تصحيح مسارات الرقية الشرعية
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
[ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ]
[ آل عمران: 102]
[ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ]
[النساء: 1] .
[ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ].
[الأحزاب: 70، 71]
مقدمة
هذه جملة من الأفكار والخواطر التي تلح عليّ بين الفينة والأخرى فلا يقر لي قرار ولا يهنأ لي بال حتى أقيدها بالكتابة ..
والذي دفعني لكتابة هذا الموضوع هو التفكير المستمر في أمر طلاب العلاج وحالهم وكذلك حال الرقاة والمعالجين و حال الرقية الشرعية وما آلت إليه وما توصل إليه المعالجين من طرق وبحوث في الرقية الشرعية
وكثيراً ما تراودني الأفكار ..
هل الرقية الشرعية الموجودة الآن وعند الكثير من المعالجين والمتعالجين صحيحة و تأخذ الوجه الأمثل المقصود بها ...؟
لما لم يتعافى الكثير ممن تعالجوا بالرقية الشرعية ..؟
أين القصور هل هو في المتعالج وعدم فهمه للرقية الشرعية من حيث الطريقة أم أن مفهوم الرقية الشرعية وتمثله في ذهن المتعالج غير صحيح ..؟
هل القصور في المعالج وعدم قدرته على إيصال فكرة الرقية الشرعية للمتعالج وتركه الأصل وبحثه عن طرق وأساليب أخرى يضيفها للرقية الشرعية ، أم هو عدم فهم المعالج المعنى الصحيح للرقية الشرعية ...؟
وإن كان لي إهتمام كبير بالرقية فإني لا أقتصر على هذا العلم وحسب وإنما أطرق أبواباً أخرى من العلوم وخاصة الشرعية وهذا الأمر يجعلني أعيد التفكير في الكثير من المفاهيم والطرق المتبعة في الكثير من الأمور المحيطة بي والتي لي بها إهتمام خاص ومن بينها الرقية الشرعية
أقسام البحث ..
المبحث الأول /
المطلب الأول / مفهوم الرقية الشرعية
المطلب الثاني / المتعالج بالرقية الشرعية ، أفكاره وسائله الصحيحة والخاطئة ، معتقداته والمؤثرات البيئية والنفسية والإجتماعية ...
المطلب الثالث / المعالج بالرقية الشرعية أساليبه ووسائله ومنهجه ..
المطلب الرابع / الطرق والوسائل المتبعة المختلفة في الرقية الشرعية ومدى صحتها وتأثيرها وأثرها على المتعالج وموقف المعالجين منها ..
المبحث الثاني /
المطلب الأول / موانع الشفاء
المطلب الثاني / العلاج بالطب النبوي الشريف وطريقة دمجه مع الرقية الشرعية
المطلب الثالث /الطريقة الصحيحة للرقية الشرعية ..
الخلاصة ..
المبحث الأول /
المطلب الأول / مفهوم الرقية الشرعية
معنى الرقية في اللغة والاصطلاح
* أولا : المعنى اللغوي للرقية :
قال أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي : ( رقيته أرقيه رقيا " من باب رمى" : عوذته بالله ، والاسم " الرقيا " على " فعلى " والمرة " رقية " والجمع " رقى " ) ( المصباح المنير - 1 / 236 ) 0
وقال الجوهري : ( تقول منه : استرقيته فرقاني رقية فهو راق ) ( الصحاح " تاج اللغة وصحاح العربية " - 6 / 2361 ) 0
قال ابن سيده : ( الرقية هي العوذة ، قال عروة :
فما تركا من عوذة يعرفانها ولا رقيـة إلا بها رقياني ) ( المحكم والمحيط الأعظم في اللغة - ابن سيده - 6 / 309 ) 0
قال الأزهري : ( رقى الراقي رقية ورقيا : إذا عوذ ونفث ) ( تهذيب اللغة - 9 / 293 ) 0
قال ابن الأثير : ( الرقية : العوذة التي يرقي بها صاحب الآفة ، كالحمى والصرع ، وغير ذلك من الآفات ) ( النهاية في غريب الحديث - 2 / 254 ) 0
قال ابن منظور : ( والرقية : العوذة ، معروفة ، والجمع رقى 0 وتقول : استرقيته فرقاني رقية ، فهو راق ، وقد رقاه رقيا ورقيا 0 ورجل رقاء : صاحب رقى0 يقال : رقى الراقي رقية ورقيا إذا عوذ ونفث في عوذته ) ( لسان العرب - 14 / 332 ) 0
قال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - : ( " رقى " هي ما يقرأ من الدعاء لطلب الشفاء من القرآن ، ومما صح من السنة 0 وأما ما اعتاده الناس من الكلام المسجوع الممزوج بكلمات لا يفهم لها معنى ، وقد تكون من الكفر والشرك ، فإنها ممنوعة 0 ومن السخافات ما يضاف إليها من الخبز بعد أن تدخل فيه السكين أو السيخ ، أو الماء بعد أن يوضع في أوان كتب عليها بعض الكلام ، أو وضع فيها الأوراق التي كتب عليها الكلام والطلسمات ، فإنها من عمل الشيطان ، وتخريف أدعياء العلم ، ويساعد عليها :" هي من قدرترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 0 ولو صح قول النبي الله " فمعناه : أن قدر الله كائن لا يرد ) ( ضعيف سنن الترمذي - ص 231 - 232 ) 0
* ثانيا : المعنى الشرعي للرقية :
لا يختلف معنى الرقية في الشرع عن المعنى اللغوي كثيرا إذ الرقية هي العوذة في اللغة أي الملتجأ ( القاموس المحيط - مادة " عوذ " 428 ) فالمرقي يلتجئ إلى الرقية لكي يشفى مما أصابه وسواء تلك الرقية كانت مشروعة أو ممنوعة هذا في اللغة 0
أما في الشرع فالمراد بالرقية المشروعة : هي ما كان من الأدعية المشروعة أو الآيات القرآنية 0
وقد عرفها بعض أهل العلم بما يلي :
قال شمس الحق العظيم أبادي : ( الرقية : هي العوذة بضم العين أي ما يرقى به من الدعاء لطلب الشفاء ) ( عون المعبود شرح سنن أبي داوود - 10 / 370 ) 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( الرقى بمعنى التعويذ ، والاسترقاء طلب الرقية ، وهو من أنواع الدعاء ) ( مجموع الفتاوى - 1 / 182 ، 328 - 10 / 195 ) 0
قال سعد صادق محمد : ( والرقى في الحقيقة دعاء وتوسل يطلب فيها الله شفاء المريض وذهاب العلة من بدنه ) ( صراع بين الحق والباطل - ص 147 )