الموضوع: الأخفياء
عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 14-04-2010, 06:34 PM   #2
معلومات العضو
الطاهرة المقدامة
إدارة عامة

افتراضي


]عقبات في طريق الأخفياء[
انتبه لهذه العقبات، والعقبات في طريق الأخفياء – يا أخي الحبي وأختي المسلمة- كثيرة جداً، فالحديث عن الرياء والعجب وغيرهما مما ينافي الإخلاص طويل جداً، ولكن أسوق هنا عقبتين من هذه العقبات للاختصار:

العقبة الأولى.
هو ما ذكره أبو حامد الغزالي في كتابه الإحياء –رحمه الله تعالى – حيث قال أثناء ذكره للرياء الخفي قال:
(وأخفى من ذلك أن يختفي العامل بطاعته بحيث لا يريد الاطلاع عليه ولا يسر بظهور طاعته، ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يبدؤوه بالسلام.
ويقابلوه بالبشاشة والتوقير.
وأن يثنوا عليه وأن ينشطوا في قضاء حوائجه.
وأن يسامحوه في البيع والشراء، وأن يوسعوا له في المكان.
فإن قصر مقصر ثقل ذلك على قلبه، ووجد في ذلك استبعادا في نفسه كأنه يتقاضى الاحترام والطاعة التي أخفاها، كأنه يريد ثمن هذا السر الذي بينه وبين الله احترام الناس، وهو لم يظهر العمل، والعمل الخفي بينه ويبن ربه، ولكنه ( ما دام أنه عمل ) نظر لنفسه.
فيريد أن يكسب هذه الأمور من الناس ، فإن قصر الناس في هذه الأمور، إذا استبعد نفسه ونظر لحله ، ولو لم يكن قد سبق منه تلك الطاعة لما كان يستبعد تقصير الناس في حقه).
إلى آخر كلامه .
هذه الصورة ، وصورة أخرى من العقبات في طريق الأخفياء.
وهي ما أشار إليها ابن رجب عندما قال – رحمه الله تعالى - :
(وهنا نكتة دقيقة ، وهي الإنسان قد يذم نفسه بين الناس، يريد بذلك أن يرى الناس أنه متواضع عند نفسه ، فيرتفع بذلك عندهم ، ويمدحونه به، وهذا من دقائق أبواب الرياء ، وقد نبه عليه السلف الصالح، قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: (كفى بالنفس إطراء أن تذمها على الملأ، وكأنك تريد بذمها زينتها ، وذلك عند الله سفه).
ما المعيار في الإخلاص والرياء ؟

ما هو المعيار في الإخلاص ؟ والمعيار في الرياء ؟
ولا بد أن ننتبه لهذا الأمر ولعلكم تتساءلون ، إذا فالقضية حساسة والقضية تصيب النفس بالخواطر والهواجس.
وقد ينشغل الإنسان بملاحظة نفسه في هذا الباب.
إذا ما هو المعيار والميزان والضابط في أن أعرف أني مخلص أو غير مخلص؟
ذكر ذلك أهل العلم فبينوا:
أن الضابط في الإخلاص هو استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن.
أن تستوي أعمالك في ظاهرك وباطنك، هذا معيار الإخلاص.
وأن الضابط في الرياء أن يكون ظاهرك خير من باطنك.
أما الصدق والإخلاص أن يكون الباطن خير من الظاهر
ما بال هذا الرجل يأتيك؟ وكانت لا تعرف أن الرجل الذي يأتيها هو عمر بن الخطاب –رضي الله عنه وأرضاه- قالت العجوز العمياء المقعدة:
إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا بما يصلحني، ويخرج الأذى عن بيتي. أي يكنس بيتها ويقوم بحالها، ويرعاها عمر –رضي الله عنه وأرضاه-.
ولن نعجب أن رئيس الدولة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب يفعل ذلك، فكم من المرات فعل ذلك عمر بن الخطاب –رضي الله عنه وأرضاه-، فهذه الموقف ليست عجبا في حياة عمر. ولكن نعجب من شدة إخفاء عمر لهذا العمل حتى لا يراه أحد، وفي الليل، وفي سواد الليل، ويمشي لواذا خشية أن يراه أحد فيفسد عليه عمله الذي هو سر بينه وبين الله .
ومثل ذلك سار عليه أيضا زين العابدين –رضي الله عنه وأرضاه-، علي بن الحسين ، فقد ذكر الذهبي في السير وابن الجوزي في صفة الصفوة:
أن علي ابن الحسين كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به، ويقول:
(إن الصدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل).
وهذا الحديث مرفوع إلى النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- من طرق كثيرة لا تخلوا أسانيدها من مقال، ولكنها بمجموع الطرق صحيحة، وقد صحح ذلك الألباني في الصحيحة.
وأن عمر بن ثابت قال:
لما مات علي بن الحسين فغسلوه، جعلوا ينظرون إلى أثار السواد في ظهره فقالوا ما هذا؟
فقالوا كان يحمل جرب الدقيق (أكياس الدقيق) ليلا على ظهره، يعطيه فقراء المدينة.
وذكر ابن عائشة قال: قال أبي:
(سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين).
رضي الله عنه وأرضاه.
وعن محمد بن عيسى قال: كان عبد الله بن المبارك كثير الاختلاف إلى (طرسوس).
وكان ينزل الرقة في خان (يعني فندق)، فكان شاب يختلف إليه، ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث، قال فقدم عبد الله الرقة مرة فلم يرى ذلك الشاب، وكان مستعجلا( أي عبد الله بن المبارك)، فخرج في النفير (أي إلى الجهاد).
فلما قفل من غزوته، ورجع إلى الرقة، سأل عن الشاب.
فقالوا إنه محبوس لدين ركبه.
فقال عبد الله وكم مبلغ دينه ؟
فقالوا عشرة آلاف درهم.
فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال، فدعا به ليلا ووزن له عشرة آلاف درهم،وحلفه ألا يخبر أحد مادام عبد الله حيا، وقال إذا أصبحت فأخرج الرجل من الحبس.
وأدلج عبد الله (أي سار في آخر الليل).
وأخرج الفتى من الحبس وقيل له عبد الله بن المبارك كان هاهنا وكان يذكرك، وقد خرج.
فخرج الفتى في أثره، فلاحقه على مرحلتين أو ثلاثة من الرقة.
فقال يا فتى ( عبد الله بن المبارك يقول للفتى ) أين كنت؟.
أنظر عبد الله يتصانع –رضي الله عنه وأرضاه- أنه ما علم عن حال الفتى فقال عبد الله المبارك : يا فتى أين كنت؟ لم أرك في الخان.
نعم يا أبا عبد الرحمن كنت محبوسا بدين.
وكيف كان سبب خلاصك؟
قال : جاء رجل وقضى ديني ولم أعلم به حتى أخرجت من الحبس فقال له عبد الله: يا فتى احمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك.
فلم يخبر ذلك أحد إلا بعد موت عبد الله .
الأخفياء والعبادة.

في الصلاة مثلا قالت امرأة حسن بن سنان:
كان يجيء – أي حسان- فيدخل معي في فراشي ثم يخادعني كما تخادع المرأة صبيها فإذا علم أني نمت سل نفسه فخرج، ثم يقوم فيصلي.
قالت فقلت له يا أبا عبد الله، كم تعذب نفسك، أرفق بنفسك.
فقال اسكتي ويحك ، فيوشك أن أرقد رقدة لا أقوم منها زمانا.
وعن بكر بن ماعز قال: ما رئي الربيع متطوعاً في مسجد قومه قط إلا مرة واحدة.
وفي الصيام:
فمن أعجب المواقف ما ذكره الذهبي في السير، قال الفلاس، سمعت ابن أبي علي يقول: (صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله، كان خزازاً يحمل معه غذائه فيتصدق به في الطريق.)، وكان بعضهم إذا أصبح صائما أدهن، ومسح شفتيه من دهنه حتى ينظر إليه الناظر فلا يري أنه صائم.
وفي قراءة القرآن ، ذكر اين الجوزي في صفوة الصفوة. عن سفيان قال
فلم يبقى في المدينة دارا أعلمها إلا طلبته فيها، فلم أجده.
-رحمه الله- خشية أن يفتضح عمله ولأجل أنه عُرف خرج من المدينة كلها، وهو يريد أن يكون السر بينه وبين الله.
يا أختي الحبيب يا أختي المسلمة.
أترك لكم هذه القصة العجيبة ، أتركها لكم لتعيش معها، ولتقفوا معها، انظروا إليها وانظروا إلى أنفسكم، لنرى من أنفسنا عجبا.
ذكر الذهبي في السير بإسناده إلى جبير بن نفير، أنه سمع أبا الدرداء وهو في آخر صلاته ، وقد فرغ من التشهد، يتعوذ بالله من النفاق، فأكثر التعوذ منه، فقال له جبير:
(ومالك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟
فقال دعنا عنك، دعنا عنك، فوالله إن الرجل يقلب عن دينه في الساعة الواحدة، فيخلع منه). وقال الذهبي في إسناده الصحيح..
الأخفياء والجهاد.

أما الأخفياء والجهاد ، فقد ذكر الذهبي عن أبي حاتم الرازي، قال:
(حدثنا عبدة بن سليمان المروزي، قال كنا سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو قلما التقى الصفان خرج رجل من العدو، فدعا إلى البراز.
فخرج إليه رجل فقتله، ثم آخر فقتله، ثم آخر فقتله.
ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل من المسلمين فطارده سعد فطعنه فقتله.
( أي الرجل من المسلمين قتل وطعن الرجل من العدو).
فازدحم إليه الناس ، فنظرت فإذا هو عبد الله بن المبارك، وإذا هو يكتم وجهه بكمه ، فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو هو، فقال (أي عبد الله أبن المبارك لعبدة بن سلمان) وأنت يا أبا عمر ممن يشنع علينا،) يعني (يفضحنا).
وعن عبيدة الله بن عبد الخالق قال:
(سبى الروم نساء مسلمات، فبلغ الخبر الرق وبها هارون الرشيد أمير المؤمنين.
فقيل لمنصور بن عمار أحد العلماء :
لو اتخذت مجلسا بالقرب من أمير المؤمنين، فحرضت الناس عل الغزو.
ففعل منصور بن عمار، وبينما هو يذكر الناس ويحرضهم يقول:
إذا نحن بخرقة مسرورة مختومة قد طرحت إلى منصور بن عمار، وإذا بكتاب مضمون إلى الصرة، ففك الكتاب ، فقرأه فإذا فيه:
إني امرأة من أهل البيوتات من العرب بلغني ما فعل الروم بالمسلمات وسمعت تحريضك الناس على الغزو وترغيبك في ذلك.
فعمدت إلى أكرم شيء من بدني وهما ذؤابتي (يعني جديلتي) فقطعتهما وصررتهما في الخرقة المختومة فأناشدك بالله العظيم لما جعلتهما قيد فرس غاز في سبيل الله.
فلعل الله العظيم أن ينظر إلي على تلك الحال، فينظر إلى نظرة فيرحمني بها.
قال: فبكى منصور بن عمار وأبكء الناس.
وأمر هارون الرشيد أن نيادي بالنفير، فغزا بنفسه فأنكى بالروم، وفتح الله عليه).
وقد كان عبد الله بن المبارك يردد هذه الأبيات دائما يقول:
كيف القرار وكيف يهدأ المسلم........والمسلمات مع العدو المعتدي

الضاربات خدودهن برنة..............الداعيات نبيهن محمد
القائلات إذا خشين فضيحة...........جهد المقالة ليتنا لم نولد
ما نستطيع وما لها من حيلة...........إلا التستر من أخيها باليد.
أسوق هذا الموقف لنسائنا الصالحات، لينظرن إلى المرأة المسلمة إذا أخلصت إلى الله وكان همها العمل لله، فإنها دائما تبحث عن العمل.
أيا كان هذا العمل لا يقف آمالها ذلك السؤال ماذا أعمل؟
وماذا أفعل وماذا بيدي أن أصنع ؟
فإن من اهتم لأمر عمل وفكر بالعمل، ووجد ماذا يعمل.
هذه المرأة عملت وسمعت واهتمت واحترق قلبها فما كان منها إلا أن قدمت جديلتيها، أكرم شيء في بدنها حتى يصنعوا من هاتين الجدلتين قيد فرس غازي في سبيل الله.
وقل ماذا قدمتي أيها المسلمة للمسلمات وأنت تسمعين الروم كيف يفعلن بهن ؟
ومذا قدمت يا أخي الحبيب؟ وماذا فعلنا؟
وماذا فعلتي للمسلمين في كل مكان؟
والروم وغيرهم ترون وتسمعون، بل وعلى مسامع العالم كله ماذا يفعل بالمسلمات .
الأخفياء والعلم.

جاء في ترجمة الإمام الماوردي – رحمه الله- كما ذكر ذلك ابن خلكان في كتابه ((وفيات الأعيان)) ، قال:
إن الماوردي لم يظهر شيء من تصانيفه في حياته وإنما جمعها كلها في موضع، فلما دنت وفاته قال لشخص يثق إليه:
فقد رأيتم وسمعتم أولئك الثلاثة وتلك الطاعات العظيمة، التي أصبحت وابلا على أصحابها، فكانوا أول ثلاثة تسعر بهم النار يوم القيامة والعياذ بالله.
فقولوا ورددوا وصيحوا بأعلى أصواتكم لمن لم يكن صادقا في عمله، وفي دعوته، وفي أفعاله كلها: لا يتعبن، لا يتعب نفسه .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة