قال الحسن البصري، المؤمن: من جمع إحساناً وإشفاقاً والمنافق: من جمع إساءة ونفاقاً. فينبغي للعبد الخوف من ذاك وأن يجعله نصب عينيه في كل عمل يعمله. وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله" الحديث وفي لفظ "وخالق الناس بخلق حسن" .
قال النووي: اعلم أن الخلق الحسن كلمة جامعة للإحسان إلى الناس وإلى كف الأذى عنهم. وقد قال عليه السلام "لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن بحسن الخلق" ولا بد مع ذلك من سلامة القلب فيكون باطناً وظاهراً وقال الغزالي على قوله صلى الله عليه وسلم "الطهور شطر الإيمان" فسره بطهارة القلب من الغل والحسد والحقد وسائر أمراض القلب وذلك أن الإيمان الكامل لا يتم إلا بذلك فمن أتى بالشهادتين حصل هل الشطر ومن طهر قلبه من بقية الأمراض كمل إيمانه ومن لم يطهر قلبه فقد نقص إيمانه وقال بعضهم من طهر قلبه وتوضأ واغتسل فقد دخل الصلاة بالطهارتين جميعاً ومن دخل في الصلاة بطهارة الأعضاء خاصة فقد دخل بأحد الطهارتين وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم "كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" قال بعضهم على هذا الحديث كل إنسان يسعى لنفسه فمنهم من يبيعها لله بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها أي يهلكها.
وقال بعضهم على قوله عليه السلام "الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس" وفي الحديث دليل على أن الإنسان يراجع قلبه إذا أراد الإقدام على فعل شيء من الأمور يروى أن آدم عليه السلام أوصى بنيه بوصايا منها أنه قال: إذا أردتم فعل شيء فإن اضطربت قلوبكم فلا تفعلوه وإذا أردتم فعل شيء فانظروا في عاقبته فإني لو نظرت في عاقبة الأكل من الشجرة ما أكلت منها، ومنها أنه قال إذا أردتم فعل شيء فاستشيروا الأخيار فإني لو استشرت الملائكة لأشاروا علي بترك الأكل من الشجرة.
وقال الغزالي: ابن آدم بدنه معه كالشبكة يكتسب بها الأعمال الصالحة فإذا اكتسب خيراً ثم مات كفاه ولم يحتج بعد ذلك إلى الشبكة وهي البدن الذي فارقه بالموت ولاشك أن الإنسان إذا مات انقطعت شهوته من الدنيا واشتهت نفسه العمل الصالح لأنه زاد القبر، فإن كان معه استغنى به وإن لم يكن معه طلب الرجوع منها إلى الدنيا ليتخذ منها الزاد وذلك بعد أخذ الشبكة فيقال هيهات قد فات، فيبقى دائماً نادماً على تفريطه.
وقد قال عليه الصلاة والسلام لابن عمر "وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك" وعن ابن عمر رضي الله عنه قال "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وكان ابن عمر يقول إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء" الحديث وفي الحديث الذي رواه الترمذي وغيره "من أصبح والدنيا أكبر همه شتت الله عليه شمله وفرق ضيعته ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه واتته الدنيا وهي راغمة" وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعفه ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته" وكان بعض العلماء قد جاوزوا المائة سنة وهو متمتع بقوته وعقله فوثب يوماً وثبة شديدة فعوتب في ذلك فقال هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر وعكس هذا أن بعض السلف رأى شيخاً يسأل الناس فقال إن هذا ضعيف ضيع الله في صغره فضيعه الله في كبره وقد يحفظ الله العبد الصالح بصلاحه بعد موته في ذريته كما قيل في قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ [الكهف: 82] أنهما حفظا بصلاح أبيهما.
قال سعيد بن المسيب لابنه لأزيدن في صلاتي لأجلك رجاء أن أحفظ فيك ثم تلا هذه الآية وكان أبوهما صالحاً وقال عمر بن عبد العزيز ما من مؤمن يموت إلا حفظه الله في عقبه وعقب عقبه وقال ابن المنكدر إن الله يحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده والدويرات التي حوله فما يزالون في حفظ من الله وستر ومتى كان العبد مشتغلاً بطاعة الله فإن الله يحفظه في تلك الحال وفي مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "كانت امرأة في بيت فخرجت في سرية من المسلمين وتركت اثنتي عشرة عنزة وصيصتها كانت تنسخ بها قال ففقدت عنزة لها وصيصتها فقالت يا ربي إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه وإني قد فقدت عنزاً من غنمي وصيصتي وإني أنشدك عنزة لي وصيصتي وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يذكر شدة مناشدتها ربها تبارك وتعالى قال صلى الله عليه وسلم: فأصبحت عنزها ومثلها، وصيصتها هي السنارة التي يغزل بها فمن حفظ الله حفظه من كل أذى".
وفي حديث حارثة المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "يا حارثة كيف أصبحت قال أصبحت مؤمناً حقاً قال انظر ما تقول فإن لكل قول حقيقة.
قال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً وكأني انظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني أنظر إلى أهل النار كيف يتعارفون فيها قال أبصرت فالزم عبد نور الله بالإيمان قلبه".