تراجع الإمام الألباني عن تصحيح حديث كشف ساق أم كلثوم
لقد تراجع الإمام الألباني عن تصحيح أثر عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه-، في قصة كشفه عن الساقين، بعد أن نصر بها جواز رؤية ما جرت العادة بإظهاره.
فقد قال الإمام الألباني عن الحديث قديمًا: " رواه عبد الرزاق وسعيد بن منصور في "سننه" وابن أبي عمر وسفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن على بن الحنفية؛ ذكره الحافظ في "التلخيص" (ص 291 - 292)" اهـ
وقد صححه في السلسلة الصحيحة الحديث 99 أيضًا؛ ثم تراجع عن ذلك بعد أن تابع فيه الحافظ ابن حجر وتبين له أن الحافظ قد وهم؛ فوهم تبعاً له، بيَّن ذلك في الضعيفة 1273بأن أفرد مبحثاً كاملاً في السلسلة الضعيفة ننقله هنا:
قال -رحمه الله-: " كنت ذكرت في المصدر المذكور (1/156) نقلا عن " تلخيص الحبير " لابن حجر العسقلاني (ص 291-292) من الطبعة الهندية رواية عبد الرزاق و سعيد ابن منصور و ابن أبي عمر (الأصل: أبي عمرو و هو خطأ) عن سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن الحنفية أنَّ عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم .. القصة، و فيها أن عمر -رضي الله عنه- كشف عن ساقيها .
و قد اعتبرتها يؤمئذ صحيحة الإسناد، اعتماداً مني على ابن حجر -وهو الحافظ الثقة- و قد أفاد أن راويها هو ابن الحنفية، و هو أخو أم كلثوم، و أدرك عمر ودخل عليه، فلما طُبع "مصنف عبد الرزاق" بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي.
ووقفت على إسنادها فيه (10/352) تبين لي أن في السند إرسالاً وانقطاعًا، وأن قوله في "التلخيص" ":
. . ابن الحنفية" خطأ لا أدري سببه، فإنه في "المصنف": " . . . عمرو بن دينار عن أبي جعفر قال : . . ."، و كذلك هو عند سعيد بن منصور (3 رقم 520) كما ذكر الشيخ الأعظمي، وأبو جعفر هذا اسمه محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقد جاء مسمى في رواية ابن أبي عمر بـ " محمد ابن علي" كما ذكره الحافظ نفسه في "الإصابة".
و ساقه كذلك ابن عبد البر في "الاستذكار" بإسناده إلى ابن أبي عمر، وعليه فراوي القصة ليس ابن الحنفية، لأن كنيته أبو القاسم، وإنما هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كما تقدم، لأنه هو الذي يكنى بأبي جعفر، و هو الباقر؛ و هو من صغار التابعين، روى عن جديه الحسن والحسين وجد أبيه علي بن أبي طالب مرسلاً، كما في "التهذيب" وغيره، فهو لم يدرك عليا بَلْهَ عمر، كيف وقد ولد بعد وفاته بأكثر من عشرين سنة، فهو لم يدرك القصة يقيناً، فيكون الإسناد منقطعاً، فرأيت أن من الواجب علي -أداءً للأمانة العلمية- أن أهتبل هذه الفرصة، و أن أبين للقراء ما تبين لي من الانقطاع، والله تعالى هو المسؤول أن يغفر لنا ما زلت له أقلامنا، ونبت عن الصواب أفكارنا، إنه خير مسؤول" انتهى من الضعيفة في التعليق على الحديث 1273 .
قلت: وقد أشار الإمام الألباني في الصحيحة -الطبعة الأخيرة- إلى أن حديث عمر -إن صحَّ عنه- مع تفصيل السابق يعتبر مرجحاً قوياً في باب حدود النظر، ولكنه قال في سلسلة الهدى والنور بعدها: " ثبت لدي أن القصة غير ثابتة ولا يجوز أن نذكرها إلا مع بيان ضعفها .
وقد توقفت عن شيئين:
1-القول بتصحيح القصة .
2-القول بجواز رؤية ما جرت به العادة من المخطوبة في عقر دارها، فلا يجوز التعمد أن تظهر أمامه هكذا بأكثر من وجهها وكفيها، وإنَّما يكون ذلك عنها بغير علمها .
والأحاديث الصحيحة تفيد رؤية ما جرت العادة بإظهاره ولكن ليس في عقر دارها، بل بالتخبأ لها؛ أما أن يتفق الخطيب مع خطيبته أن يرى منها في عقر دارها ما لا يجوز رؤية الأجنبي منها، ولو بحضور أهلها، فهذا مما لا نعلم دليلاً عليه إلا قصَّة عمر بن الخطاب وقد تبيَّن لنا ضعفها فقد رجعنا عنها"([1]) اهـ .
وقد قدمنا الموافقة من الناحية الحديثية، والمناقشة من الناحية الفقهية في فصل مناقشة أقوال من قيَّد النظر بالوجه والكفين، وأنَّ هناك أدلة أخرى تبيح النظر إلى أكثر من الوجه والكفين، وأنَّ الإمام الألباني كان من مناصريها بشدة في السلسلة الصحيحة.
([1]) سلسلة الهدى والنور 311 د28 بتصرف .