ذم الجدال ، والخصومات في  الدين
 			
 			 			 		  		 		وحدثنا الفريابي قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب قال : كان أبو  قلابة يقول : لا تجالسوا أهل الأهواء ، ولا تجادلوهم ؟ فإني لا آمن أن  يغمسوكم في الضلالة ، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم . 
 حدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا هشيم  بن بشير ، عن العوام بن حوشب ، عن معاوية بن قرة قال : الخصومات في الدين  تحبط الأعمال . 
 وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن  يحيى بن سعيد قال : إن عمر بن عبد العزيز قال : من جعل دينه غرضاً للخصومات  أكثر التنقل . 
 حدثنا أيضاً الفريابي قال : حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي قال : حدثنا  معن بن عيسى قال : انصرف مالك بن أنس رضي الله عنه يوماً من المسجد ، وهو  متكىء على يدي ، فلحقه رجل يقال له : أبو الحورية ، كان يتهم بالإرجاء ،  فقال : يا عبد الله ، اسمع مني شيئاً ، أكلمك به ، وأحاجك ، وأخبرك برأي ،  قال : فإن غلبتني ؟ قال : إن غلبتك اتبعني ، قال : فإن جاء رجل آخر ،  فكلمنا فغلبنا ؟ قال : نتبعه ، فقال مالك رحمه الله تعالى : ياعبد الله :  بعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وسلم بدين واحد ، وأراك تنتقل من دين  إلى دين ، قال عمر بن عبد العزيز : من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر  التنقل . 
 وحدثنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن عيسى قال : حدثنا مخلد ، عن هشام -  يعني ابن حسان - قال : جاء رجل إلى الحسن فقال : يا أبا سعيد ، تعال حتى  أخاصمك في الدين ، فقال الحسن : أما أنا فقد أبصرت ديني ، فإن كنت أضللت  دينك فالتمسه . 
 وحدثنا أبو بكر عبد الله بن عبد الحميد الواسطي قال : أخبرنا محمد بن  المثنى قال : حدثنا محمد بن مسعدة قال : كان عمران القصير يقول : إياكم  والمنازعة والخصومة ، وإياكم وهؤلاء الذين يقولون : أرأيت أرأبت . 
 وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى قال : حدثني سعيد بن  عامر قال : حدثنا سلام بن أبي مطيع قال : إن رجلاً من أصحاب الأهواء قال  لأيوب السختياني : يا أبا بكر ؟ أسألك عن كلمة ، فولى أيوب ، وجعل يشير  بإصبعه : ولا نصف كلمة . 
 وحدثنا الفريابي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا سعيد بن عامر  قال : سمعت جدي إسماعيل بن خارجة يحدث قال : دخل رجلان على محمد بن سيرين  من أهل الأهواء ، فقالا : يا أبا بكر ، نحدثك بحديث ؟ قال : لا ، قال :  فنقرأ عليك آية من كتاب الله عز وجل ؟ قال : لا ، لتقومن عني أو لأقومنه . 
 وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا زهير بن محمد قال : حدثنا موسى بن أيوب  الأنطاكي قال : حدثنا عباد بن بشير ، عن خصيف قال : مكتوب في التوراة : يا  موسى ، لا تخاصم أهل الأهواء ، يا موسى لا تجادل أهل الأهواء ، فيقع في  قلبك شيء فيؤذيك فيه فلك النار . 
 قال زهير : سمعت أحمد بن حنبل يقول : سمعت مروان بن شجاع يقول : سمعت عبد  الكريم الجزري يقول : ما خاصم ورع قط في الدين . 
 وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا زهير قال : حدثنا أبو خالد قال : حدثنا  سفيان بن عمرو- يعني ابن قيس - قال : قلت للحكم : ما اضطر الناس إلى  الأهواء ؟ قال : الخصومات . 
 حدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محفوظ بن أبي توبة قال : حدثنا محمد  بن بشر العبدي ، عن زياد بن كليب قال : قال أبو عمرة لإبراهيم : يا أبا  عمران ، أي هذه الأهواء أعجب إليك ؟ فإني أحب أن آخذ برأيك وأقتدي بك . قال  : ما جعل الله في شيء منها مثقال ذرة من خير ، وما هي إلا زينة الشيطان ،  وما الأمر إلا الأمر الأول . 
 وحدثنا عمر بن أيوب قال : حدثنا محفوظ قال : حدثنا إبراهيم بن خالد  الصنعاني قال : حدثنا رباح بن زيد ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال :  إن رجلاً قال لابن العباس رضي الله عنهما : الحمد لله الذي جعل هدانا على  هواكم . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : الهوى كله ضلالة . 
 حدثنا الفريابي قال : حدثنا العباس بن الوليد بن يزيد قال : أخبرني أبي قال  : سمعت الأوزاعي يقول : عليك بآثار من سلف ، وإن رفضك الناس ، وإياك وآراء  الرجال ، وإن زخرفوا لك بالقول . 
 أخبرنا أبو زكريا بن يحيى بن محمد الجبائي قال : حدثنا محمد بن عبيد بن  حساب ، قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا محمد بن واسع قال : رأيت صفوان  بن محرز ، وأشار بيده إلى ناحية من المسجد ، وشببة قريب منه ، يتجادلون ،  فرأيته ينفض ثوبه ، وقام ، وقال : إنما أنتم حرب . 
 حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسبن بن الحسن المروزي  قال : حدثنا عبد الله بن المبارك قال : حدثنا أبو الحكم ، قال : حدثنا موسى  بن أبي كردم ، وقال غيره ابن أبي درم ، عن وهب بن منبه قال : بلغ ابن عباس  رضي الله عنهما عن مجلس كان في ناحية بني سهم ، يجلس فيه ناس من قريش  فيختلون فيه ، ترتفع أصواتهم ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : انطلقوا بنا  إليهم ، فانطلقنا حتى وقفنا . فقال لي ابن عباس : أخبرهم عن كلام الفتى  الذي كلم به أيوب عليه الصلاة والسلام ، وهو في حال بلائه ، قال وهب : فقلت  : قال الفتى : يا أيوب : أما كان في عظمة الله عز وجل ، وذكر الموت ، ما  يكل لسانك ، ويقطع قلبك ، ويكسر حجتك ؟ يا أيوب : أما علمت أن لله عباداً  أسكتتهم خشية الله عز وجل ، من غير عي ولا بكم وإنهم لهم النبلاء الفصحاء  الطلقاء الألباء العالمون بالله وآياته ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله عز  وجل تقطعت قلوبهم ، وكلت ألسنتهم ، وطاشت عقولهم وأحلامهم ، فرقاً من الله  عز وجل وهيبة له ، فإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله عز وجل بالأعمال  الزاكية ، لا يستكثرون لله الكثير، ولا يرضون له بالقليل ، يعدون أنفسهم مع  الظالمين الخاطئين ، وإنهم لبررة ، أبرار، أخيار، ومع المضيعين المفرطين ،  وإنهم لأكياس أقوياء ، ناحلون دائبون ، يراهم الجاهل فيقول : مرضى وليسوا  بمرضى ، وقد خولطوا ، وقد خالط القوم أمر عظيم . 
 حدثنا أبو عبد الله بن مخلد العطار قال : حدثنا محمد بن حسان بن فيروز  الأزرق ، قال : حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد قال : حدثني  موسى بن أبي كردم ، عن يوسف - يعني ابن ماهك - عن ابن عباس رضي الله تعالى  عنهما أنه بلغه عن مجلس في ناحية بني سهم فيه شباب من قريش يختصمون ،  وترتفع أصواتهم . فقال ابن عباس رضي الله عنهما لوهب بن منبه : أخبر القوم  عن كلام الفتى الذي كلم به أيوب عليه السلام ، وهو في بلائه ، فقال وهب بن  منبه : قال الفتى: يا أيوب ، لقد كان في عظمة الله عز وجل ، وذكر الموت ،  ما يكل لسانك ، ويقطع قلبك ، ويكسر حجتك ؟ ! أفلم تعلم يا أيوب أن لله جل  وعلا عباداً ، أسكتتهم خشية الله عز وجل من غير عي ولا بكم ، وإنهم لهم  الفصحاء الطلقاء ، العالمون بالله عز وجل وآياته ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة  الله عز وجل تقطعت قلوبهم ، وكلت ألسنتهم ، وكلت أحلامهم فرقا من الله عز  وجل وهيبة له ، حتى إذا استفاقوا من ذلك ابتدروا إلى الله جل وعلا بالأعمال  الزاكية ، لا يستكثرون لله تبارك وتعالى العمل الكثير ، ولا يرضون له  بالقليل ، ناحلون دائبون ، يراهم الجاهل فيقول : مرضى ، وقد خولطوا ، وقد  خالط القوم أمر عظيم . 
 وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا زهير بن محمد قال : حدثنا أبو حذيفة  الصنعاني قال : حدثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهباً يقول : دع المراء  والجدال عن أمرك ، فإنك لا تعجز أحد رجلين : رجل هو أعلم منك ، فكيف تماري  وتجادل من هو أعلم منك ؟ ولا يطيعك ، فاقطع ذلك عليك . 
 قال محمد بن الحسين : من كان له علم وعقل ، فيرى جميع ما تقدم ذكري له من  أول الكتاب إلى هذا الموضع ، علم أنه محتاج إلى العمل به ، فإن أراد الله  عز وجل به خيراً لزم سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما كان عليه  الصحابة رضي الله عنهم ، ومن تبعهم بإحسان من أئمة المسلمين رحمة الله  عليهم في كل عصر ، وتعلم العلم لنفسه ، لينتفي عنه الجهل ، وكان مراده أن  يتعلمه لله عز وجل ، ولم يكن مراده ، أن يتعلمه للمراء والجدال والخصومات ،  ولا لدنيا . 
 ومن كان هذا مراده سلم إن شاء الله تعالى من الأهواء والبدع والضلالة ،  واتبع ما كان عليه من تقدم من أئمة المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم ،  وسأل الله تعالى أن يوفقه لذلك . 
 فإن قال قائل : وإن كان رجل قد علمه الله عز وجل علماً ، فجاءه رجل يسأله  عن مسألة في الدين ، ينازعه ويخاصمه ، ترى له أن يناظره حتى تثبت عليه  الحجة ، ويرد على قوله ؟ 
 قيل له : هذا الذي نهينا عنه ، وهو الذي حذرناه من تقدم من أئمة المسلمين .  
 فإن قال قائل : فماذا نصنع ؟ . 
 قيل له : إن كان الذي يسألك مسألته ، مسألة مسترشد إلى طريق الحق لا مناظرة  ، فأرشده بأرشد ما يكون من البيان بالعلم من الكتاب والسنة ، وقول الصحابة  ، وقول أئمة المسلمين . وإن كان يريد مناظرتك ومجادلتك ، فهذا الذي كره لك  العلماء ، فلا تناظره ، واحذره على دينك ، كما قال من تقدم من أنمة  المسلمين إن كنت لهم متبعاً . 
 فإن قال : ندعهم يتكلمون بالباطل ، ونسكت عنهم ؟ 
 قيل له : سكوتك عنهم وهجرتك لما تكلموا به أشد عليهم من مناظرتك لهم ، كذا  قال من تقدم من السلف الصالح من علماء المسلمين . 
 حدثنا أبو بكر بن عبد الحميد قال : حدثنا زهير بن محمد قال : حدثنا منصور  بن سفيان قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب أنه قال : لست براد عليهم أشد  من السكوت . 
 وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو تقي هشام بن عبد الملك الحمصي قال :  حدثنا محمد بن حرب ، عن أبي سلمة سليمان بن سليم ، عن أبي حصين ، عن أبي  صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لاتجالس أهل الأهواء ، فإن  مجالستهم ممرضة للقلوب . 
 وحدثنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن داود قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال  : حدثني مهدي بن ميمون الأزدي قال : سمعت محمداً يعني ابن سيرين ، وما رآه  رجل في شيء ، فقال له محمد : إني قد أعلم ما تريد ، وأعلم بالمماراة منك ،  ولكني لا أماريك . 
 قال محمد بن الحسين : ألم تسمع رحمك الله إلى ما تقدم ذكرنا له من قول أبي  قلابة : لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ، فإني لا آمن أن يغمسوكم في  الضلالة ، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم . 
 ألم تسمع إلى قول الحسن - وقد سأله رجل عن مسألة - فقال : ألا تناظر في  الدين ؟ 
 فقال له الحسن : أما أنا فقد أبصرت ديني ، فإن كنت أنت أضللت دينك فالتمسه .  
 ألم تسمع إلى قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : من جعل دينه غرضاً  للخصومات أكثر التنقل ؟ 
 قال محمد بن الحسين : فمن اقتدى بهؤلاء الأئمة سلم له دينه إن شاء الله  تعالى . 
 فإن قال قائل : فإن اضطر في الأمر وقتاً من الأوقات إلى مناظرتهم ، وإثبات  الحجة عليهم ألا يناظرهم ؟ 
 قيل : الاضطرار إنما يكون مع إمام له مذهب سوء ، فيمتحن الناس ، ويدعوهم  إلى مذهبه ، كفعل من مضى في وقت أحمد بن حنبل رحمه الله : ثلاثة خلفاء  امتحنوا الناس ، ودعوهم إلى مذهبهم السوء ، فلم يجد العلماء بداً من الذب  عن الدين ، وأرادوا بذلك معرفة العامة الحق من الباطل ، فناظروهم ضرورة لا  اختياراً ، فأثبت الله عز وجل الحق مع أحمد بن حنبل ، ومن كان على طريقته ،  وأذل الله العظيم المعتزلة وفضحهم ، وعرفت العامة أن الحق ما كان عليه  أحمد بن حنبل ومن تابعه إلى يوم القيامة . 
 وأرجو أن يعيذ الله الكريم أهل العلم من أهل السنة والجماعة من محنة تكون  أبداً . 
  
 الشريعة - الآجري
باب 
 ذم الجدال ، والخصومات في الدين