عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 20-12-2005, 02:05 PM   #12
معلومات العضو
ناصح أمين
اشراقة ادارة متجددة
 
الصورة الرمزية ناصح أمين
 

 

افتراضي

وجاء في كتاب مفتاح دار السعادة للعلامة ابن القيم رحمه الله :



وأما قوله صلى الله عليه وسلم الشؤم في ثلاث الحديث فهو حديث صحيح من رواية ابن عمر وسهل بن سعد ومعاوية بن حكيم وقد روى أن أم سلمة كانت تزيد السيف يعني في حديث الزهرى عن حمزة وسالم عن أبيهما في الشؤم وقد اختلف الناس في هذا الحديث وكانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تنكر أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وتقول إنما حكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الجاهلية وأقوالهم فذكر أبو عمر بن عبد البر من حديث هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم عن سعيد عن قتادة عن أبي حسان أن رجلين دخلا على عائشة وقالا إن أبا هريرة يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما الطيرة في المرأة والدار والدابة فطارت شقة منها في السماءتنفي الطيرة ولا تعتقد منها شيئا حتى قالت لنسوة كن يكرهن البناء بأزواجهن في شوال ما تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في شوال وما دخل بي إلا في شوال فمن كان احظى مني عنده وكان تستحب أن يدخلن على أزواجهن في شوال قال أبو عمر وقولها في أبي هريرة كذب فإن العرب تقول كذبت بمعنى غلطت فيما قدرت وأوهمت فيما قلت ولم تظن حقا ونحو هذا وذلك معروف من كلامهم موجود في أشعارهم كثيرا قال أبو طالب :

كذبتم وبيت الله نترك مكة ... ونظعن الا أمركم في بلابل

كذبتم وبيت الله نبري محمدا ... ولما نطاعن دونه ونناضل

ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وقال شاعر من همدان :

كذبتم وبيت الله لا تأخذونه ... مراغمة مادام للسيف قائم

وقال زفر بن الحارث العبسي :

أفي الحق إما بحدل وابن بحدل ... فيحي وأما ابن الزبير فيقتل

كذبتم وبيت الله لا تقتلونه ... ولما يكن أمر أغر محجل

قال ألا ترى أن هذا ليس من باب الكذب الذي هو ضد الصدق وإنما هو من باب الغلط وظن ما ليس بصحيح وذلك أن قريشا زعموا أنهم يخرجون بني هاشم من مكة ان لم يتركوا جوار محمد صلى الله عليه وسلم فقال لهم أبو طالب كذبتم أي غلطتم فيما قلتم وظننتم وكذلك معنى قول الهمداني والعبسي وهذا مشهور في كلام العرب قلت ومن هذا قول سعيد بن جبير كذب جابر بن زيد يعني في قوله الطلاق بيد السيد أي أخطأ ومن هذا قول عبادة ابن الصامت كذب ابو محمد لما قال الوتر واجب أي أخطأ وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذب ابو السنابل لما أفتى أن الحامل المتوفى عنها زوجها لا تتزوج حتى تتم لها أربعة أشهر وعشرا ولو وضعت وهذا كثير والمقصود أن عائشة رضي الله عنها ردت هذا الحديث وأنكرته وخطأت قائله ولكن قول عائشة هذا مرجوح ولها رضي الله عنها اجتهاد في رد بعض الحاديث الصحيحة خالفها فيه غيرها من الصحابة وهي رضي الله عنها لما طنت أن هذا احديث يقتضي إثبات الطيرة التي هي من الشرك لم يسعها غير تكذيبه ورده ولكن الذين رووه ممن لا يمكن رد روايتهم ولم ينفرد بهذا أبو هريرة وحده ولو انفرد به فهو حافظ الأمة على الإطلاق وكلما رواه النبي صلى الله عليه وسلم فهو صحيح بل قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسهل بن سعد الساعدى وجابر بن عبد الله الأنصاري وأحاديثهم في الصحيح فالحق أن الواجب بيان معنى الحديث ومباينته للطيرة الشركية



فنقول وبالله التوفيق هذا الحديث قد روى على وجهين أحدهما بالجزم والثاني بالشرط فأما الأول فرواه مالك عن ابن شهاب عن سالم وحمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشؤم في الدار والمرأة والفرس متفق عليه وفي لفظ في الصحيحين عنه لا عدوى ولا صفر ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاثة المرأة والفرس والدار وأما الثاني ففي الصحيحين أيضا عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ففي المرأة والفرس والممكن يعني الشؤم وقال البخاري إن كان في شيء وفي صحيح مسلم عن جابر مرفوعا إن كان في شيء ففي الربع والخادم والفرس وفي الصحيحين عن ابن عمر مرفوعا إن يكن من الشؤم شيء حقا ففي الفرس والمسكن والمرأة وروى زهير بن معاوية عن عتبة بن حميد قال حدثني عبيد الله بن أبي بكر أنه سمع أنسا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طيرة والطيرة على من تطير وإن يكن في شيء ففي المرأة والدار والفرس ذكره أبو عمر .

