عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 16-05-2009, 01:23 AM   #21
معلومات العضو
فاديا
القلم الماسي
 
الصورة الرمزية فاديا
 

 

افتراضي مات يوم زار البحر الميت !

قد تحدث الكثير من الأسباب والظروف التي تدفعك للتغيب عن عملك ،هذا حقيقي جدا .


لم يكن هذا يحدث أبدا مع ( المحاسب النشيط ) ، والذي كان كبقية الموظفين الآباء....
يحمل أولاده الى المدارس في الصباح ، ويتعين عليه هذا أن يكون في عمله مبكرا جدا ، قبل الدوام الرسمي بساعتين على الأقل ، مما أعطاه نوعا من ( النفوذ المهني ) فإن كان 99% لا يزالون يغطون في النوم ، فهناك 1% يخطط للقسم النائم !

كانت مفاجأة حقا .. أن يتغيب المحاسب النشيط والذي كان يقوم بمهمة ( عقارب الساعة ) على أكمل وجه ، في تحديد زمن وصول كل ( القادمين ) إلى العمل....

وكان لا بد من الاستفسار عن الحدث العظيم الذي دفعه الى التأخر عن موعد العمل ... سابقة لم تحدث منذ عشر سنوات.
رد إبنه على الهاتف ، بصوت يملؤه الأسى ..مات والدي اليوم فجرا !

كانت صدمة كبيرة للجميع ، محزنة في الحقيقة ،
فلا زال الموت حقيقة لا نملك امامها الا الحزن والرثاء ، ربما على أنفسنا نحن الأحياء،

وطبعا كالعادة الدارجة في هذه الأيام في بعض مقرات العمل ، لا بد ان يتوجه كل موظف بتعزية خاصة ، حيث تُحجز صفحة كاملة من صفحات الجرائد لهذا المتوفى ،وكلها كلام في كلام....
انطلق الجميع بأدبيات وكلمات ... شديدة التقعّر ، في تعديد محاسنه وأخلاقه ، وافتقاده ....
هنا كأس الشاي الخاص بك ، يتساءل ان كنت فارقته ...ها هو المقعد الذي ( استعمرته ) عشر سنوات يبكي عليك
تلك منفضة سجائرك ، ذاك القلم الأخير الذي وقّعت به آخر إنذار لنا.. وغير ذلك من ( الرثائيات على هذه الشاكلة ) التي يغدق بها البعض على المتوفى ( هذه الأيام ) حتى يجعلونه ( المُنقذ الحنون ) الذي تعامل مع كل أنواع الفساد الإداري والقهر الوظيفي ، بكل وداعة وطيبة وإنسانية ، ولم يترك ( مظلوما إلا أنصفه ) ، كان المتوفى من كان ، ما دام ليس في هذا العالم ليسمعها !

وفي اليوم الثاني، وبينما الجميع يجهزون أنفسهم للقيام بالتعزية الشخصية الجماعية لعائلة الموظف الراحل ،
وإذا به ( الموظف ) يدخل ساخطا شاتما ،بعد أن قرأ خبر وفاته في الجريدة ،
ولا يمكن وصف حالة الخوف والذهول التي سيطرت على الجميع !
..هل هذا ما يزعمونه من حين لآخر حول خروج أحد الموتى من قبره بشعر أشعث ووجه مجعد،؟
لم يتجرأ أحد على النظر في وجهه أو الإقتراب منه ، والكل يغالب رعبه وفزعه.


كان الأخ في ( مشوار مع صديقه ) الى منطقة ( البحر الميت )، تعطلت السيارة هناك ، في الليل ، فاتصل الأب مع عائلته ليطمئنها ، واختصارا للموقف ، أوصى ابنه ضرورة الاتصال بالشركة صباحا لإبلاغهم أنه لن يتمكن من الحضور الى العمل ذلك اليوم.....
وظنّ أن الامور سارت في مجرى عادي ، وليس ذاك بالأمر الخطير ...
ومن منطلق ( طيش الطفولة ) ، أوحى ( البحر الميت ) للصبي بخاطرة وهمية ..لمجرد الدعابة .


المضحك بالموضوع أن الأخ ظل معتقدا أنه أصبح في حكم ( المُعلن عن وفاته ) فتعرض لكابوس نفسي ، أو وسواس قهري حول ( الخوف الشديد على الحياة ) ورسخ في عقله أن دمه أصبح مهدورا ، فإن قتله أحد ما لمجرد ( التخلص منه ) ، لن يكون الأمر بالحدث الإجرامي الخطير !

أصبحت حياته سلسلة من الثواني يدق فيها الرعب كل لحظة ، كلما نظر اليه احد الأشخاص الذين سمعوا نبأ وفاته ....


ترك عمله .. وانزوى بحجرته ، ولم يعد يرى الناس خوفا من ( خوفهم وريبتهم ) ربما ،
أو فكرة أنه ( متوفّى ) تمكنت منه ! ،
لم يعد يفعل شيئا .. سوى التأمل وانتظار الموت كل لحظة ...



حاولتُ بعد فترة الإتصال بزوجته للإطمئنان عن حالهم فقالت لي بكآبة شديدة .....
لن أنزل نعيا آخر إذا حدثت وفاته في أي لحظة ...لقد مات يوم زار البحر الميت !

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة