(1/338)
والمؤمن يستعمل الصيغة الشرعية التي استعملها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، وأرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه، اتباعا له صلى الله عليه وسلم، وطاعة لأمره، وتأسيا به وبأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، هذا هو الذي ينبغي للمؤمن، وألا يعتنق صيغة أحدثها من ابتدع في الدين.
ثم أيضا كونهم يتعاطون ذلك، ويجهرون بذلك بعد الصلاة فهذا بدعة أخرى ولو بالصيغة الثانية، فكونهم يتعاطون هذا بعد الصلاة، ويرفعون أصواتهم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهذا ليس له أصل سواء بهذه الصيغة أو بغيرها وإنما يصلي الإنسان بينه وبين نفسه على النبي صلى الله عليه وسلم بعد حمد الله والثناء عليه، أمام الدعاء، كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه حيث قال عليه الصلاة والسلام: « إذا دعا أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه ثم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء » (1) وهذا هو الأمر مشروع عند الدعاء في جميع الأوقات، فكونه يحمد ربه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو ربه في ليله، وفي نهاره، وفي الطريق، هذا هو الأمر المشروع للحديث المذكور، والإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مشروع محبوب إلى الله عز وجل؛ لأن الله سبحانه يقول: ** إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ** (2) [الأحزاب: 56] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: « من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا » (3) فالصلاة والسلام عليه أمر مشروع، ولكن على الوجه الذي فعله صلى الله عليه وسلم، وعلى الوجه الذي فعله أصحابه رضي الله عنهم.
أما أن يقوم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم جهرة بعد السلام، فهذا لا أصل له،
__________
(1) سنن الترمذي الدعوات (3477).
(2) سورة الأحزاب الآية 56
(3) صحيح مسلم الصلاة (384),سنن الترمذي المناقب (3614),سنن النسائي الأذان (678),سنن أبو داود الصلاة (523),مسند أحمد بن حنبل (2/168).
(1/339)
وهو من البدع، قال صلى الله عليه وسلم: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » (1)
وهكذا ما يفعله بعض الناس إذا فرغ من الأذان قال: لا إله إلا الله ورفع صوته مع الأذان بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، هذه أيضا بدعة، وإنما يكمل الأذان بلا إله إلا الله، ثم يغلق المكبر، ثم يصلي على النبي بينه وبين نفسه الصلاة العادية التي ليس فيها جهر، بل الكلام العادي، يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: « اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة إلى آخره » (2) أما أن يجعلها مع الأذان جزءا من الأذان فهذه بدعة.
__________
(1) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256).
(2) صحيح البخاري الأذان (589),سنن الترمذي الصلاة (211),سنن النسائي الأذان (680),سنن أبو داود الصلاة (529),سنن ابن ماجه الأذان والسنة فيه (722),مسند أحمد بن حنبل (3/354).
(1/340)
حكم الحجر المنقوش عليه أصابع الرسول صلى الله عليه وسلم في أحد المساجد
س154: يقول السائل: يوجد عندنا في مدينتنا مقبرة داخل مسجد تسمى هذه المقبرة ضريح السيد البدوي ، ويوجد بنفس المقبرة حجر منقوش عليه خمسة أصابع، والكل يدعي أن هذه أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويوجد في مدينة أخرى حجر منقوش عليه أصابع لقدم، فهل هذه حقيقة أم خرافات؟ علما بأنني كنت أقبل وأتمسح هذا الحجر كما كان يفعل الناس عندنا، والحمد لله فقد تبت إلى الله من هذا، وأرجو الله أن يقبل توبتي، ولكن أريد أن أعرف هل هذه حقيقة أصابع رسول الله أو قدمه، أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب : كل هذا لا أصل له، ليست أصابع الرسول صلى الله عليه وسلم وليست أصابع قدمه، وكل هذا باطل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت إلى مصر ولم يزرها، ولم توجد أصابعه في أي حجر حتى نقلت إلى هناك، وكل هذا
(1/340)
من الباطل والكذب، فلا يجوز التمسح بها، ولا التبرك بها، بل تجب إزالتها وتحطيمها.
والمساجد لا تبنى على القبور، فلا يجوز أن يبنى مسجد على القبر، ولا يجوز الطواف بالقبور ، ولا دعاء أهلها من دون الله، ولا التمسح بقبورهم ، ولا النذر لأهلها، كما يفعل عند البدوي أو غيره، كل هذا منكر عظيم، فبناء المساجد على القبور أنكره النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) ، وقال عليه الصلاة والسلام: « ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك » (2) .
ولما « ذكرت له بعض الصحابيات المهاجرات إلى الحبشة كنيسة رأينها في أرض الحبشة ، وفيها ما فيها من الصور، قال صلى الله عليه وسلم: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور ثم قال : أولئك شرار الخلق عند الله » (3) ، فأخبر أن هؤلاء الذين يبنون المساجد على القبور، ويتخذون عليها الصور هم شرار الخلق ، لأنهم دعاة للنار-ونعوذ بالله- ودعاة للشرك.
فيجب الحذر من هذه البلايا، وهذه البدع، وهذه الشرور التي أحدثها الجهلة، ويجب أن تكون المساجد بعيدة عن القبور، وتكون مستقلة عن القبور، والقبور مستقلة عن المساجد، أما أن يتخذ المسجد على المقبرة، أو يدفن في المسجد فكل هذا منكر، ولا يجوز الدفن في المساجد ، بل تكون المقابر مستقلة وتكون المساجد مستقلة، ولا يبنى
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403).
(2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532).
(3) صحيح البخاري الصلاة (424),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528),سنن النسائي المساجد (704),مسند أحمد بن حنبل (6/51).