الموضوع: عبارة الموت !!!
عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 14-02-2006, 05:17 PM   #1
معلومات العضو
مسك الختام
اشراقة ادارة متجددة

Unhappy عبارة الموت !!!


يا لها من قصيدة دامية تحكي حال أحد الناجين من ركاب عبَّارة الموت ...


أصارعُ في الأمواج خوفي ورَهْبتي **** وأسأل رَبِّي أنْ يفرِّج كربتي

أرى الموتَ من كلِّ الجهات يحيط بي **** فأغمض من هول المصيبة مقلتي

سأروي لكم بعض الذي كان، إنها **** لأعجبُ مأساةٍ، وأغربُ قِصَّةِ

وقفنا على عبَّارة الموتِ بُرْهةً **** لنا اللهُ من أقسى وأطولِ بُرْهةِ

نظرتُ إلى أهلي، فَدَيْتُ عيونهم **** تبادلني بالحزنِ أعمقَ نظْرةِ

فكان حديثاً بالعيون محمَّلاً **** بحزنٍ وآلامٍ وإحساسِ فُرْقَةِ

وقفنا سوياً وقفةً لو وصفتُها **** لأعجزني وصفٌ لأقصرِ وقْقةِ

وما هي إلا لحظة طار بعدَها **** صوابي وإحساسي وعزمي وهمَّتي

تهاوى مئاتُ الناس من كل جانبٍ **** إلى البحر تمضي فِرقةً بعد فِرقةِ

قَفَزْتُ مع الأحباب قَفْزةَ هاربٍ **** يُواجه ما يَلْقى بذهنٍ مُشتَّتِ

إلى أين؟ لا أدري إلى أين، إننا **** نَفرُّ إلى موجٍ وحوتٍ ولُجةِ

تلقَّفنا الموجُ الرهيب، فلا أبي **** رأيتُ ولا أُمِّي الرَّؤُوم، وإخوتي

صرختُ وكرَّرتُ النداءَ فلم أجد سوى **** صرخاتِ الموج تلطم صرختي

وأصبحتُ وحدي في الخِضمِّ يَهُولُني **** من البحر ما يقضي على كلِّ فَرْحةِ

فمن سابحٍ مثلي بطوق نجاته **** ومن شاخص العينين حولي وميِّتِ

ومن رافعٍ إحدى يديه ملوِّحاً **** تخطَّفه موجٌ فألْهبَ حسرتي

سبحنا سويّاً ساعةً من جراحنا **** فكان أنيسي في غياهبِ ظُلْمتي

فلما تراخى عزمُه غاص واختفى **** فللهِ ما عانيتُ من جَوْر وحشتي

أمامي طواه الموج والموت وانتهى **** أمامي غريقاً مُشْعلاً نار زفرتي

تَلَفتُّ، ما أقسى تلفُّتَ خائفِ **** تراقبه المأساةُ في كلِّ لَفْتةِ

تلاقى أمامي الليل والبحر والأسى **** وموجٌ يُريني هَجْمةً إثْر هَجْمةِ

فلا تسألوا عن خنجر اليأس طاعناً **** صمودي وصبْرَ القلب أسْوأ طَعْنةِ

أقوِّي فؤادي بالرجاء هُنيْهةً **** فلما يثور البحر تنهار قوَّتي

أحدِّث نفسي بالنَّجاة فأنتشي **** وفي لمْحةٍ تُنهي المعاناة نَشْوتي

نسيتُ - وربِّ الموج - معنى سعادتي **** ومعنى رضا قلبي وأُنْسي وبسمتي

تلاشتْ معاني الوقت والعمر وانتهتْ **** حكاية أحلامي وآفاقُ رغبتي

وأصبحت الدنيا كحُلمٍ بلا مَدَى ****وهان أمام الموت علمي وثروتي

ألا بئسما هذي الحياة ولهوها **** وبئس بلهوي في الحياةِ وغفلتي

ألا ما أشدَّ الموت صوتاً وصورةً **** تراءتْ لعيني منه أعجبُ صُورةِ

هنا صار ذكرُ الله أعظم ثروةٍ **** وقيمةُ تقْوى الله أعظم قيمةِ

أقول، وقد شاهدتُ ما لم أكنْ به **** محيطاً، وقد واجهتُ أعظمَ صَدْمةِ

ألا ليت أهلَ البغْي في الأرضِ لامسوا **** من البحر والأمواج سرَّ المنيةِ

فيا ربَّما عادوا إلى الحقِّ عَوْدةً **** وتابوا إلى الرحمن أجملَ تَوْبةِ

نعم ، إنَّها عبَّارة الموتِ لم تزْل **** تحرِّك في قلبي شجوني ولوعتي

أحاط بها الإهمال من كلِّ جانبٍ **** فصارت كسَيْفٍ للحقيقة مُصْلتِ

مَنِ القاتلُ الجاني؟ سؤالٌ معلَّقٌ **** على بابِ إنصافٍ وعدْلٍ وحكمةِ

رُكامٌ من الإهمالِ ما زال جاثماً **** بما فيه من سوءٍ على صَدْرِ أُمتي

نعم، إنَّها عبَّارةُ الموتِ حوَّلتْ **** حياتي إلى حزنٍ وشوقٍ ودَمْعةِ

أراها بعين الحزن في كل نظْرةٍ **** توجِّهها عيني، وفي كلِّ غَمْضةِ

وتسمعها أذني صَريراً وضَجَّة **** وطقْطَقَةً تُوحي بأعظم نَكْبةِ

ولولا يقيني بالإلهِ، وأنَّها **** مقاديرُ تجري في زمانٍ مُؤقتِ

لطال بقلبي في الأنين مقامُه **** وطالتْ على درْب الجراحات غُرْبتي

عزائي لكم يا مَنْ فقدتم أحبَّةً **** كفقدي أمامَ العينِ أغلى أحبتي

عزاءَ مُحِبٍ، صُورةُ الهولِ لم تَزَلْ **** تلاحقه في كل نومٍ وصَحْوةِ

أقول لكم، والبحر ساقَ دليلَه **** على الموت في أجلى وأوْضحِ عِبْرةِ

رِضانا بما يقضي الإله دليلُنا **** إلى راحةٍ كُبرى وعَفْوٍ وَرَحْمَةِ


شعر : عبد الرحمن صالح العشماوي
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة