سلسلة أخلاق المتقي لمن أراد أن يرتقي
(3)
الصبر
كيف نعين أنفسنا على الصبر:
الصبر شديد على النفس ، يحتاج إلى مجاهدة لأهوائها ورغباتها ؛ ولكن حلاوة نتائجه وعظيم ثابه وحسن عاقته ، تجعل البيب العاقل يبذل في تحصيله وتقويته وتعزيزه في نفسه كل وسيلة مشروعة تعين عليه ومن ذلك :
1- أن يتدبر المرء القرآن الكريم وينظر إلى آياته نظرة تأمل:
قال تعالى(وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ والخَوفْ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَر وَبَشّرِ الصَّـابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَـابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ) .
2 - أن يستعين بالله في مصابه:
من أصيب بمصيبة أن حظّه من المصيبة ما يحدث له من رضا فمن رضي فله الرضا، ومن تسخط فله السخط .
3- أن يعلم أن ما أصابه مقدر من الله:
قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَـابٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لّكَيْلا تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَـاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).
4 - أن يتذكر أعظم المصائب التي حلت بالأمة الإسلامية؛ وهي موت الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب) حسن إسناده ابن حجر رحمه الله .
5 - أن يتجنب الجزع وأنه لا ينفعه بل يزيد من مصابه :
قال ابن القيم رحمه الله: (إن الجزع يشمت عدوه ويسوء صديقه ويغضب ربه ويسر شيطانه ويحبط أجره ويضعف نفسه وإذا صبر واحتسب أنضى شيطانه ورده خاسئا وأرضى ربه وسر صديقه وساء عدوه وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه فهذا هو الثبات والكمال الأعظم لا لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بالويل والثبور والسخط على المقدور) .
6- أن يتسلى المصاب بمن هم أشد منه مصيبة :
ليذكر نفسه بأن الله ابتلاه لبصيبة ولكن هناك من هو مصيبته أعظم وأن يذكر نفسه بأن الله اختار له أهون المصائب لم يختر له أعظم منها .
موانع التحلي بالصبر :
على المسلم الذي يريد أن يتحلى بالصبر أن يحذر من الموانع والعوائق التي تعترض طريقه حتى لا تكون سدا منيعاً أمامه، ومن هذه الموانع :
1 - الاستعجال:
فالنفس مولعة بحب العاجل؛ والإنسان عجول بطبعه حتى جعل القرآن العجل كأنه المادة التي خلق الإنسان منها: (خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ) فإذا أبطأ على الإنسان ما يريده نفد صبره، وضاق صدره، ناسياً أن لله في خلقه سنناً لا تتبدل: وأن لكل شيء أجلاً مسمى، وأن الله لا يعجل بعجلة أحد من الناس، ولكل ثمرة أوان تنضج فيه، فيحسن عندئذ قطافها، والاستعجال لا ينضجها قبل وقتها، فهو لا يملك ذلك، وهي لا تملكه، ولا الشجرة التي تحملها، إنها خاضعة للقوانين الكونية التي تحكمها، وتجري عليها بحساب ومقدار .
2 – الغضب :
فقد يستفز الغضب صاحب الدعوة، إذا ما رأى إعراض المدعوين عنه، ونفورهم من دعوته، فيدفعه الغضب إلى ما يليق به من اليأس منهم، أو النأي عنهم. مع أن الواجب على الداعية أن يصبر على من يدعوهم، ويعاود عرض دعوته عليهم مرة بعد مرة. وعسى أن يتفتح له قلب واحد يوماً، تشرق عليه أنوار الهداية، فيكون خيراً له مما طلعت عليه الشمس وغربت.
وفي هذا يقول الله لرسوله: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاتَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوْلا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).
3 - شدة الحزن والضيق مما يمكرون.
فليس أشد على نفس المرء المخلص لدعوته من الإعراض عنه، والاستعصاء عليه. فضلاً عن المكر به، والإيذاء له، والافتراء عليه، والافتنان في إعناته. وفي هذا يقول الله لرسوله: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَتَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ )ثم يؤنسه بأنه في معيته سبحانه ورعايته فيقول: إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ )
4 - اليأس:
فهو من أعظم عوائق الصبر، فإن اليأس لا صبر له، لأن الذي يدفع الزارع إلى معاناة مشقة الزرع وسقيه وتعهده، هو أمله في الحصاد، فإذ غلب اليأس على قلبه، وأطفأ شعاع أمله، لم يبق له صبر على استمرار العمل في أرضه وزرعه. وهكذا كل عامل في ميدان عمله .
كلام نفيس في شروط الصبر
عن أبي ميمون، قال: (إن للصبر شروطا، قلت: - الراوي- ما هي يا أبا ميمون؟ قال: إن من شروط الصبر أن تعرف كيف تصبر؟ ولمن تصبر؟ وما تريد بصبرك؟ وتحتسب في ذلك وتحسن النية فيه، لعلك أن يخلص لك صبرك، وإلا فإنما أنت بمنزلة البهيمة نزل بها البلاء فاضطربت لذلك، ثم هدأ فهدأت، فلا هي عقلت ما نزل بها فاحتسبت وصبرت ولا هي صبرت، ولا هي عرفت النعمة حين هدأ ما بها فحمدت الله على ذلك وشكرت) .
ونأسف على إطالة الموضوع