بسم الله الرحمن الرحيم
    هل في المرأة شؤم ؟!             
    كثيرا ما نسمع التشكيك في حفظ الإسلام حق المرأة والإعلاء من شأنها من خلال      الكلام على حديث ( الشؤم في ثلاث ) ، وهذا إما من عدو متربص يلبس في المعنى      ويفصل بين روابطه التي يكتمل بها ظهوره ، أو من جاهل يفهم معنى باطلا لم يدل      عليه الدليل ثم يبثه أو يبقى في نفسه إشكالا يضيق به ويصد عنه ، أو ربما كان      ذلك من شخص خاصم زوجته فوجه لها ذلك الوصف بأنها شؤم بقول النبي  صلى الله      عليه وسلم  ، وهذا جناية على الحديث أيما جناية . 
    لذا لا بد من بيان المعنى المراد من الحديث ليكون الاستدلال في محله ، ويرد كيد      من أراد النيل من الإسلام في هذا الأمر في نحره . 
    وإن من نافلة القول ابتداء هنا تقرير ما للمرأة في الإسلام من مكانة عالية      ومنزلة مصونة وحق محفوظ ، فهذا من الظهور أوضح من الشمس في ضحاها والقمر إذا      تلاها ، وليس المقام ذكر الدلائل على ذلك هنا ، فهذا يطول ، لكن المقصود الوقوف      على معنى حديث الشؤم المتعلق بالمرأة . 
    فقد جاء الحديث مرفوعا إلى النبي  صلى الله عليه وسلم  بألفاظ عدة      ... 
    ففي لفظ : ( إنما الشؤم في ثلاثة : في الفرس و المرأة والدار )[1] . 
    وفي لفظ : ( الشؤم في المرأة والدار والفرس )[2].
    وفي لفظ : ( إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس )[3].
    وفي لفظ ( إن يكن من الشؤم شيء حق ففي الفرس والمرأة والدار )[4]. 
    وفي لفظ : ( إن كان في شيء ففي الربع والخادم والفرس )[5] ، وفي لفظ زيادة (      والسيف )[6].
    
    وللعلماء رحمهم الله تعالى أجوبة عدة على ما قد يحصل من اشتباه في معنى الحديث      : 
    الجواب الأول :
    أن أصل الحديث حكاية لقول اليهود أو المشركين وبيان مذهبهم الباطل في ذلك ،      ولكن قد روي الحديث بدون ما يدل على الحكاية . 
    ودليل ذلك ما رواه قتادة عن أبي حسان قال : دخل رجلان من بني عامر على عائشة      رضي الله عنها فأخبراها أن أباهريرة  رضي الله عنه  يحدث عن النبي       صلى الله عليه وسلم  أنه قال : ( الطيرة في الدار والمرأة والفرس ) فغضبت      ، فطارت شقة منها في السماء ، وشقة في الأرض ، وقالت : والذي نزل الفرقان على      محمد ما قالها رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قط ، إنما قال : ( كان      أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك ) .[7]
    وفي رواية قالت : ولكن نبي الله  صلى الله عليه وسلم  كان يقول : (      كان أهل الجاهلية يقولون : الطيرة في المرأة والدار والدابة ) ، ثم قرأت عائشة      رضي الله عنها : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب )      الآية .[8]
    ويشهد له ما رواه أبو داود الطيالسي عن مكحول أنه قال : قيل لعائشة : إن أبا      هريرة  رضي الله عنه  يقول : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم       ( الشؤم في ثلاث : في الدار والمرأة والفرس ) فقالت عائشة رضي الله عنها : لم      يحفظ أبو هريرة ؛ لأنه دخل ورسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول : (      قاتل الله اليهود ، يقولون : إن الشؤم في الدار والمرأة والفرس ) فسمع آخر      الحديث ولم يسمع أوله .[9] 
    قال الألباني : ( وإسناده حسن لولا الانقطاع بين مكحول وعائشة ، لكن لا بأس به      في المتابعات والشواهد إن كان الرجل الساقط من بينهما هو شخص ثالث غير      العامريين المتقدمين ) .[10]
    ومما يؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد عن أبي معشر عن محمد بن قيس قال : سئل أبو      هريرة  رضي الله عنه  : سمعت من رسول الله  صلى الله عليه وسلم       ( الطيرة في ثلاث : في المسكن والفرس والمرأة ) ؟ قال : إذاً أقول على رسول      الله  صلى الله عليه وسلم  ما لم يقل ، ولكني سمعت رسول الله       صلى الله عليه وسلم  يقول : ( أصدق الطيرة الفأل ، والعين حق ) . 
    ولكن هذه الرواية ضعيفة لضغف أبي معشر[11] ، ولما قيل من الانقطاع بين محمد بن      قيس وأبي هريرة  رضي الله عنه  .[12]
    ومما يؤيده أيضا ما رواه الطبري في تهذيب الآثار عن ابن أبي مليكة قال : قلت      لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : كيف ترى في جارية لي ، في نفسي منها شيء ؟ فإني      سمعتهم يقولون : قال نبي الله  صلى الله عليه وسلم  ( إن كان في شيء      ففي الربع والفرس والمرأة ) ، قال : فأنكر أن يكون سمع ذلك من النبي  صلى      الله عليه وسلم  أشد النكرة ، وقال : إذا وقع في نفسك منها شيء ففارقها ،      بعها أو أعتقها .[13]
    فبناء على قول عائشة رضي الله عنها ، فالحديث ليس فيه تقرير للطيرة ، بل هو      متضمن للنهي والتحذير من ذلك ؛ إذ أن نسبة العمل لأهل الكفر والجاهلية دال على      النهي . 
    هذا ، وقد رد بعض أهل العلم هذا الجواب ؛ لثبوت الحديث من طرق عدة ، وعن عدد من      الصحابة رضوان الله عليهم غير أبي هريرة . 
    قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ : ( ولكن قول عائشة هذا مرجوح ، ولها      ـ رضي الله عنها ـ اجتهاد في رد بعض الأحاديث الصحيحة خالفها فيه غيرها من      الصحابة ، وهي ـ رضي الله عنها ـ لما ظنت أن هذا الحديث يقتضي إثبات الطيرة      التي هي من الشرك لم يسعها غير تكذيبه ورده ، ولكن الذين رووه ممن لا يمكن رد      روايتهم ، ولم ينفرد بهذا أبو هريرة وحده ، ولو انفرد به فهو حافظ الأمة )[14]      . 
    وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ : ( ولا معنى لإنكار ذلك على أبي      هريرة مع موافقته من ذكرنا من الصحابة له في ذلك )[15] . 
    قلت : لم أجد رواية عن أبي هريرة  رضي الله عنه  في إثبات الشؤم في      هذه الأمور سوى ما تضمنته رواية إنكار عائشة رضي الله عنها ، وفيها إبهام      للرجلين اللذين رويا ذلك عن أبي هريرة  رضي الله عنه  ، وما أورده      الهيثمي في مجمع الزوائد وعزاه إلى البزار والطبراني في الأوسط ، وقال : وفيه      بلال بن داود الأودي وهو ضعيف . وعليه فثبوت ذلك عنه محل نظر ، والله أعلم .     
    ثم أيضا ، ثبوت إنكار ذلك عن عائشة رضي الله عنها يجعل هذا الجواب من القوة      بمكان ، ثم إنه ليس فيه رد للرواية ، وإنما هو توجيه لها ، وبيان زيادة مهمة      فيها تزيل الاشتباه في احتمال التعارض مع الروايات الدالة على نفي تأثير الطيرة      في شيء ، والله أعلم . 
    قال الزركشي : ( قال بعض الأئمة : ورواية عائشة في هذا أشبه بالصواب إن شاء      الله تعالى ـ ؛ لموافقتها نهيه عليه الصلاة والسلام عن الطيرة نهيا عاما ،      وكراهتها ، وترغيبه في تركها بقوله « يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب » وهم      الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتكلون )[16] . 
    
    الجواب الثاني :
    حمل رواية الجزم ـ وهي ( الشؤم في ثلاث ... ) ورواية ( إنما الشؤم في ثلاث ...       ـ على رواية التعليق ـ وهي ( إن كان الشؤم في شيء ... ) وما في معناه .
 ـ على رواية التعليق ـ وهي ( إن كان الشؤم في شيء ... ) وما في معناه .
    وقد وردت رواية الجزم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، وأبي هريرة  رضي      الله عنه  ـ فيما تضمنته رواية إنكار عائشة رضي الله عنها ـ . 
    أما رواية التعليق فقد وردت من عدة طرق : من طريق ابن عمر نفسه ، قال : ذكروا      الطيرة عند النبي  صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي  صلى الله عليه      وسلم  : ( إن كان الشؤم في شيء ففي الدر والمرأة والفرس ) .
    ولها شاهد من حديث سهل بن سعد  رضي الله عنه  أن النبي  صلى      الله عليه وسلم  قال : ( إن كان في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن )[17] .
    ومن حديث سعد بن أبي وقاص  رضي الله عنه  أن النبي  صلى الله      عليه وسلم  قال : ( لا عدوى ولا طيرة ولا هام ، إن تكن الطيرة في شيء ففي      الفرس والمرأة والدار )[18] .
    ومن حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي  صلى الله عليه وسلم       قال : ( إن كان شيء ففي المرأة والفرس والمسكن )[19] .
    ومن حديث أنس بن مالك  رضي الله عنه  أن النبي  صلى الله عليه      وسلم  قال : ( لا طيرة ، والطيرة على من تطير ، وإن تك في شيء ففي الدار      والفرس والمرأة )[20] . 
    ومن حديث أبي سعيد الخدري  رضي الله عنه  أن النبي  صلى الله      عليه وسلم  قال : ( لا عدوى ولا طيرة ، وإن كان في شيء ففي المرأة والفرس      والدار )[21] .
    وبذلك يعلم أن رواية التعليق هي الأكثر ، وقد وردت عن عدد من الصحابة رضي الله      عنهم ، مما يدل على أنها هي المحفوظة ، فتحمل رواية الجزم عليها . 
    وبناء على ذلك فليس في الحديث دلالة على إثبات الطيرة في هذه الأمور ، بل هو      موافق للنصوص الدالة على نفي الطيرة ؛ إذ أن المعنى : لو كانت الطيرة مؤثرة في      شيء لكانت في هذه الثلاثة ، أما وإنها ليست كائنة فيها ـ وهي أكثر ما يلازم      المرء ـ فإن الطيرة منفية في غيرها . 
    قال الإمام ابن جرير الطبري : ( وأما قوله  صلى الله عليه وسلم  : «      إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس » فإنه لم يثبت بذلك صحة الطيرة      ، بل إنما أخبر  صلى الله عليه وسلم  أن ذلك إن كان في شيء ففي هذه      الثلاث ، وذلك إلى النفي أقرب منه إلى الإيجاب ؛ لأن قول القائل : إن كان في      هذه الدار أحد فزيد . غير إثبات منه أن فيها زيدا ، بل ذلك من النفي أن يكون      فيها زيد أقرب منه إلى الإثبات أن فيها زيدا )[22] .
    وقال الإمام الطحاوي ـ رحمه الله تعالى ـ عند كلامه على حديث سعد بن أبي وقاص       رضي الله عنه  المتقدم : ( فلم يخبر أنها فيهن ، وإنما قال : إن تكن في      شيء ففيهن ، أي لو كانت تكون في شيء لكانت في هؤلاء ، فإن لم تكن في هؤلاء      الثلاثة فليست في شيء )[23] . 
    وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ : ( والحديث يعطي      بمفهومه أن لا شؤم في شيء ؛ لأن معناه : لو كان الشؤم ثابتا في شيء ما لكان في      هذه الثلاثة ، لكنه ليس ثابتا في شيء أصلا . وعليه فما في بعض الروايات بلفظ »      الشؤم في ثلاثة « فهو اختصار وتصرف من بعض الرواة ، والله أعلم )[24] .
    ومن تأمل رواية البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ لما ذكر رواية ابن عمر ري الله      عنهما ـ وهي بالجزم ـ عقبها برواية سهل بن سعد ـ وهي بالتعليق ـ مما ظاهره ما      تقرر في هذا الجواب ، وهو حمل رواية الجزم على رواية التعليق ، والله أعلم .     
    
    الجواب الثالث :
    تخصيص هذه الثلاثة من عموم ما يتطير به . 
    ورجحه الشوكاني ، فقال : ( فيكون حديث الشؤم مخصصا لعموم حديث » لا طيرة « فهو      في قوة : لا طيرة إلا في هذه الثلاث . وقد تقرر في الأصول أنه يبنى العام على      الخاص مع جهل التاريخ ، وادعى بعضهم أنه إجماع ، والتاريخ في حديث الطيرة      والشؤم مجهول )[25] . 
    ونسبه ابن القيم وابن حجر إلى ابن قتيبة .
    قال ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ : ( وظاهر الحديث أن الشؤم والطيرة في هذه      الثلاث ، قال ابن قتيبة : « ووجهه أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون ، فنهاهم      النبي  صلى الله عليه وسلم  ، وأعلمهم أن لا طيرة ، فلما أبوا أن      ينتهوا بقيت الطيرة في هؤلاء الثلاثة » . قلت : فمشى ابن قتيبة على ظاهره ،      ويلزم من قوله أن من تشاءم بشيء منها نزل به ما يكره ) [26].
    قلت : وكلام ابن قتيبة في « تأويل مختلف الحديث » يرد ذلك ؛ إذ أن مضمونه رد      الطيرة مطلقاً في هذه الثلاث وغيرها ، وحملُ حديث الثلاث على حكاية قول اليهود      أو المشركين على ما قالته عائشة رضي الله عنها ، وحملُ حديث « ذروها ذميمة »      على الرخصة في ترك ما استثقلوه .([27])
    ولذلك فقد وجه القرطبي كلامه السابق الذي نقله ابن حجر ـ وأظنه في مشكل الحديث      كما أشار إليه ابن القيم ـ بما معناه هذا المضمون ، فقال : ( ولا يظن بمن قال      هذا القول أن الذي رخص فيه من الطيرة بهذه الأشياء الثلاثة هو على نحو ما كانت      الجاهلية تعتقده فيها وتفعل عندها ، فإنها كانت لا تقدم على ما تطيرت به ؛ بناء      على أن الطيرة تضر مطلقا ، فإن هذا ظن خطأ ، وإنما يعني بذلك أن هذه الثلاثة هي      أكثر ما يتشاءم الناس بها لملازمتهم إياها ، فمن وقع في نفسه شيء من ذلك أباح      الشرع له أن يتركه ويستبدل به غيره مما تطيب به نفسه ويسكن له خاطره ) [28] .     
    وعموماً فالجواب الذي تتفق فيه الروايات في المعنى أولى من هذا الجواب الذي      يتقرر به التعارض ، فيلجأ به إلى التخصيص . 
    
    الجواب الرابع :
    أن التطير واقع على من تطير ، استدلالا بحديث أنس  رضي الله عنه  أن      النبي  صلى الله عليه وسلم  قال : ( لا طيرة ، والطيرة على من تطير      .. )[29] . 
    فقالوا : الشؤم بهذه الأشياء إنما يلحق من تشاءم بها وتطير بها ، فيكون شؤمها      عليه ، ومن توكل على الله ولم يتشاءم بها ولم يتطير لم تكن مشؤومة عليه ، فقد      يجعل الله تعالى تطير العبد وتشاؤمه سببا لحلول المكروه به ، كما يجعل الثقة      والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر      المتطير به .[30]
    قلت : والاستدلال بحديث أنس على ذلك فيه نظر ؛ إذ أن هذا الاستدلال يفيد إثبات      الطيرة على كل من تطير ، مع أن أول الحديث نفي لذلك . 
    قال الإمام ابن عبدالبر ـ رحمه الله تعالى ـ في بيان ذلك : ( فإن قال قائل : قد      روى زهير بن معاوية عن عتبة بن حميد ... ـ وذكر حديث أنس  رضي الله عنه       ـ .. وقال : هذا يوجب أن تكون الطيرة في الدار والمرأة والفرس لمن تطير . قيل      له ـ وبالله التوفيق ـ : لو كان كما ظننت لكان الحديث ينفي بعضه بعضا ؛ لأن      قوله » لا طيرة « نفي لها ، وقوله » والطيرة على من تطير « إيجاب لها ، وهذا      محال أن يظن بالنبي  صلى الله عليه وسلم  مثل هذا من النفي والإثبات      في شيء واحد ووقت واحد ، ولكن المعنى في ذلك : نفي الطيرة بقوله » لا طيرة « ،      وأما قوله » والطيرة على من تطير « فمعناه : إثم الطيرة على من تطير بعد علمه      بنهي النبي  صلى الله عليه وسلم  عن الطيرة ، وقوله فيها « إنها شرك      ، وما منا إلا ، ولكن الله يذهبه بالتوكل » ، فمعنى هذا الحديث عندنا ـ والله      أعلم ـ أن من تطير فقد أثم ، وإثمه على نفسه في تطيره ؛ لترك التوكل وصريح      الإيمان ؛ لأنه يكون ما تطير به على نفسه في الحقيقة ؛ لأنه لا طيرة في الحقيقة       [31] .
[31] . 
    
    الجواب الخامس : 
    أن المعنى هو إخبار عن الأسباب المثيرة للطيرة الكامنة في الغرائز ، وأنها بهذه      الثلاث ، أخبر بها ليحذر منها ، فالحوادث التي تكثر مع هذه الأشياء والمصائب      التي تتوالى عندها تدعو الناس إلى التشاؤم بها .[32]
    فالمعنى : أن أكثر ما يقع الشؤم عند الناس هو بهذه الأمور الثلاثة ؛ وذلك لطول      الملازمة ، ووقوع المصاحبة ، فمن تشاءم بشيء من هذه الأمور فقد شابه أهل      الجاهلية . 
    
    الجواب السادس :
    أن هذه الثلاث تكون في الغالب محال وظروف لحصول المكروه للمرء بحكم طول      الملازمة والمصاحبة ، فيكون المحل حين يقع المكروه عنده ملازما لذلك المكروه ،      فيقع الشؤم بذلك ، لا أن ذلك المحل هو السبب لوقوع ذلك المكروه . 
    فالمعنى منصرف إلى كون هذه الثلاث قد يقع الشؤم بها لكونها محالا لوقوع المكروه      ، وقد تقرر النهي عن الطيرة والتشاؤم من قوله وفعله  صلى الله عليه وسلم       . 
    قال الإمام الخطابي ـ رحمه الله تعالى ـ : ( وإنما هذه الأشياء محال وظروف جعلت      مواقع لأقضيته ، ليس لها بأنفسها وطباعها فعل ولا تأثير في شيء ، إلا أنها لما      كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الناس ، وكان الإنسان في غالب أحواله لا يستغني      عن دار يسكنها وزوجة يعاشرها وفرس يرتبطه ، وكان لا يخلو من عارض مكروه في      زمانه ودهره ، أضيف اليمن والشؤم إليها إضافة مكان ومحل ، وهما صادران عن مشيئة      الله سبحانه )[33] .
    
    الجواب السابع :
    أن المراد بذلك ليس ثبوت الشؤم في هذه الأمور مطلقا ، وإنما ما يكون منها من      أعيان ممحوقة البركة ، فيكون الشر غالبا فيها ، وهي لطول ملازمة المرء لها يظل      أثر ذلك ملازما له ، فيقضي حياته معذبا بذلك . 
    والإسلام جاء رحمة للعباد ، فرخص لمن هذه حاله مفارقة ما يكون شؤمه غالبا على      نفسه ؛ حتى تطيب نفسه ، ويزول عنه ما يكره . 
    ولذلك فليس المقصود بذلك مطلق المرأة ومطلق الدار ومطلق الفرس ، كيف والنبي       صلى الله عليه وسلم  قد أمر الذين تشاءموا من دارهم بالتحول إلى دار غيرها      ! وكذلك لا يمكن أن يعيش المرء بلا دار ، ولم يكن هذا في الشرع أبدا ! 
    وكذلك قد أخبر النبي  صلى الله عليه وسلم  أن الدنيا متاع وخير      متاعها المرأة الصالحة ، وقد شرع لأمته أن يتزوجوا ، وحث الشباب على ذلك ، فلو      كانت كل امرأة مشؤومة لكان في هذا إبطال لذلك كله . 
    وكذلك الخيل قد أخبر  صلى الله عليه وسلم  أنها تكون مباركة لصاحبها      حين يراعي حق الله تعالى فيها ، فقال : ( الخيل لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى      رجل وزر ، فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال بها في مرج أو روضة      فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات ، ولو أنه انقطع      طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ، ولو أنها مرت بنهر      فشربت منه ولم يرد أن يسقي كان ذلك حسنات له ، فهي لذلك أجر ، ورجل ربطها تغنيا      وتعففا ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك ستر ، ورجل ربطها فخرا      ورياء ونواء لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر )[34] .
    وقال عليه الصلاة والسلام : ( البركة في نواصي الخير )[35] .
    فالمراد إذً ليس هو مطلق هؤلاء الثلاث ، وإنما ما قد يكون في ذلك من السوء مما      يجعله شؤما ملازما لمن صاحبه . 
    ومما يدل على ذلك ما رواه سعد بن أبي وقاص  رضي الله عنه  أن النبي       صلى الله عليه وسلم  قال : ( من سعادة ابن آدم ثلاثة ، ومن شقوة بن آدم      ثلاثة ، من سعادة بن آدم : المرأة الصالحة ، والمسكن الصالح ، والمركب الصالح ،      ومن شقوة بن آدم : المرأة السوء ، والمسكن السوء ، والمركب السوء )[36] .
    فالحديث دال دلالة صريحة على معنى الشؤم الذي يكون بهؤلاء الثلاث ، وأنه ليس من      الرمي بالغيب كما هو حال الطيرة والشؤم المنهي عنه ، ولكنه سبب بيّن معلوم ،      كما لو قلت : المعاصي شؤم على مرتكبها ، وسوء الخلق شؤم على صاحبه ، والابن      العاق شؤم على والديه ... وهكذا . 
    فما دام أن الشؤم الذي قد يقع بهؤلاء الثلاث قد جاء مفسرا بما هو سبب ظاهر له      فلا يكون من باب الطيرة التي كان عليها أهل الجاهلية ، والتي هي من القذف      بالغيب ، وخوض المرء بما ليس له به علم ، ولا له عليه دليل من الوحي المنزل أو      الأسباب القدرية التي جعلها الله تعالى سننا للعباد يربطون بها الأسباب      بمسبَّباتها . 
    ولقد جاء عن بعض السلف تفسير ذلك الشؤم المذكور في هذه الثلاث ، فقد روى      عبدالرزاق في مصنفه عن معمر : سمعت من يفسر هذا الحديث يقول : شؤم المرأة إذا      كانت غير ولود ، وشؤم الفرس إذا لم يغز عليه ، وشؤم الدار جار السوء .[37]
    قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ : ( وبالجملة فإخباره بالشؤم أنه      يكون في هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها ، وإنما غايته أن الله      سبحانه قد يخلق منها أعيانا مشؤومة على من قاربها وسكنها ، وأعيانا مباركة لا      يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر ، وهذا كما يعطى سبحانه الوالدين ولدا مباركا      يريان الخير على وجهه ، ويعطى غيرهما ولدا مشؤما نذلا يريان الشر على وجهه ،      وكذلك ما يعطاه العبد من ولاية أو غيرها ، فكذلك الدار والمرأة والفرس ، والله      سبحانه خالق الخير والشر ، والسعود والنحوس ، فيخلق بعض هذه الأعيان سعودا      مباركة ويقضى سعادة من قارنها وحصول اليمن له والبركة ، ويخلق بعض ذلك نحوسا      يتنحس بها من قارنها ، وكل ذلك بقضائه وقدره كما خلق سائر الأسباب وربطها      بمسبباتها المتضادة والمختلفة ، فكما خلق المسك وغيره من حامل الأرواح الطيبة      ولذذ بها من قارنها من الناس ، وخلق ضدها وجعلها سببا لإيذاء من قارنها من      الناس ، والفرق بين هذين النوعين يدرك بالحس ، فكذلك في الديار والنساء والخيل      ، فهذا لون والطيرة الشركية لون آخر )[38] .
    
    قلت : وأظهر ما تقدم من جواب هو في الأول والثاني والسابع ، والله تعالى أعلم .     
    وبذا يصان الحديث عن الظنون الكاذبة التي يدعيها الأعداء ويقبلها الجهلاء . 
    والله ولي التوفيق . 
    
    -------------------------------------
    [1]) رواه البخاري في الطب ـ باب لا عدوى ـ رقم 5772 ، ومسلم في السلام ـ باب      الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم ـ رقم 2225 عن ابن عمر رضي الله عنهما . 
    [2]) البخاري في النكاح ـ باب ما يتقى من شؤم المرأة ـ رقم 5093 ، ومسلم في      السلام ـ باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم ـ رقم 2225 عن ابن عمر رضي الله      عنهما . 
    [3]) البخاري في النكاح ـ باب ما يتقى من شؤم المرأة ـ رقم 5094 ، ومسلم في      السلام ـ باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم ـ رقم 2225 عن ابن عمر رضي الله      عنهما . .
    [4]) مسلم في السلام ـ باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم ـ رقم 2225 عن ابن      عمر رضي الله عنهما . 
    [5]) مسلم في السلام ـ باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم ـ رقم 2225 عن      جابر  رضي الله عنه  . 
    [6]) مالك في الموطأ ـ كتاب الاستئذان ـ باب ما يتقى من الشؤم 2/972 ،      وعبدالرزاق في المصنف 10/411 . 
    [7]) رواه أحمد في المسند 6/150 ، 240 ، والطحاوي في مشكل الآثار 1/341 . 
    [8]) رواه أحمد في المسند 6/246 ، والحاكم في المستدرك 2/521 وصححه ووافقه      الذهبي . وصححه الألباني كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/594 . 
    [9]) رواه أبو داود الطيالسي في مسنده ص 215 ورقم 1537 ، والطبراني في مسند      الشاميين 4/343 . 
    [10]) السلسلة الصحيحة 2/594 
    [11]) انظر : تقريب التهذيب لابن حجر ص 559 . 
    [12]) انظر : تهذيب التهذيب لابن حجر 9/367 . 
    [13]) تهذيب الآثار 3/27 رقم 70 . 
    [14]) مفتاح دار السعادة 2/254 . 
    [15]) فتح الباري 6/61 .
    [16]) الإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة ص 128 . 
    [17]) رواه البخاري في الجهاد والسير ـ باب ما يذكر من شؤم الفرس ـ رقم 2859 ،      ومسلم في السلام ـ باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم ـ رقم 2226 . 
    [18]) رواه أحمد في المسند 1/180 ، وابن حبان في صحيحه 13/497 ، والطحاوي في      شرح معاني الآثار 4/313 . 
    [19]) تقدم تخريجه ص 
    [20]) رواه ابن حبان في صحيحه 13/492 . 
    [21]) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/314 . 
    [22]) نهذيب الآثار 3/34 . 
    [23]) شرح معاني الآثار 4/314 . 
    [24]) سلسلة الآحاديث الصحيحة 443 . 
    [25]) نيل الأوطار 7/209 . 
    [26]) فتح الباري 6/72 ، وانظر مفتاح دار السعادة لابن القيم 2/256 . 
    [27] انظر : مختلف الحديث لابن قتيبة ص 104 وما بعدها . 
    [28]) المفهم 5/629 . 
    [29]) تقدم تخريجه ص 
    [30]) انظر : مفتاح دار السعادة 2/256 . 
    [31]) التمهيد 9/284 . 
    [32]) انظر : مفتاح دار السعادة 2/257 . 
    [33]) أعلام الحديث للخطابي 2/1379 . 
    [34]) رواه البخاري في المساقاة ـ باب شرب الناس والدواب من الأنهار ـ رقم 2371      ، ومسلم في الزكاة ـ باب إثم مانع الزكاة ـ رقم 987 عن أبي هريرة  رضي      الله عنه  . 
    [35]) رواه البخاري في الجهاد والسير ـ باب الجهاد معقود في نواصيها الخير إلى      يوم القيامة ـ رقم 2851 ، ومسلم في الإمارة ـ باب الخيل في نواصيها الخير إلى      يوم القيامة ـ رقم 1874 . 
    [36]) رواه أحمد في المسند 1/168 وأبو داود الطيالسي في مسنده ص 29 رقم 210 ،      والحاكم في المستدرك 2/157 وصححه ووافقه الذهبي . 
    [37]) مصنف عبدالرزاق 10/411 . 
    [38]) مفتاح دار السعادة 2/257 .
 
          
    هل في المرأة شؤم      ؟!
     
           د. عبدالله بن      عبدالرحمن الهذيل
http://www.saaid.net/female/0187.htm