطير فِراخها، يحميانه من كل خطر أو مكروه، ولكن الإنسان يطغى وينسى ويتكبر ويتجبر حتى تصل به الوقاحة إلى ضرب البطن التي تخبط فيها واليد التي هدهدته؛ لهذا فقد أكثر الله سبحانه ورسوله من وصية الولد بوالديه، أما الوالدان فإنهما لا يحتاجان إلى الوصية بولدهما لأنهما بدون وصية يمرضان من أجله ويجوعان من أجله بل ويموتان من أجله.
يقول سبحانه ناهيا عن الإساءة إلى الوالدين: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا[الإسراء: 23]، لقد ذكر سبحانه أدنى الأمور لكي نتجنب تلقائيا ما هو أعلى منها، فـ(أف) كلمة تأفّف تتكون من حرفين هي ممنوعة في حق الوالدين، والانتهار ممنوع أيضا بأي صورة وعلى أي شكل؛ لهذا عرف سلفنا الصالح حدود العقوق فوقفوا عندها ولم يتعدوها طلبا لما عند الله من فضل وهربا من سخط الله وعذابه. أخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد قال: قلت للحسن: إلى ما ينتهي العقوق؟ قال: أن تحرمهما وتهجرهما وتحدّ النظر إليهما. وأورد أبو نعيم في حلية الأولياء عن بعض آل سيرين قال: ما رأيت محمد بن سيرين يكلم أمه قط إلا وهو يتضرع، وعن ابن عون أنه نادته أمه فأجابها، فَعَلا صوته صوتَها فأعتق رقبتين، وهذا أبو الحسن علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهم كان من سادات التابعين، وكان كثير البر بأمه حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك ولسنا نراك تأكل معها في صحفة! فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون قد عققتها. هذه هي نظرة الصالحين للوالدين، وهذا هو خوفهم من ظلم الوالدين وعقوقهما.
الإساءة للوالدين ـ أيها الناس ـ يكفينا فيها إن كنا نريد معرفة عظمتها عند الله وشدة خطرها قول رسول الله في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أنس: ((أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وشهادة الزور)).
عقوق الوالدين ـ يا من تجهله، يا من تستهين به ـ جاء بعد الإشراك بالله وقتل النفس، فارحم نفسك يرحمك الله، واعلم أنه ليس الظلم أو الأذى المباشر للوالدين بأي شكل من الأشكال هو وحده من الكبائر، بل إن من الكبائر أن تتسبب في إلحاق الأذى بوالديك، فسبّ الوالدين كبيرة لأنه عقوق، وكذلك إذا تسبّبت في سبّ والديك وشتمهما فاحذر، يقول فيما أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: ((إن من أكبر الكبائر أن يسبّ الرجل والديه))، فقال الصحابة: وهل يشتم الرجل والديه؟! قال: ((نعم، يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)).
ونظرًا إلى أن المضيع لرضا الوالدين مضيع لخير كبير ومعرِض عن رحماتٍ منشورة من رب العالمين فقد أخبر رسول الله أو دعا بالخسران على من لم يدخل الجنة بوالديه لعقوق أو لغيره، يقول فيما أخرجه مسلم عن أبي هريرة: ((رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه))، قيل: من يا رسول الله؟ قال: ((من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة))، فما أخسرك يا من ضيعت برك بوالديك فضيعت الجنة، وما أخسرك يا من لا زلت تضيّع هذه الفرصة العظيمة.
بل تصل فداحة ذنب العاق أن الله سبحانه لا ينظر إليه يوم القيامة، وهذا يعني أنه سيعذبه عذابا أليمًا والعياذ بالله، يقول : ((ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة)) وذكر منهم العاق لوالديه.
فإذا لم نتعظ بكل هذه العقوبات الأخروية فلعلنا نتعظ بالعقوبات الدنيوية؛ لأن ظلم الوالدين وعقوقهما من الذنوب التي تعجل عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة، فانتبه يا من سُدت في وجهك السبل، وانتبه يا من ضاق عليك الرزق، وانتبه يا من أصيب بمشاكل عائلية، وانتبه يا من ابتلي بزوجة متسلطة أو ذرية غير صالحة، فليتنبه كل مهموم ومغموم وبائس، وليتفقد حاله مع والديه، ولينظر إلى علاقته بهما، فإن كان عاقًا ظالمًا لهما فلا يطمع في راحة نفس ولا تيسير أمور؛ لأن عقوبة عقوقه تعجل له في الدنيا، يقول كما في صحيح الجامع من حديث أنس: ((بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق))، بل تكون هذه العقوبة الدنيوية لمن عق والديه من نفس جنس معصيته، تكون عقوبته بأن يعقه أبناؤه هو أيضا، وهذا نراه كثيرا، فالكثير ممن كانوا عاقين لآبائهم وأمهاتهم ابتلاهم الله بأبناء يعقونهم، ولولا أن يقال: إننا نرجم بالغيب لقلنا: إن كل عاق لا بد أن تسْودّ معيشته عاجلا أم آجلا إن لم يتب ويتصدق ويدعو لوالديه ويطلب الغفران من الله لإساءته في حقهما.
ومع كل هذا لا زلنا ـ عباد الله ـ نسمع قصصا وأحداثا في حق الوالدين تصل إلى حدود لا يتصورها مسلم، لا زلنا نسمع عن طرد الوالدين، لا زلنا نسمع عن حبس الوالدين في غرفة أو في بيت دون رعاية أو حنان يرمى لهم الطعام كما يرمى للكلاب، لا زلنا نسمع عن ضرب الوالدين، نعم ضرب الوالدين، هذه اليد التي نبتت من حليب الأم وشقاء الأب، هذه اليد التي طالما قبلتها الأم وطالما لعقها الأب وداعبها، هذه اليد يرفعها الابن في يوم من الأيام ليصفع بها الأب أو يدفع بها الأم، قُطعت هذه اليد قبل أن تهين من أنجبها، شلت هذه اليمين قبل أن ترفع في وجه من رباها، إنها مصائب وطوام وكوارث نعيشها ونسمعها والله المستعان، ولكن على من يفعل هذا أن يستعدّ لجني الثمار المُرة والعواقب الوخيمة لهذا الظلم في الدنيا والآخرة، وعليه أن يحذر من دعوات الوالدين المظلومين الذين لا تردّ دعوتهما، وعليه أن يعرف أن شكر الوالدين من شكر الله سبحانه، يقول ابن عباس كما في كتاب الكبائر للذهبي: (ثَلاثُ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَقْرُونَةً بِثَلاثِ آيَاتٍ، لا يُقْبَلُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِغَيْرِ قَرِينَتِهَا، أوّلها: أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ،‏ فَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ لا تُقْبَلُ مِنْهُ الصَّلاةُ، وَالثَّانِية: قَوْلُهُ تَعَالَى: ‏أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ‏َ،‏ فَمَنْ شَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ يَشْكُرْ وَالِدَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَالثَّالِثُة: قوله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَلَمْ يُطِعِ الرَّسُولَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ).

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة