الأحاديث الدالة على فضل القرآن الكريم
الأحاديث الدالة على فضل القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا يا رب العالمين، قال المؤلف رحمه الله: ولمسلم عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: + « اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو: كأنهما غيايتان، أو: كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة »1 .
وله عن النواس بن سمعان قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ، تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ، وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ، مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قَالَ: كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا »2 .
وعن ابن مَسْعُودٍ قال ُقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ »3 رواه الترمذي وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وله وصححه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا »4 .
ولأحمد نحوه من حديث أبي سعيد، وفيه : « فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه »5 .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
تقدم الكلام على أول الباب في آيات صدر بها المؤلف هذه الرسالة، ثم ثنى بعد ذلك بذكر الأحاديث الدالة على فضل القرآن الكريم على وجه العموم، ثم فضل بعض السور من القرآن الكريم على وجه الخصوص، والحديث الذي معنا هو حديث مسلم الذي يرويه أبو أمامة رضي الله عنه في قوله عليه الصلاة والسلام : « اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه »1 هذا هو الشطر الأول من الحديث، فهذا أمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقراءة القرآن، والإكثار من تلاوته، والله تعالى قد أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بذلك في القرآن الكريم، كما أمر أمته أيضا بتلاوة القرآن، يقول تعالى : ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾6 ويقول تعالى : ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ﴾7
وفي الآية الثالثة يقول تعالى عن نبيه عليه الصلاة والسلام في آخر سورة النمل : ﴿وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ﴾8 .
ويقول تعالى أيضا مثنيا على من يتلو القرآن من أهل الكتاب : ﴿يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾9 ويقول تعالى أيضا : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ﴾10 والآيات في هذا كثيرة لكن هذه أظهرها، وهي التي يشهد لها هذا الحديث، فقوله عليه الصلاة والسلام : « اقرؤوا القرآن »1 فقراءة القرآن على نوعين:
قراءة واجبة، يجب على الإنسان أن يقرأ القرآن، وقراءة غير واجبة، فأما القراءة الواجبة فإنها في الصلاة لا تصح صلاة المصلي إلا إذا قرأ بفاتحة الكتاب « من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج خداج خداج »11 فالواجب على المسلم ومن دخل في الإسلام أن يتعلم شيئا من القرآن، وعلى وجه الاختصاص سورة الفاتحة ؛ لأن بقراءتها يستطيع أن يصلي، فهذه القراءة واجبة، فلا تصح الصلاة بدون قراءة الفاتحة، والقراءة غير الواجبة هي من خلق المسلم، أن يداوم على تلاوة القرآن الكريم، للآيات السابقة التي فيها الأمر من الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام، وأمته تدخل في هذا الأمر تبعا لما أمر به عليه الصلاة والسلام.
والنبي عليه الصلاة والسلام أيضا أمر أمته بتلاوة القرآن، كما في هذا الحديث قال : « اقرؤوا القرآن »1 أي أكثروا من قراءته، وداوموا على قراءته، والقراءة أيضا ليست قراءة مجردة من العمل أو الاتباع ؛ فإن الذي يقرأ القرآن ولا يعمل به، أو يقرأه ويقع في المحرمات وهو يعلمها، فهذا مخالف لما دل عليه القرآن الكريم ؛ لأن الله تعالى قد أمر بالاتباع، أي باتباع هذا القرآن الكريم، قال الله تعالى : ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ ﴾12 وقال تعالى في أول سورة الأعراف : ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾13 يقول العلماء: إن الله تعالى حينما أمر بالاتباع أمر كذلك بالتدبر، فقال تعالى : ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾14 وذم الله تعالى أقواما لم يتدبروا القرآن الكريم، فقال : ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ﴾15 وقال تعالى أيضا : ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾16 في موضعين في القرآن الكريم، هذا استفهام إنكاري يعني أليس لهم عقول ولهم أسماع ولهم تفكير ؟ فإذا قرؤوا عليهم أن يتدبروا ويعلموا ما دل عليه القرآن الكريم.
وقال العلماء، وهذه قاعدة من قواعد فهم القرآن الكريم، عندنا تدبر وعندنا اتباع، قال العلماء: التدبر يورث العلم، والاتباع يورث العمل، وقد أشار إلى هذا ابن القيم رحمه الله في كثير من كتبه، فالذي يقرأ القرآن ويتدبر الآية يستفيد علما كثيرا ويتأمل في هذه الآية فيما ورد في السياق قبلها وبعدها وفي هذه الآية التي يتلوها أيضا، يتدبر ويعمل فكره، ويقرأ في كتب التفسير، ويسأل عما أشكل عليه، حينئذ يكتسب علما وهذا من أفضل العلوم، وهو تدبر القرآن الكريم.
ثم إن الاتباع - كما قلت - يورث العمل، فمن عمل بالقرآن فقد اتبع القرآن، يقول تعالى في آية : ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾17
وقال في آية أخرى : ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾18 يعني من عمل بالقرآن، ويقول ابن عباس: " من عمل بالقرآن ضمن الله تعالى له الفلاح والسعادة في الدنيا، وألا يشقى في الآخرة " عند سورة طه : ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾19 كما قال الله، وقبلها قال تعالى : ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾17 ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾19 إذن الاتباع هو يعني العمل، والتدبر هو يعني الحصول على العلم، على علم القرآن الكريم، فقوله عليه الصلاة والسلام : « اقرؤوا القرآن »1 حث للناس أن يقووا صلتهم بكتاب الله، قراءة وتدبرا وعملا، ثم بين النتيجة أو الثمرة الناجمة عن قراءة القرآن بالتدبر والاتباع، قال عليه الصلاة والسلام : « فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه »20 أي القرآن الكريم يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، وشفاعة القرآن من وجهين:
الأول: إن كان عليه ذنوب وخطايا شفع له القرآن في تخليصه منها.
والثاني: إن لم يكن عليه ذنوب، شفع له القرآن في رفع درجته في الجنة ؛ أي في المسابقة إليها، أو في جميعها، وكل ذلك بفضل الله تعالى وكرمه.
وهنا مسألة، وهي ربما قد تكون تكررت في هذا الحديث وفي الأحاديث الآتية، قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « فإنه يأتي »20 أي القرآن، وفي الأحاديث التي ستأتي يقول: يؤتى بالقرآن، وهذه مسألة تحدث فيها العلماء، هل القرآن يأتي ؟ وجاء عند أحمد حديث في فضل آية الكرسي، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في فضلها : « إن لها لسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش »21 أي آية الكرسي « إن لها لسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش »21 ومعنى ذلك، معنى قوله عليه الصلاة والسلام: فإنه يأتي، أي القرآن، أو: يؤتى بالقرآن، أو أن الآية لها لسان وشفتان، العلماء تكلموا في هذا، وسأحيلكم إلى المراجع التي فيها الكلام حتى تراجعوه، قالوا: إن المقصود من ذلك ثواب قراءة القرآن يكون يوم القيامة في صورة رجل، وقد ذكر ذلك البخاري في كتاب خلق أفعال العباد، المجلد الثاني، صفحة مائة وستين، وذكره الترمذي أيضا في فضائل القرآن، حيث قال الترمذي رحمه الله: ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم، أي كلمة: فإنه يأتي، أنه يجيء ثواب القرآن، كما فسر بعض أهل العلم هذا الحديث وما يشبهه من الأحاديث . وذكر ذلك أيضا ابن تيمية في الفتاوى، في المجلد الخامس صفحة ثلاثمائة وتسعة وثمانين، في المجموع.
والمقصود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أخبر مجيء القرآن في هذه السورة أراد به الإخبار عن قراءة القارئ، وذلك هو ثواب القرآن الكريم، كما في بعض الأحاديث أيضا : « يؤتى بالملك في صورة كبش »22 وجاء في بعض فضائل سور القرآن كما جاء في فضل سورة تبارك أنها تحاج عن صاحبها، تحاج، والذي يحاج هو الثواب، ثواب هذه السورة، فإذا جاء مثل هذا اللفظ في الأحاديث النبوية: يؤتى، يحاج، يأتي، فالمقصود من ذلك هو إتيان ثواب القرآن الكريم، أو كما قال البخاري أن الله جل وعلا يجعل هذا الثواب في صورة إنسان، أو في صورة رجل . وتراجع المسألة في المراجع التي أشرت إليها.
فهذا الحديث دل على فضل قراءة القرآن الكريم، وأن قارئ القرآن الكريم ينال هذه الرتبة وهذه المزية وهذا الشرف وهذه الرفعة والشفاعة، إذا عمل بالقرآن الكريم، أما أنه يقرأ هذا القرآن وهو يعرض عنه ويعرض عن آياته، فقد تحمل وزرا كبيرا، وسوف يسأل عن هذا أمام الله جل وعلا، أو أنه يكون قرأ القرآن ولكنه لم يجاوز الحنجرة، كما وصف النبي عليه الصلاة والسلام الخوارج بذلك، يتدينون بالعبادة والزهد والورع وكثرة العبادة وقراءة القرآن والخشوع، لكن العمل لديهم بالقرآن يكاد يكون مفقودا، وإن وجد فهو عمل لا يوافق هدي القرآن الكريم، كما قال عليه الصلاة والسلام : « يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم »23 فلا يعملون به العمل الصحيح وإن كانوا يعملون به فيما يرون هم، لكن العمل الصحيح المقتضي لهذه الدلالات لا يوجد عندهم.
هذا الحديث في أوله، وهو : « اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه »1 هذا المقطع الأول للقرآن كله، لبيان فضل القرآن على وجه العموم، وتدخل فيه أيضا سورة البقرة وسورة آل عمران التي سيأتي الحديث عنها، فالشاهد أن النبي عليه الصلاة والسلام عمم الفضل في فضل قراءة القرآن الكريم، ثم بعد ذلك عطف العامل وهو القراءة، وقال : « اقرءوا الزهراوين، البقرة وسورة آل عمران »24 خص هاتين السورتين بالذكر، وهذا - كما قلنا - تخصيص من عموم، عمم الأول، وقال: اقرءوا القرآن، وسورة البقرة وآل عمران ضمن القرآن، ولكنه رجع وخصص سورتين من سور القرآن بمزية وشرف وفضل، فقال : « اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران »25 فبدأ عليه الصلاة والسلام بذكر الأوصاف التي اشتملت عليها هاتان السورتان، فبدأ بالوصف الأول وقال: الزهراوين، ومعنى الزهراوين: النيرتان ؛ أي النيرتان، الزهراوين النيرتين، هذا وصف عام، ثم بين المجيء الذي يأتي فيه ثواب سورة البقرة وسورة آل عمران، وهي جزء من القرآن الكريم داخلة في المعنى السابق الذي ذكرته لكم، فإنهما تأتيان، فالإتيان هنا المقصود به الثواب، ثواب هاتين السورتين ؛ فإنهما يأتيان يوم القيامة، ووصف هذا الإتيان بهذا الثواب بأوصاف، ولعله ثلاثة أوصاف كما سيأتي أيضا في الحديث الذي بعده:
الوصف الأول، قال: غمامتان، جمع غمامة، والغمام هو السحاب الملتف إذا كان قريبا من الرأس، يعني قريبا يراه الإنسان وهو مظله، والله تعالى قد ذكر الغمام في قوله تعالى : ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ ﴾26
وهذا الإتيان هو إتيان يليق بالله، يليق بجلاله، إتيانا يليق به سبحانه.
ثم جاء الوصف الثاني قال: غيايتان، والغياية: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه، من السحاب أو غيره.
ثم جاء الوصف الثالث قال: أو كأنهما فرقان من طير صواف، والفرقان أي قطيعان، الفرق هو القطيع من كل شيء ؛ أي قطيعان، عليها من طير صواف أي مصطفة، تحاجان عن أصحابهما، وهذه المحاجة أيضا داخلة فيما تقدم من أنه الثواب.
