الموضوع: فوائد الذنوب
عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 25-04-2010, 02:28 PM   #4
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي


ومنها: إن لله عز وجل على القلوب أنواعاً من العبودية؛ من الخشية والخوف والإشفاق وتوابعها؛ من المحبة والإنابة وابتغاء الوسيلة إليه وتوابعها.

وهذه العبوديات لها أسبابٌ تهيجها وتبعث عليها، فكل ما قيَّضه الربُّ تعالى لعبده من الأسباب الباعثة على ذلك المهيجة له فهو من أسباب رحمته له، ورُبَّ ذنبٍ قد هاج لصاحبه من الخوف والإشفاق والوجل والإنابة والمحبة والإيثار والفرار إلى الله مالا يهيجهُ له كثير من الطاعات!

وكم من ذنب كان سبباً لاستقامة العبد وفراره إلى الله وبُعده عن طرق الغيِّ! وهو بمنزلة من خلط فأحس بسوء مزاجهِ، وكان عنده أخلاطٌ مزمنةٌ قاتلةٌ وهو لا يشعر بها، فشرب دواءً أزال تلك الأخلاط العفنة التي لو دامت لترامت به إلى الفساد والعطب، وان من تبلغ رحمته ولطفه وبرُّهُ بعبده هذا المبلغ وما هو أعجبُ وألطفُ منهُ لحقيقٌ بان يكون الحبُّ كلُّهُ له، والطَّاعاتُ كلُّها له، وأن يُذكر فلا يُنسى، ويُطاعَ فلا يُعصى ويُشكر فلا يُكفر.

ومنها: أنه يعرِّف العبدُ مقدار نعمته مُعافاته وفضله في توفيقه له وحفظه إياه؛ فإنه من تربَّى في العافية لا يعلمُ ما يُقاسيه المُبتلى، ولا يعرف مقدار النعمة، فلو عرف أهلُ طاعة الله أنَّهُم هم المُنعَمُ عليهم في الحقيقة، وأن لله عليهم من الشُّكر أضعاف ما على غيرهم - وإن توسَّدوا التُّراب ومضغوا الحصى - فهم أهلُ النَّعمة المُطلقة، وأن من خلَّى الله بينهُ وبين معاصيه فقد سقط من عينه، وهان عليه، وان ذلك ليس من كرامته على ربه - وان وسَّع الله عليه في الدنيا ومد له من أسبابها - فإنهم أهل الابتلاء على الحقيقة.

فإذا طالبت العبد نفسُهُ بما تُطالبهُ من الحُظوظ والاقسام وأرتهُ انه في بليَّةُ وضائقةٍ تدَارَكَهُ الله برحمته، وابتلاهُ ببعض الذنوب، فرأى ما كان فيه من المُعافاة والنَّعمة، وأنه لا نسبة لما كان فيه من النعم إلى ما طلبتهُ نفسه من الحُظوظ، فحينئذٍ يكونُ أكثرُ أمانيه وآماله العود إلى حالة وان يُمتعهُ الله بعافيته.

ومنها: أن التَّوبة تُوجبُ للتائب آثاراً عجيبةً من المعاملة التي لا تحصلُ بدونها، فتُوجبُ لهُ من المحبة والرقة واللطف وشكر الله وحمده والرضا عنه عبوديات أُخر، فإنه إذا تاب إلى الله قَبِلَ الله توبته فرتب له على ذلك القبول أنواعاً من النعم لا يهتدي العبدُ لتفاصيلها، بل يزالُ يتقلَّبُ في بركتها وآثارها ما لم يُنقضها ويُفسدها.

ومنها: أن الله سبحانه يُحبَّهُ ويفرحُ بتوبته أعظم فرح؛ وقد تقرر أن الجزاء من جنس العمل؛ فلا ينسى الفرحة التي يظفرُ بها عند التوبة النصوح.

وتأمل كيف تجدُ القلب حياً فرحاً وأنت لا تدري سبب ذلك الفرح ما هو، وهذا أمرٌ لا يُحسُّ به إلا حيُّ القلب، وأما ميَّتُ القلب فإنما يجدُ الفرح عند ظفره بالذنب، ولا يعرفُ فرحاً غيره.

فوازن إذاً بين هذين الفرحين، وانظر ما يُعقبُه فرحُ الظَّفر بالذنب من أنواع الأحزان والهُموم ولغُموم والمصائب؛ فمن يشتري فرحةَ ساعةً بغمِّ الأبد؟
و انظر ما يُعقبُهُ فرحُ الظفر بالطاعة والتوبة النصُوح من الانشراح الدائم، والنعيم، وطيب العيش، ووازن بين هذا وهذا، ثم اختر ما يليق بك ويناسبُك! وكلٌّ يعملُ على شاكلته، وكلُّ امرئٍ يصبو إلى ما يُناسبُه.

 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة