ورواحك، وفي جميع شؤونك، تحاسبها ما دمت في دار الحساب، كما يقول عمر رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا لليوم الذي تعرضون فيه على الله -سبحانه وتعالىٰ- إذ أنَّ اليوم عملٌ ولا حساب وغدًا حسابٌ ولا عمل". فانتبه يا عبد الله!
((يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ)) .
فهلاَّ انتبهت لهذا أخي عبد الله؟! أم أنه جاءك المسوِّف الذي يريد أن يجعلك تخرج من هذه الدنيا بِخُفَّيَّ حُنَيْن، ولم تقدم لآخرتك شيئًا، انظر تأمل الآية: ﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾ .
عندما يقول للحيوانات بعد أن يقتص لبعضها من بعض، ثم يقول لها: كوني ترابًا، يحزن ذلك المقصر في جنب الله فيقول: يا ليتني كنت ترابًا! قبل أن تجب عليَّ الأعمال.
لذلك فإن مراقبة الله -جلَّ وعلا- أهمُّ عملٍ وأهم أمرٍ ينبغي للمسلم أن يتنبَّه له، ثم إن مراقبتك لله سوف تجني ثمارها عاجلاً أم آجلاً؛ بل ربما احتجت إليها في مقامك العاجل، فما بالك بالآجل! وهو الأجر العظيم عند الله -سبحانه وتعالىٰ-.
فقد روى عبد الله ابن عمر في الصحيحين أنَّه قال: ((انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ، انحدرت صخرة فسدت عليهم باب الغار
فماذا يفعلون والحال هذه؟ يستغيثون بفلان وعلاَّن؟ يلجئون إلى الموتىٰ في قبورهم؟
ها يا عبد الله!؟ يقولون: سيدي فلان أغثني يا سيدي فلان؟!
يمدُّون أيديهم إلى الموتى في قبورهم أو إلى الأحياء؟! كل ذلك لا يجدي نفعًا، حتى لو كان الذي مُدت إليه اليد نبيًا من الأنبياء أو ملكًا من الملائكة؛ فإنهم لا ينفعون عند الله -عزَّ وجلَّ- بهذه الطريقة، ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ ﴿مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ﴾
فانتبه ! ماذا يفعل هؤلاء؟
لكنهم رجال صالحون، ما كانوا متعلقين بفلان ولا علان، قال بعضهم لبعض: [لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ] تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ.
ما قالوا: مدد يا فلان! ولا شلِلَّه يا فلان! ولا أغثني يا فلان! لأنهم يعلمون أنه لا ملجأ من الله إلاَّ إليه.
فقام الأول وتذكر، وقال: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ-يعني أبوه وأمه- وَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالاً، فتأخرت ذات ليلة أتتبَّع الشجر والكلأ -يعني لدوابه ومواشيه- فجئت لأغبِقهما؛ -والغَبوق: هو شرب اللبن ليلاً، والصَّبوح: شرب اللبن صباحاً- قال: فجئت لأغبقهما؛ -أي: ليسقيهما اللبن- فوجدتهما قد ناما -وجد أمه وأباه قد ناما-. يقول الرجل: فوقفت بالإناء على رأسيهما والصبية يتضاغَون تحتي – أولاده يبكون، يريدون الحليب؛ لكنه لا يريد أن يقدم أحدًا على والديه.
ليس مثل بعضنا الآن يترك والديه من أجل خاطر امرأته، أو يرميهما في دار الرعاية من أجل خاطر امرأته، حتى لا تغضب عليه المدام! كما يسمونها، حتى اللغة غيَّروها! لا يعرفون اللغة العربية.