قول ابن مسعود رضي الله عنه يضحك الله إلى رجلين
 		        	السؤال: ما صحة هذا الحديث :  ( يضحك الله عز وجل إلى رجلين :  رجل لقي العدو وهو على فرس من أمثل خيل أصحابه فانهزموا وثبت ، فإن قتل  استشهد ، وإن بقي فذلك الذي يضحك الله إليه . ورجل قام في جوف الليل لا يعلم به أحد ، فتوضأ فأسبغ الوضوء ، ثم حمد الله  ومجَّدَه وصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم واستفتح القرآن ، فذلك الذي  يضحك الله إليه يقول : انظروا  إلى عبدي قائماً لا يراه أحد غيري ) 
 		 	  	   الجواب :   الحمد لله
   أولا : 
   روي هذا الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وموقوفا من كلام الصحابي عبد  الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : ( يضحك الله إلى رجلين : رجل لقي العدو وهو على  فرس من أمثل – يعني أحسن - خيل أصحابه ، فانهزموا وثبت ، فإن قتل استشهد ، وإن بقي  فذلك الذي يضحك الله إليه . 
   ورجل قام في جوف الليل لا يعلم به أحد ، فتوضأ فأسبغ الوضوء ، ثم حمد الله ،  ومجَّده ، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، واستفتح القرآن ، فذلك الذي يضحك  الله إليه يقول : انظروا إلى عبدي قائما لا يراه أحد غيري ) 
   رواه عبد الرزاق في " المصنف " (11/185) - ومن طريقه كل من الطبراني في " المعجم  الكبير " (9/159)، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " (4/205) – ورواه النسائي في "  السنن الكبرى " (6/217)، وفي " عمل اليوم والليلة " (ص/496) :
   جميعهم من طريق أبي إسحاق – وهو السبيعي عمرو بن عبد الله - ، عن أبي عبيدة – وهو  ابن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -، عن ابن مسعود رضي الله عنه . 
   قلنا : وهذا إسناد رواته ثقات ، غير أن تابعي الحديث ، أبا عبيدة ، لم يسمع من أبيه  عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، كما قرره غير واحد من أهل العلم ، فالإسناد منقطع  .  
   ينظر : جامع التحصيل (204) ، تحفة التحصيل (165) ، تهذيب الكمال (14/61) .
    
   غير أن أبا عبيدة توبع على رواية ذلك عن أبيه ، تابعه مرة الهمداني عن ابن مسعود ،  مرفوعا ، بلفظ : 
   (   عَجِبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ رَجُلَيْنِ  : رَجُلٍ ثَارَ عَنْ وِطَائِهِ وَلِحَافِهِ ، مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ وَحَيِّهِ إِلَى  صَلَاتِهِ ، فَيَقُولُ رَبُّنَا : أَيَا مَلَائِكَتِي ، انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي ،  ثَارَ مِنْ فِرَاشِهِ   وَوِطَائِهِ ، وَمِنْ بَيْنِ حَيِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ ، رَغْبَةً فِيمَا  عِنْدِي ، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي . 
   وَرَجُلٍ غَزَا فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَانْهَزَمُوا ، فَعَلِمَ مَا  عَلَيْهِ مِنَ الْفِرَارِ ، وَمَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ ، فَرَجَعَ حَتَّى أُهْرِيقَ  دَمُهُ ، رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي ، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي ، فَيَقُولُ اللهُ  عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي ، رَجَعَ رَغْبَةً فِيمَا  عِنْدِي ، وَرَهْبَةً مِمَّا عِنْدِي ، حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ )
   رواه الإمام أحمد في " المسند " (7/62-63) وغيره . 
   لكن رجح الإمام الدارقطني رحمه الله أن هذا الحديث موقوف من كلام ابن مسعود ، وليس  مرفوعا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .
   قال رحمه الله :
   " يرويه عطاء بن السائب عن مرة ، واختلف عنه : 
   فرفعه حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، ووقفه خالد بن عبد الله، عن عطاء....  والصحيح هو الموقوف " انتهى.
   " العلل " (5/267) . 
   وينظر : مسند الإمام أحمد (7/62) ط الرسالة ، تعليق المحققين ، جلاء الأفهام ، لابن  القيم ، ط الشيخ مشهور سلمان (563) تعليق المحقق . 
   ولذلك قال السخاوي رحمه الله عن هذا الأثر : 
   " إسناده صحيح " انتهى.
   " القول البديع " (ص/264)
    
   ثالثا :
   ورد أيضا حديث قريب المعنى من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله  عليه وسلم قال :  (  ثلاثةٌ يحبُّهم اللهُ عزّ وجلّ ، ويضحكُ إليهم ، ويستبشرُ بهم : الذي إذا انكَشَفتْ  فئةٌ ؛ قاتلَ وراءَها بنفسِه لله عزّ وجلّ ، فإمّا أنْ يُقتلَ ، وإمّا أن يَنصُرَه  اللهُ و يكفِيَه ، فيقولُ اللهُ : انظرُوا إلى عبدِي كيف صَبَرَ لي نفسَه؟! والذي  له امرأة حسناء ، وفراش لين حسن ، فيقوم من الليل ، فـيذر شهوتَه ، فيذكُرني  ويناجيني ، ولو شاءَ رقَدَ ! والذِي يكونُ في سَفَرٍ ، وكانَ معَه ركْبٌ ؛ فسهِرُوا  و نصِبُوا ثمّ هَجَعُوا ، فقامَ من السّحرِ في سرّاءَ أو ضرّاءَ )
   رواه الحاكم في " المستدرك " (1/25)، والبيهقي في " الأسماء والصفات " (2/408)  وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/3478) . 
   
   ثانيا :
   في مجموع الآثار السابقة فوائد عدة ، يمكن أن نجملها في الآتي : 
  ·          إثبات صفة الضحك لله عز وجل ، على الوجه اللائق به سبحانه ؛ بما لا يشبه صفات  المخلوقين ، وقد وردت أدلة أخرى كثيرة من السنة المرفوعة الصحيحة تدل على ذلك ،  منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال 
   يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ  يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ ؛ يُقَاتِلُ هَذَا فِي  سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ  فَيُسْتَشْهَدُ ) رواه البخاري (2826) ومسلم (1890)، بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه  الله : "   وكذلك أحاديث الضحك متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواها الأئمة  " انتهى. " الفتاوى الكبرى " (5/297) . 
  ·          عدم تردد السلف رحمهم الله تعالى في التحديث بهذه الصفات – كصفة الضحك - أمام الناس  ، ومخاطبتهم بها على الوجه الذي لا يحدث في قلوبهم شيئا من الريبة أو الفتنة ،  والأصل في الناس إذا تركوا على فطرتهم فهموا هذه النصوص على الوجه اللائق بالله عز  وجل، وقد بوب عبد الرزاق في " المصنف " (11/184) متابعا شيخه معمر في " الجامع "  (رقم/894) على هذا الأثر بقولهما : باب من يضحك الله إليه . 
  ·          وفيه استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند قيام الليل ، ولذلك بوب ابن  القيم رحمه الله في كتابه " جلاء الأفهام " (ص/563) على هذا الحديث بقوله :   " الموطن السادس عشر من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم : إذا قام الرجل من  نوم الليل " . 
  ·          فضيلة الجهاد في سبيل الله ، وفضيلة قيام العبد بالليل مخلصا لا يراه أحد ، يركع  ويسجد لله عز وجل ، لا يبتغي إلا مرضاة الله ، فذلك من أفضل الأعمال .
   والله أعلم .
http://www.islamqa.com/ar/ref/139913