ثم قال أيضا : « اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة »27 خصص بعد تخصيص، خصص سورة البقرة من سورة آل عمران، أولا خص سورة البقرة وآل عمران من عموم، ثم خصص من خصوص، وخص سورة البقرة، قال : « اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة »27 المراد بالبطلة في الحديث: السحرة، وما وجه التسمية بالبطلة ؟ نعم .... يعني أنهم أهل باطل، يعني ما يفعلونه باطل، والوجه في ذلك تسمية لهم باسم فعلهم ؛ لأن ما يأتون به باطل، والله تعالى قد قال في سياق الحديث عن السحرة : ﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾28
باطل فعلهم، وقال تعالى في سورة الأعراف : ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾29 فسموا بطلة، سموا بهذه التسمية تسمية لهم باسم فعلهم ؛ لأن ما يأتون به باطل، ولا يستطيعون قراءتها، ولهذا قال: لا تستطيعها البطلة، وإنما لم يستطيعوا قراءتها وذلك لزيغهم عن الحق وانهماكهم في الباطل، ولهذا - كما سيأتي في التفريق ما بين سورة البقرة وسورة آل عمران - الله تعالى قد ذكر في هذه السورة الحديث عن السحر وبيان ضرره، أولا بيان عاقبته وما يترتب عليه، وبيان عاقبته وضرره، بين ما يترتب عليه وهو الكفر في الآية : ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ﴾30 ثم إنهم لا يستطيعون الضرر إلا بإذن الله تعالى، لكن ما وقعوا فيه هو ضرر، ما وقعوا فيه هو ضرر على أنفسهم، والعقاب الذي سوف ينالونه في الآخرة.
ذكر الله تعالى في آخرها : ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ ﴾30 ذكر الله قال : ﴿مَا يَضُرُّهُمْ ﴾30 إثبات الضرر ﴿وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾30 هذا هو العقاب ما له في الآخرة من خلاق ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾30 ثم جاء تحذير من الله تعالى لهم وتخويفهم بالله، وتخويفهم بما هم عليه وأن عليهم أن يتوبوا من هذا الفعل ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾31 يعني لأثابهم الله تعالى على هذه التوبة، كما نادى الله تعالى من اتهم ربه بالكفر، ناداهم وهو الرحيم الرحمن قال : ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾32 فهؤلاء السحرة لا يستطيعون هذه السورة، بل هي مما يزعجهم ويقلقهم، وكما جاء في فضل أيضا سورة البقرة، وقد ساقها ابن كثير في أول السورة « أن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان »33 إن مما يزعج الشياطين ويزعج السحرة قراءة هذه السورة العظيمة، لما لها من الفضل والبركة.
وقد وصفها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الوصف الجامع لكل خير، ما هو ؟ « فإن أخذها بركة ؟ »34 ونكر هذه البركة، ولم تأت معرفة، فإن أخذها بركة ؛ بركة في كل شيء، ونكرها لتذهب فيها النفس أي مذهب في البركة، والقرآن كله مبارك على وجه العموم أيضا، لكن هذه السورة خصت ببركة خاصة، كما قال الله تعالى عن القرآن : ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ﴾35
.
لم يأت في القرآن وصف القرآن بأنه المبارك، وإنما مبارك، جاء إيش منكر؟ أي لتعم هذه البركة كل ما يخطر ببال الإنسان، بركة في الإيمان، بركة في الطاعة، بركة في العمر، بركة في الأولاد، وفي المال، وفي الحفظ، والصيانة والتأييد والنصر، هذه بركة عامة، فالقرآن وصف بأنه كله مبارك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- خص سورة البقرة ببركة خاصة؛ ولهذا قال بركة مفردة، مفردة لأنها لسورة البقرة، والذي يترك سورة البقرة، وهو قادر على قراءتها، ومهملٌ هذا الوعيد أمامه، قال: « وتركها حسرة »36 .
والحسرة هو ما يتحسر به الإنسان في نفسه، ما يتحسر به الإنسان من ضيق، أو قلقٍ، أو اضطرابٍ نفسي، أو فزعٍ أو خوفٍ، وغير ذلك من الحسرات التي تأتي؛ ولهذا الله تعالى قال لما أعرض أعرض الناس عن استجابة الأنبياء قال الله تعالى: ﴿يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ﴾37 ﴿يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ ﴾37 إلى آخر الآية.
ولعل خصوصية سورة البقرة بهذه المزايا التي سمعناها في الحديث في طرد الشيطان من أجل أن مقصودها ملازم لطرد الشيطان يعني مقصود هذه السورة وما احتوته من المعاني والدلالات.
الحديث الثاني: وهو حديث النواس بن سمعان يقول: « يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران »2 ثم ضرب -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة أمثال قد تقدم بعضها، وهي الغمامتان، ثم ذكر مثلين آخرين يضمان إلى ما سبق من أمثلة قال: « أو ظلتان سوداوان وأن بينهما شرق »38 أي بينهما مشرق، والمشرق هو الضياء والنور كما يقال أشرقت الشمس أي أضاءت، وقوله سوداوان -الظلتان واضحة- هو إشارة بالسواد إلى قوة هذا الظل الذي حاصل؛ لأنه الآن إذا غيمت السماء بغيوم شديدة في وقت الضوء والشمس اختفت الشمس، وتراكم السحاب وتآلف بعضه مع بعض الله تعالى قال : ﴿يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ﴾39 يعني تألف السحاب بعضه مع بعض، ثم اسود هذا السحاب، أوقع إيش أوقع ظلمة شديدة.
وهذا شيء مشاهد ومحسوس، فلا يعنى بالسواد هنا أنه شيء فيه عقاب أو فيه ظلمة؛ ولهذا ينبغي أن يوضح أمر ذكره أهل التفسير، بين الظلتين عندما قال -عليه الصلاة والسلام- كأنهما غمامتان أو ظلتان بين الظلتين السوداوين مشارق أنوار وإنما نبه في هذا الحديث على هذا الضياء؛ لأنه لما قال سوداوان قد يتوهم متوهم أنهما مظلمتان، فنفى ذلك بقوله بينهما إيش شرق، والشرق هو إضاءة الشرق هو إضاءة.
قال: بينهما شرق أي مشارق أنوار ومشارق الأنوار هي الضياء، والنور الساطع، إذن ما المراد بقوله سوداوين؟ أي من كثافتهما التي بسببها حالتا من تحتهما وبين حرارة الشمس، وشدة اللهب في ذلك الموقف، يعني حالة هذه السحابة بهذه الظُلة، وهذه الظُلة التي فيها وهذا السواد حجبت الحرارة، وحرارة الشمس أن تقع على صاحب هذا القرآن، وخص منه سورة البقرة وآل عمران.
ثم عطف أيضاً معنى آخر، وقال: « أو كأنهما حذقان من طير صواف »40 الحذق هو الجماعة من كل شيء، سواء كان من الناس أو من الطير أو من غيرهما، وحذقان جمعها حذق، لكن الوصف جاء لسورتين، ويروى أيضاً: خرقان بـالخاء والراء وهو ما انخرق من الشيء وبان منه، ولكن هذا ما يترجح، والصواب هو الأولى كما ذكر ذلك أهل الحديث شراح الحديث، وترجعون في معاني هذه الألفاظ الغريبة في هذا الحديث إلى كتب غريب الحديث، ومنها كتابان كتاب غريب الحديث للخطابي أبو سليمان، وكتاب غريب الحديث في نهاية النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، في معنى هذه الألفاظ الغريبة التي جاءت في هذه الأحاديث.
الكلام هنا قلنا تخصيص بعد عموم، وهو لسورة البقرة وآل عمران، نعود إليهما مرة ثانية، ذكر العلماء أن في سبب تسمية سورة البقرة وسورة آل عمران بالزهراوين وجهين ذكر العلماء وجهين:
الوجه الأول: إما لهدايتهما قارئهما بما يزهر له من أنوارهما لما يزهر له من أنوارهما.
والوجه الثاني: وإما لما يترتب على قراءتهما من النور التام يوم القيامة.
وهنا هذا الوصف كله يدور على الضياء والنور، سواء كان في غمامتان أو غيايتان أو فرقان أو ظلتان أو سوداوان، هذا كله يدور على تحقق وجود النور، إذن تأمل في القرآن أيضا أليس القرآن موصوف بأنه نور، كتاب، قال تعالى ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾41 ويقول تعالى : ﴿وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا ﴾42 أي القرآن كله نور، الأصل أن القرآن كله نور، لكن هذه السورة أو هاتان السورتان خصتا بنورٍ أقوى وبنورٍ يفضل ذلك النور يزيد عليه، وهذا فضل خاص.
يأتينا إنسان، ويقول: إن القرآن كله موصوف بأنه نور، أيضا القرآن موصوف بأنه بركة كما تقدم، القرآن مأمور بقراءته كله، لكن هذه السورة سورة البقرة وسورة آل عمران خصتا بهذا الفضل العظيم، وهذه المزية الكبيرة؛ ولهذا في حديث عند البخاري يرجع إليه في قصة أسيد بن حضير وهو ممن آتاه الله صوتاً حسناً، مثل أبي موسى الأشعري، وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود، وغيرهم من الصحابة.
يتبع