وقالت طائفة أخرى لم يجزم النبي صلى الله عليه وسلم بالشؤم في هذه الثلاثة بل علقه على الشرط فقال إن يكن الشؤم في شيء ولا يلزم من صدق الشرطية صدق كل واحد من مفرديها فقد يصدق التلازم بين المستحيلين قالوا ولعل الوهم وقع من ذلك وهو أن الراوي غلط وقال الشؤم في ثلاثة وإنما الحديث إن كان الشؤم في شيء ففي ثلاثة قالوا وقد اختلف على ابن عمر والروايتان صحيحتان عنه قالوا وبهذا يزول الإشكال ويتبين وجه الصواب .

إضافة رسول الله صلى عليه وسلم الشؤم إلى هذه الثلاثة مجاز واتساع أي قد يحصل مقارنا لها وعندها لا أنها هي أنفسها مما يوجب الشؤم قالوا وقد يكون الدار قد قضى الله عز وجل عليها أن يميت فيها خلقا من عباده كما يقدر ذلك في البلد الذي ينزل الطاعون به وفي المكان الذي يكثر الوباء به فيضاف ذلك إلى المكان مجازا والله خلقه عنده وقدره فيه كما يخلق الموت عند قتل القاتل والشبع والري عند أكل الآكل وشرب الشارب فالدار التي يهلك بها أكثر ساكنيها توصف بالشؤم لأن الله عز وجل قد قصها بكثرة من قبض فيها كتب الله عليه الموت في تلك الدار حسن إليه سكناها وحركه إليها حتى يقبض روحه في المكان الذي كتب له كما ساق الرجل من بلد إلى بلد للأثر والبقعة التي قضى أنه يكون مدفنه بها .

قالوا وكذلك ما يوصف من طول أعمار بعض أهل البلدان ليس ذلك من أجل صحة هواء ولا طيب تربة ولا طبع يزداد به الأجل وينقص بفواته ولكن الله سبحانه قد خلق ذلك المكان وقضى أن يسكنه أطول خلقه أعمارا فيسوقهم إليه ويجمعهم فيه ويحببه إليهم قالوا وإذا كان هذا على ما وصفنا في الدور والبقاع جاز مثله في النساء والخيل فتكون المرأة قد قدر الله عليها أن تتزوج عددا من الرجال ويموتون معها فلا بد من انفاذ قضائه وقدره حتى أن الرجل ليقدم عليها من بعد علمه بكثرة من مات عنها لوجه من الطمع يقوده إليها حتى يتم قضاؤه وقدره فتوصف المرأة بالشؤم لذلك وكذلك الفرس وإن لم يكن لشيء من ذلك فعل ولا تأثير .

وقال ابن القاسم سئل مالك عن الشؤم في الفرس والدار فقال إن ذلك كذب فيما نرى كم من دار قد سكنها ناس فهلكوا ثم سكنها آخرون فملكوا قال فهذا تفسيره فيما نرى والله أعلم .

وقالت طائفة أخرى شؤم الدار مجاورة جار السوء وشؤم الفرس أن يغزى عليها في سبيل الله وشؤم المرأة أن لا تلد وتكون سيئة الخلق وقالت طائفة أخرى منهم الخطائي هذا مستثنى من الطيرة أي الطيرة منهى عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع والطلاق ونحوه ولا يقيم على الكراهة والتأذي به فإنه شؤم وقد سلك هذا المسلك أبو محمد بن قتيبة في كتاب مشكل الحديث له لما ذكر أن بعض الملاحدة اعترض بحديث هذه الثلاثة .

وقالت طائفة أخرى الشؤم في هذه الثلاثة إنما يلحق من تشاءم بها وتطير بها فيكون شؤمها عليه ومن توكل على الله ولم يتشاءم ولم يتطير لم تكن مشؤمة عليه قالوا ويدل عليه حديث أنس الطيرة على من تطير وقد يجعل الله سبحانه تطير العبد وتشاؤمه سببا لحلول المكروه به كما يجعل الثقة والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به وسر هذا أن الطيرة إنما تتضمن الشرك بالله تعالى والخوف من غيره وعدم التوكل عليه والثقة به كان صاحبها غرضا لسهام الشر والبلاء فيتسرع نفوذها فيه لأنه لم يتدرع من التوحيد والتوكل بجنة واقية وكل من خاف شيئا غير الله سلط عليه كما أن من أحب مع الله غيره عذب به ومن رجا مع الله غيره خذل من جهته وهذه أمور تجربتها تكفي عن أدلتها والنفس لا بد أن تتطير ولكن المؤمن القوي الايمان يدفع موجب تطيره بالتوكل على الله فان من توكل على الله وحده كفاه من غيره قال تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ولهذا قال ابن مسعود وما منا إلا يعني من يقارب التطير ولكن الله يذهبه بالتوكل ومن هذا قول زبان بن سيار :

أطار الطير إذ سرنا زياد ... لتخبرنا وما فيها خبير

أقام كان لقمان بن عاد ... أشار له بحكمته مشير

تعلم أنه لا طير إلا ... على متطير وهو الثبور

بل شيء يوافق بعض شيء ... أحايينا وباطله كثير

قالوا فالشؤم الذي في الدار والمرأة والفرس قد يكون مخصوصا بمن تشاءم بها وتطير وأما من توكل على الله وخافه وحده ولم يتطير ولم يتشاءم فان الفرس والمرأة والدار لا يكون شؤما في حقه .

وقالت طائفة أخرى معنى الحديث إخباره صلى الله عليه وسلم عن الأسباب المثيرة للطيرة الكامنة في الغرائز يعنى أن المثير للطيرة في غرائز الناس هي هذه الثلاثة فأخبرنا بهذا لنأخذ الحذر منها فقال الشؤم في الدار والمرأة والفرس أي أن الحوادث التي تكثر مع هذه الأشياء والمصائب التي تتوالى عندها تدعو الناس إلى التشاؤم بها فقال الشؤم فيها أي أن الله قد يقدره فيها على قوم دون قوم فخاطبهم صلى الله عليه وسلم بذلك لما استقر عندهم منه صلى الله عليه وسلم من إبطال الطيرة وإنكار العدوى ولذلك لم يستفهموا في ذلك عن معنى ما أراده صلى الله عليه وسلم كما تقدم لهم في قوله لا يورد الممرض على المصح فقالوا عنده وما ذاك يا رسول الله فأخبرهم أنه خاف في ذلك الأذى الذي يدخله الممرض على المصح لا العدوى لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتوادد وإدخال السرور بين المؤمنين وحسن التجاوز ونهى عن التقاطع والتباغض والأذى فمن اعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نسب الطيرة والشؤم إلى شيء من الأشياء على سبيل إنه مؤثر بذلك دون الله فقد أعظم الفرية على الله وعلى رسوله وضل ضلالا بعيدا والنبي صلى الله عليه وسلم ابتداهم بنفي الطيرة والعدوى ثم قال الشؤم في ثلاث قطعا لتوهم المنفية في الثلاثة التي أخبر أن الشؤم يكون فيها فقال لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاثة فابتدأهم بالمؤخر من الخير تعجيلا لهم بالأخبار بفساد العدوى والطيرة المتوهمة من قوله الشؤم في ثلاثة وبالجملة فإخباره صلى الله عليه وسلم بالشؤم أنه يكون في هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها وإنما غايته إن الله سبحانه قد يخلق منها أعيانا مشؤمة على من قاربها وسكنها وأعيانا مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر وهذا كما يعطى سبحانه الوالدين ولدا مباركا يريان الخير على وجهه ويعطى غيرهما ولدا مشؤما نذلا يريان الشر على وجهه وكذلك ما يعطاه العبد ولاية أو غيرها فكذلك الدار والمرأة والفرس والله سبحانه خالق الخير والشر والسعود والنحوس فيخلق بعض هذه الأعيان سعودا مباركة ويقضى سعادة من قارنها وحصول اليمن له والبركة ويخلق بعض ذلك نحوسا يتنحس بها من قارنها وكل ذلك بقضائه وقدره كما خلق سائر الأسباب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة فكما خلق المسك وغيره من حامل الأرواح الطيبة ولذذ بها من قارنها من الناس وخلق ضدها وجعلها سببا لإيذاء من قارنها من الناس والفرق بين هذين النوعين يدرك بالحس فكذلك في الديار والنساء والخيل فهذا لون والطيرة الشركية لون آخر 0









تم بحمد الله

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة