(1/246)
الآخرة، وتذكر الموت حتى تستعد للقاء الله عز وجل.
ولكن تكون هذه الزيارة كما تقدم بدون شد الرحل، بل تزور قبور أهل البلد التي أنت فيها، ويكون شد الرحل لغير ذلك، للمدينة يكون شد الرحل للمسجد، والصلاة فيه، والقراءة فيه، ونحو ذلك وإذا زار المسجد زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وسلم عليه وعلى صاحبيه، ويستحب له أن يزور البقيع كذلك، وقبور الشهداء، ويزور مسجد قباء ويصلي فيه أيضا كل هذا مشروع.
وهكذا إذا زار بعض البلاد الأخرى لتجارة، أو لصديق، أو لقريب، يستحب له أن يزور القبور حتى يدعو لأهلها، وحتى يترحم عليهم، وحتى يتذكر بهم الآخرة، وحتى يستعد لها، وحتى يتذكر الموت- هكذا بين أهل العلم، ودلت عليه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
والخلاصة أن زيارة القبور بالنسبة للنساء ممنوعة مطلقا وهذا هو الصواب لصحة الأحاديث بمنعهن وعدم الدليل على الاستثناء.
(1/247)
زيارة القبور تختص بالرجال دون النساء
س109: إذا خرجت النساء إلى زيارة المقابر مع ذي محرم، فهل في هذا شيء؟ وهل قول الله عز وجل: ** حتى زرتم المقابر ** (1) [التكاثر: 2] ، يخصص الزيارة للرجال فقط دون النساء. أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب: الزيارة تختص بالرجال، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى النساء عن زيارة القبور، وعن اتباعهن الجنائز، وقد صح عنه عليه السلام أنه
__________
(1) سورة التكاثر الآية 2
(1/247)
لعن زائرات القبور، فليست للمرأة أن تزور القبور، ولا أن تتبع الجنائز إلى المقبرة. نعم تصلي على الميت مع الناس في المسجد أو في المصلى، أو في البيت، ولا بأس بذلك، أما الزيارة للمقابر أو الذهاب مع الناس للمقابر فلا يجوز لها ذلك، هذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم.
وأما قوله سبحانه وتعالى: ** ألهاكم التكاثر ** (1) ** حتى زرتم المقابر ** (2) [التكاثر: 1 ، 2] ، فهذا المراد به الموت، يعني حتى نقلتم إلى المقابر ميتين، وليس المراد الزيارة المعروفة، والمقصود تحذير الناس من أن يشتغلوا بالتكاثر حتى يموتوا، وسماها زيارة لأن الإنسان لا يقيم في القبر دائما، فهي زيارة ثم يخرج يوم القيامة إلى الجنة أو إلى النار.
فالمقابر ليست هي المحل الأخير ، بل المحل الأخير الجنة أو النار، فالموتى زاروا القبور وبقوا في القبور حتى البعث والنشور، فإذا كان يوم القيامة أخرجوا من قبورهم وحاسبهم الله وجازاهم على أعمالهم، فالمتقون إلى الجنة والكرامة، والكافرون للنار، والعصاة على خطر; قد يعفى عنهم فيدخلون الجنة، وقد يعاقبون على قدر معاصيهم ثم بعد المعاقبة وبعد التعذيب الذي يستحقونه يخرجهم الله من النار إلى الجنة- عند أهل السنة والجماعة.
فالحاصل أن قوله تعالى: ** ألهاكم التكاثر ** (3) ** حتى زرتم المقابر ** (4) [التكاثر: 1 ، 2] ليس المقصود به الزيارة المعروفة، بل المراد به هنا الموت، يعني ألهاكم التكاثر في الدنيا وحرصتم عليها حتى متم ونقلتم إلى القبور، لكن الله سماها زيارة لأنهم لا يبقون
__________
(1) سورة التكاثر الآية 1
(2) سورة التكاثر الآية 2
(3) سورة التكاثر الآية 1
(4) سورة التكاثر الآية 2
(1/248)
في القبور أبدا، بل هم زائرون سوف يخرجون من القبور يوم القيامة إلى الجنة أو النار، كما دلت عليه الآيات الكريمات، والأحاديث الصحيحة وأجمع عليه المسلمون، كما قال جل وعلا في كتابه العظيم: ** زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير ** (1) [التغابن: 7] فالله يجمع الناس يوم القيامة ويبعثهم من قبورهم ثم يجازيهم بأعمالهم، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
فالواجب على كل مسلم وكل مسلمة الاستعداد لهذا اليوم، والحرص على الأعمال الصالحات حتى يسعد ويفوز بالنجاة يوم القيامة، وهذا واجب على كل مكلف من أهل الأرض من الجن والإنس، فيجب على جميع المكلفين من العرب والعجم والإنس والجن والكفار والمسلمين يجب عليهم أن يستعدوا لهذا اليوم، وأن يدخل الكفار في الإسلام، وأن يستقيموا عليه حتى يفوزوا بالنجاة يوم القيامة، والله المستعان.
__________
(1) سورة التغابن الآية 7
(1/249)
زيارة المرأة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم
س110: تقول السائلة هل يجوز زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه للمرأة مع العلم أنني مكرهة، فقد دخلت مع والدة زوجي، وبعض النساء من الأقارب حيث ألحوا علي وأكثروا الكلام علي فخشيت الجدال في المسجد، والتشويش على المصلين فذهبت معهم لزيارة القبر، علما بأنها المرة الأولى والأخيرة؟ وهل علي كفارة لأنني أعلم الحديث المحرم لزيارة النساء؟
(1/249)
الجواب: زيارة النساء للقبور مسألة خلاف بين أهل العلم، منهم من أجازها ومنهم من منعها.
والصواب والأرجح من القولين أنها ممنوعة، وأنه لا يجوز للنساء زيارة القبور، لا قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ولا القبور الأخرى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، ثبت هذا من حديث ابن عباس ، ومن حديث أبي هريرة ، ومن حديث حسان بن ثابت رضي الله عن الجميع.
فلا يجوز للنساء على الصحيح زيارة القبور مطلقا، حتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه، لكن إذا كانت المرأة في المسجد، أو في بيتها، فإنه يشرع لها أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وتسلم عليه، في البيت أو في الطريق أو في المسجد كما يشرع ذلك للرجال لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا تجعلوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم » (1) .
فالصلاة تبلغ النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان الإنسان. فصلاتك يا عبد الله وسلامك، وهكذا صلاتك يا أمة الله وسلامك كل ذلك يبلغه صلى الله عليه وسلم فلا حاجة إلى حضور المرأة عند قبره صلى الله عليه وسلم ، ولا في البقيع ، ولا في غيره من القبور، عملا بالأحاديث التي فيها النهي واللعن لزائرات القبور.
ومن وقع منها ذلك فعليها التوبة والاستغفار ويكفي، سواء وقع منها ذلك جهلا، أو أكرهها بعض أصحابها، فالتوبة والاستغفار كافيان في ذلك.
__________
(1) سنن أبو داود المناسك (2042),مسند أحمد بن حنبل (2/367).
(1/250)
حديث: « لعن الله زائرات القبور » (1)
س111: سائلة تقول: ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: « لعن الله زائرات القبور » (2) فأرجو التوضيح هل يقصد به النساء جميعا، أم هناك نساء معينات؟ وكيف الحال عند زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وما هي الأدعية التي تقال عند زيارة القبور؟ أفيدونا بارك الله فيكم.
الجواب: اختلف العلماء في زيارة النساء للقبور بعدما أجمعوا على سنيتها للرجال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن زيارة القبور في أول الإسلام خشية الفتنة بالقبور; لأن الجاهلية كانت تعظم القبور، وربما عبدت بعض المقبورين من دون الله.
فنهاهم عن زيارة القبور حماية للتوحيد وسدا لذرائع الشرك، ثم أذن للرجال بالزيارة، قال عليه الصلاة والسلام: « كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة » (3) وفي رواية : « فإنها تذكركم الموت » (4) .
واختلف العلماء في النساء: هل دخلن في هذا أم لا ؟ على قولين لأهل العلم.
والصواب أنهن لا يدخلن في الرخصة، بل ينهين عن زيارة القبور لأنه ورد عنه صلى الله عليه وسلم من عدة طرق أنه : « لعن زائرات القبور » (5) وفي لفظ : « زوارات القبور » (6) من حديث أبي هريرة ، ومن حديث ابن عباس ، ومن حديث حسان بن ثابت رضي الله عنهم، وفيها لعن زائرات القبور.
فالصواب أنهن لا يزرن القبور مطلقا.
هذا هو الأرجح من قولي العلماء، حتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يزرنه ولا
__________
(1) سنن الترمذي الصلاة (320),سنن النسائي الجنائز (2043),سنن أبو داود الجنائز (3236),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1575),مسند أحمد بن حنبل (1/337).
(2) سنن الترمذي الصلاة (320),سنن النسائي الجنائز (2043),سنن أبو داود الجنائز (3236),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1575),مسند أحمد بن حنبل (1/337).
(3) صحيح مسلم الجنائز (977),سنن الترمذي الجنائز (1054),سنن النسائي الجنائز (2033).
(4) صحيح مسلم الجنائز (976),سنن النسائي الجنائز (2034),سنن أبو داود الجنائز (3234),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1572),مسند أحمد بن حنبل (2/441).
(5) سنن الترمذي الصلاة (320),سنن النسائي الجنائز (2043),سنن أبو داود الجنائز (3236),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1575),مسند أحمد بن حنبل (1/337).
(6) سنن الترمذي الجنائز (1056),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1576).