ومن الأدلة أيضا :- حديث جابر رضي الله عنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال " هو من عمل الشيطان " رواه أبو داود ، قال الألباني رحمه الله تعالى ( وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عقيل بن معقل و هو ابن منبه اليماني ، و هو ثقة اتفاقا ) قال في عون المعبود (قَالَ فِي النِّهَايَة النُّشْرَة بِالضَّمِّ ضَرْب مِنْ الرُّقْيَة وَالْعِلَاج يُعَالَج بِهِ مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنَّ بِهِ مَسًّا مِنْ الْجِنّ سُمِّيَتْ نُشْرَة لِأَنَّهُ يُنْشَر بِهَا عَنْهُ مَا خَامَرَهُ مِنْ الدَّاء أَيْ يُكْشَف وَيُزَال . وَقَالَ الْحَسَن: النُّشْرَة مِنْ السِّحْر وَقَدْ نُشِرَتْ عَنْهُ تَنْشِيرًا اِنْتَهَى . وَفِي فَتْح الْوَدُود : لَعَلَّهُ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى أَسْمَاء الشَّيَاطِين أَوْ كَانَ بِلِسَانٍ غَيْر مَعْلُوم فَلِذَلِكَ جَاءَ أَنَّهُ سِحْر سُمِّيَ نُشْرَة لِانْتِشَارِ الدَّاء وَانْكِشَاف الْبَلَاء بِهِ ( هُوَ مِنْ عَمَل الشَّيْطَان ) أَيْ مِنْ النَّوْع الَّذِي كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يُعَالِجُونَ بِهِ وَيَعْتَقِدُونَ فِيهِ ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْآيَات الْقُرْآنِيَّة وَالْأَسْمَاء وَالصِّفَات الرَّبَّانِيَّة وَالدَّعَوَات الْمَأْثُورَة النَّبَوِيَّة فَلَا بَأْس بِهِ . وَفِي النِّهَايَة : وَمِنْهُ الْحَدِيث فَلَعَلَّ طِبًّا أَصَابَهُ ثُمَّ نَشَرَهُ بَقْل أَعُوذ بِرَبِّ النَّاس أَيْ رَقَاهُ . وَالْحَدِيث سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ ) وقال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والنشرة حل السحر عن المسحور وهي نوعان حل سحر بسحر مثله وهو الذي من عمل الشيطان فإن السحر من عمله فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب فيبطل عمله عن المسحور والثاني النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة فهذا جائز بل مستحب وعلى النوع المذموم يحمل قول الحسن لا يحل السحر إلا ساحر ) فأنت ترى هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل النشرة من عمل الشيطان والمراد بها عند أهل العلم رحمهم الله تعالى حل السحر بسحر مثله ، فهو من النشرة المحرمة وعليه:- فإتيان الساحر لحل السحر لا يجوز لأنه من النشرة الشيطانية .
ومن الأدلة أيضا:- حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، ومصدق بالسحر، وقاطع الرحم " ومن ذهب إلى السحرة وأخبروه بحقيقة حاله فيما تخبرهم به شياطينهم ووصفوا له العلاج من ذلك ودفع الثمن ، وتعاطى هذا العلاج فهو في الحقيقة مصدق بالسحر ، فيقع في هذا الوعيد . والعياذ بالله .
ومن الأدلة أيضا :- ما رواه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه قال :- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأنصاري رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ البغي وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ " قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى (حُلْوَان الْكَاهِن ، حَرَام بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذ الْعِوَض عَلَى أَمْر بَاطِل ، وَفِي مَعْنَاهُ التَّنْجِيم وَالضَّرْب بِالْحَصَى وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَانَاهُ الْعَرَّافُونَ مِنْ اِسْتِطْلَاع الْغَيْب ) ومن المعلوم أن من يأتي الكاهن ليحل عنه السحر ، فإنه لا يبذله بالمجان ، بل لا يبذله إلا بالعوض ، وبذل العوض على ذلك محرم ، والمتقرر أن تحريم الثمن على الشيء دليل على تحريمه ، لأن الله تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه ، فلا يجوز بذل العوض على التكهن ولا على السحر وهذا يتضمن النهي عن إتيانهم, قال الخطابي رحمه الله تعالى ( وَحُلْوَان الْعَرَّاف أَيْضًا حَرَام , قَالَ : وَالْفَرْق بَيْن الْكَاهِن وَالْعَرَّاف أَنَّ الْكَاهِن إِنَّمَا يَتَعَاطَى الْأَخْبَار عَنْ الْكَائِنَات فِي مُسْتَقْبَل الزَّمَان وَيَدَّعِي مَعْرِفَة الْأَسْرَار ، وَالْعَرَّاف هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَة الشَّيْء الْمَسْرُوق وَمَكَان الضَّالَّة وَنَحْوهمَا مِنْ الْأُمُور , هَكَذَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيّ فِي مَعَالِم السُّنَن فِي كِتَاب الْبُيُوع ، ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي آخِر الْكِتَاب أَبْسَط مِنْ هَذَا فَقَالَ : إِنَّ الْكَاهِن هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مُطَالَعَة عِلْم الْغَيْب ، وَيُخْبِر النَّاس عَنْ الْكَوَائِن قَالَ : وَكَانَ فِي الْعَرَب كَهَنَة يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنْ الْأُمُور ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُم أَنَّ لَهُ رُفَقَاء مِنْ الْجِنّ وَتَابِعَة تُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَار ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَسْتَدِرْك الْأُمُور بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ ، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى عَرَّافًا وَهُوَ الَّذِي يَزْعُم أَنَّهُ يَعْرِف الْأُمُور بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَاب يُسْتَدَلّ بِهَا عَلَى مَوَاقِعهَا كَالشَّيْءِ يُسْرَق فَيَعْرِف الْمَظْنُون بِهِ السَّرِقَة ، وَتَتَّهِم الْمَرْأَة بِالرِّيبَةِ فَيُعْرَف مِنْ صَاحِبهَا وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُسَمِّي الْمُنَجِّم كَاهِنًا قَالَ : وَحَدِيث النَّهْي عَنْ إِتْيَان الْكُهَّان يَشْتَمِل عَلَى النَّهْي عَنْ هَؤُلَاءِ كُلّهمْ ، وَعَلَى النَّهْي عَنْ تَصْدِيقهمْ وَالرُّجُوع إِلَى قَوْلهمْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَدْعُو الطَّبِيب كَاهِنًا ، وَرُبَّمَا سَمُّوهُ عَرَّافًا ؛ فَهَذَا غَيْر دَاخِل فِي النَّهْي . هَذَا آخِر كَلَام الْخَطَّابِيّ . قَالَ الْإِمَام أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيّ مِنْ أَصْحَابنَا فِي آخِر كِتَابه الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة : وَيَمْنَع الْمُحْتَسَب مَنْ يَكْتَسِب بِالْكِهَانَةِ وَاللَّهْو ، وَيُؤَدِّب عَلَيْهِ الْآخِذ وَالْمُعْطِي ) قلت :- والأحاديث في النهي عن حلوان الكاهن كثيرة .
ومن الأدلة أيضا :- أن المتقرر في الأدلة جواز التداوي ، إلا بالحرام ، فالحرام مهما كان لا يجوز التداوي به ، إلا بدليل خاص ، وما كان حراما التحريم الكلي فإنه لا يجوز التداوي به ، كالتداوي بالخمر، والموسيقى ، والرقى الشركية ، والتمائم كلها ، ومن ذلك :- التداوي بالسحر والتكهن فإنها من المحرمات في الشرع ، وما كان حراما فإنه لا يجوز التداوي به ، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله خلق الداء و الدواء ، فتداووا ، و لا تتداووا بحرام " وهو حديث حسن ، وحديث أم سلمة أنها انتبذت ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبيذ يهدر ، فقال " ما هذا ؟ " قلت : فلانة اشتكت فوصف لها ، قالت : فدفعه برجله فكسره و قال " إن الله لم يجعل في حرام شفاء " ورجاله كلهم ثقات ، و أخرج الطبراني عن أبي الأحوص أن رجلا أتى عبد الله فقال : إن أخي مريض اشتكى بطنه ، و أنه نعت له الخمر أفأسقيه؟ قال عبد الله : سبحان الله ! ما جعل الله شفاء في رجس ، إنما الشفاء في شيئين : العسل شفاء للناس ، و القرآن شفاء لما في الصدور . قال الألباني (و إسناده صحيح أيضا)ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن التداوي بالخمر قال " إنها داء "ونهى عن ذلك ، وقال صلى الله عليه وسلم " من تداوى بحرام لم يجعل الله له فيه شفاء " وهو يحتمل التحسين ، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أصابه شيء من الأدواء فلا يفزعن إلى شيء مما حرم الله ، فإن الله لم يجعل في شيء مما حرم شفاء " ولا بأس به مع الشواهد ، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الدواء الخبيث ، وعن ابن مسعود موقوفا عليه : إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم . وإسناده صحيح ، ونحو هذه الأدلة فإنها دالة على تحريم التعالج بالتكهن والسحر ، لأنها أصلا في ذاتها محرمة ، والمتقرر أن التداوي بالمحرم لا يجوز إلا بدليل ، والله أعلم .
ومن الأدلة الدالة على ذلك أيضا :- الأدلة الدالة على أن الله تعالى إن حرم شيئا حرم ثمنه ، وما كان حرام الثمن فهو حرام التعاطي ، لأن المتقرر أن تحريم الثمن فرع عن تحريم الفعل ، ففي الصحيحين عن جابر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام " فقيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة ؟ فإنه تطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ؟ فقال " لا هو حرام " ثم قال عند ذلك " قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه " وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لعن الله اليهود " ثلاثا " إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها فأكلوا أثمانها إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه " رواه أبو داود وهو حديث صحيح، ومن المعلوم أن القول بجواز الذهاب إلى الكهان والسحرة لغرض العلاج عندهم يفتح بابا قد أغلقه الشارع ، وهو دفع الثمن المربح لهم ، على هذه المنفعة المحرمة ، فمن أجاز ذلك فهو مخالف لهذه الأحاديث الدالة على تحريم دفع الثمن على الأفعال المحرمة ، وهذا واضح .