عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 04-11-2008, 06:59 AM   #31
معلومات العضو
د.محمد هشام طاهري

Icon37 تصحيح العنوان:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد قرأت بحثكم الكريم الذي نقلمتوه وجمعتموه وهو ماتع نافع، إلا أن لي عليه ملاحظات إن سمحت لي:
أولاً: عنوان البحث [هل الاسترقاء يقدح في تمام التوكل على الله سبحانه وتعالى أم لا ؟] فهذا يفيد أن البحث محصور في مسألة الاسترقاء أي طلب الرقية من الغير هل هو مناف لتمام التوكل أم لا.
وهو موضوع جدير بالبحث.
وما ذكرته في الموضوع من أهمية التوكل، وأهمية الأخذ بالأسباب أمر مهم وعظيم وجميل وجليل.
وما ذكرته من أن الرقية ذاتها هل هي منافية للتوكل أم لا؟ فهذا موضوع خارج عن العنوان، وهي مسألة أخرى وإن كان موضوعه مهم لكنه ذكره هنا خارج عن العنوان؛ فلنتأمل.
وما كتبته ونقلته من أقوال أهل العلم الذي بينوا أن الاسترقاء مناف لكمال التوكل واضح جلي؛ [ذهب الإمام أحمد والخطابي والقاضي عياض والنووي وابن تيمية وغيرهم من العلماء إلى أن الاسترقاء يقدح في تمام التوكل].

ثم ذكرت أن (القول الثاني: ذهب الطبري والمازري وابن القيم وابن قتيبة وابن عبدالبر والداوودي والقرطبي إلى أن الاسترقاء لا يقدح في تمام التوكل]

وأحلت إلى [انظر : المعلم بفوائد مسلم للمازري – مخطوطة ( 3141 ) – لوحة ( 15 ) والطب النبوي لابن القيم – ص ( 15 ) وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ( 335 ) والتمهيد لابن عبدالبر – 5 / 278 ، وشرح البخاري لابن بطال – مخطوط رقم ( 1110 ) لوحة ( 181 ) والمفهم للقرطبي – مخطوطة – لوحة ( 177 ) وفتح الباري لابن حجر – 10 / 211 –]0

ولم يتيسر لي الرجوع إلى أقوال الذين ذكرتهم نقلاً عن كتاب الرقية، ولكن غالب ظني من بحثي القديم الذي كنتت تتبعت فيه أقوال أهل العلم أن كلامهم في جواز الرقية وأنه لا يخالف التوكل، لا أن الاسترقاء ليس خلاف الأولى؛ فتأمل مراجعهم إن كان عندك.
وأنقل هنا كلام ابن القيم الذي قلت أنه مع الذين يقولون بأن الاسترقاء لا يقدح في التوكل!؟ بل هو مع الذين يقولون: الرقية لا تخالف التوكل، لا الاسترقاء وإليك نص كلامه -وفقك الله- قال: (جَاءَ فِي حَدِيثِ السّبْعِينَ أَلْفًا الّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ َأَنّهُمْ لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ . فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ " لَا يَرْقَوْنَ " غَلَطٌ مِنْ الرّاوِي سَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيّةَ يَقُولُ ذَلِكَ.
قَالَ وَإِنّمَا الْحَدِيثُ "هُمْ الّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ".
قُلْت: وَذَلِكَ لِأَنّ هَؤُلَاءِ دَخَلُوا الْجَنّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، قَالَ{وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ** فَلِكَمَالِ تَوَكّلِهِمْ عَلَى رَبّهِمْ وَسُكُونِهِمْ إلَيْهِ وَثِقَتِهِمْ بِهِ وَرِضَاهُمْ عَنْهُ وَإِنْزَالِ حَوَائِجِهِمْ بِهِ لَا يَسْأَلُونَ النّاسَ شَيْئًا لَا رُقْيَةً وَلَا غَيْرَهَا وَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ طِيَرَةٌ تَصُدّهُمْ عَمّا يَقْصِدُونَهُ فَإِنّ الطّيَرَةَ تُنْقِصُ التّوْحِيدَ وَتُضْعِفُهُ.
قَالَ: وَالرّاقِي مُتَصَدّقٌ مُحْسِنٌ وَالْمُسْتَرْقِي سَائِلٌ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَقَى وَلَمْ يَسْتَرْقِ وَقَالَ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْه.
فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَدِيثِ الّذِي فِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ جَمَعَ كَفّيْهِ ثُمّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ ** قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ** و ** قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ ** و ** قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ ** وَيَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ وَيَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ مَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرّاتٍ قَالَتْ عَائِشَةُ : فَلَمّا اشْتَكَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ فَالْجَوَابُ أَنّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ رُوِيَ بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ . أَحَدُهَا:هَذَا .

وَالثّانِي : أَنّهُ كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ .
وَالثّالِثُ قَالَتْ كُنْت أَنْفُثُ عَلَيْهِ بِهِنّ وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا وَفِي لَفْظٍ رَابِعٍ كَانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوّذَاتِ وَيَنْفُثُ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ يُفَسّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا . وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَضَعْفُهُ وَوَجَعُهُ يَمْنَعُهُ مِنْ إمْرَارِ يَدِهِ عَلَى جَسَدِهِ كُلّهِ . فَكَانَ يَأْمُرُ عَائِشَةَ أَنْ تُمِرّ يَدَهُ عَلَى جَسَدِهِ بَعْدَ نَفْثِهِ هُوَ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِرْقَاءِ فِي شَيْءٍ كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَرْقِيَهُ وَإِنّمَا ذَكَرَتْ الْمَسْحَ بِيَدِهِ بَعْدَ النّفْثِ عَلَى جَسَدِهِ ثُمّ قَالَتْ كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ أَيْ أَنْ أَمْسَحَ جَسَدَهُ بِيَدِهِ كَمَا كَانَ هُوَ يَفْعَلُ) [زاد المعاد، ج4/477-478]

فكلامه واضح في أنه يرى أن الاسترقاء مخالف للأولى، وأما كلامه أن الرقية لا يخالف التوكل فأيضاً واضح، ولا تناقض بين القولين.
ثم ذكرت -بارك الله فيكم- أدلة القائلين بأن الاسترقاء ينافي التوكل؛ فأفدتم في الاستدلال والجمع.

ثم بدأت في ذكر أدلة الفريق الثاني، وأنت تعني الفريق الذي يقول: إن الاسترقاء لا يخالف الأولى، ولا يقدح في كمال التوكل.
وبعد النظر فيما نقلت لم أجد نصاً واحداً من أقوالهم فيه أن الاسترقاء لا ينافي التوكل؛ لأن كلامهم إنما هو في الرقية وأنها لا تخالف التوكل، ومعلوم أن هذا في مطلق الرقية، لا في طلبها فلنتبه.
وأعيد عباراتهم لنتأمل أنها في الرقية لا الاسترقاء، ذكرت حديث اللدغة، وهو في الرقية لا في الاسترقاء، ثم نقلت كلام الشيخ الألباني، وفي كلامه التنصيص على أن الاسترقاء مخالف للأولى [قال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله-: (وفي الحديث استحباب رقية المسلم لأخيه المسلم بما لا بأس به من الرقى ، وذلك ما كان معناه مفهوما مشروعا..
وأما الاسترقاء - وهو طلب الرقية من الغير ، فهو وإن كان جائزا ، فهو مكروه.. ] فتأمل.

ثم ذكرت حديث عوف ابن مالك وهو أيضاً في ذكر مطلق الرقية لا الاسترقاء.

وأما حديث عائشة (هلا استرقيتم له) فهذا فيه جواز الاسترقاء، وليس النزاع في منعه.

وهكذا حديث (نسترقي من العين) فيه جواز الاسترقاء؛ بل عنون له البخاري في صحيحه: باب الرقية من العين، ولم يفهم منه الاسترقاء؛ لأن السين قد تأتي بمعنى الاستقبال المطلق؛ فيفيد: معنى: أن نرقيَ من العين، وهكذا عنون له النووي في صحيح مسلم: باب استحباب الرقية من العين، ولم يقل: استحباب الاسترقاء.. .
ثم نقلت قول الحافظ الذي يدل على مشروعية الرقية[قال الحافظ بن حجر في الفتح: أي يطلب الرقية ممن يعرف الرقى بسبب العين ، وفي الحديث مشروعية الرقية لمن أصابه العين).
وليس فيه دلالة على أن الاسترقاء ليس خلاف الأولى، وكذا نقلت قول البغوي وفيه: [أذن صلى الله عليه وسلم في الاسترقاء] وليس فيه دلالة على أن الاسترقاء ليس خلاف الأولى؛ لأن الشارع قد يأذن في الشيخ وغيره أولى منه.

ثم ذكرت حديث عمران بن حصين، وهو أيضاً في الرقية لا في الاسترقاء.
ثم ذكرت أقوال أهل العلم وكلها فيها التنصيص على أن الرقية جائزة أو لا، وهل هي بخلاف الأولى أم لا؛ فينبغي في -نظري القاصر- أن تغير عنوان الموضوع؛ فتجعله بعنوان: حكم الرقية وهل هي خلاف الأولى أم لا؛ لأن الاسترقاء نفسه ليس فيه خلاف فيما أعلم.
[قال الحافظ بن حجر..وأما الرقية فتمسك بهذا الحديث من كره الرقى والكي من بين سائر الأدوية وزعم أنهما قادحان في التوكل دون غيرهما ..] إذن كلامه في الرقى لا في الاسترقاء.
ثم نقلت كلام ابن القيم وهو أيضاً في الرقية لا في الاسترقاء، [قال ابن القيم - رحمه الله - : وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي وأنه لا ينافي التوكل..] وليس في كلامه ذكر للاسترقاء؛ بل نص كلامه الذي نقلته واضح في أن الاسترقاء خلاف الأولى، ويؤكد هذا قوله الذي نقلته وفيه: [وما يشعر به الحديث من مزيتهم وفضلهم على غيرهم، يمكن أن يرجع إلى رقي درجتهم في التوكل على الله، وهي الدرجة التي لا يلتفت فيها العبد بقلبه إلى الأسباب كلية ، وإن باشرها بجوارحه].
ثم نقلت كلام النووي وهو أيضاًُ في الرقية لا في الاسترقاء فليس فيه حجة على أن الاسترقاء ليس خلاف الأولى، ومثله كلام ابن الأثير، وابن عبد البر، وابن قتيبة، والقرطبي، والمناوي، والشوكاني، والشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ ابن عثمين، كل كلامهم إنما هو في الرقية وأنها لا تخالف التوكل، لا في الاسترقاء.
وفي كلام الشيخ ابن حسن: [..إنما المراد أنهم يتركون الأمور المكروهة مع حاجاتهم إليها ، توكلا على الله تعالى ، كالاكتواء والاسترقاء ، فتركهم له لكونه سببا مكروها ، لا سيما والمريض يتشبث - فيما يظنه سببا لشفائه - بخيط العنكبوت..] فهذا نص منه أن الاسترقاء خلاف الأولى.
وفي الأخير نقلت كلام الشيخ العلياني وفيه أن الرقية جائزة ولا تخالف التوكل، وليس فيه تطرق إلى الاسترقاء!؟
[قال الدكتور علي بن نفيع العلياني: فالحاصل أن التداوي بالرقى من كتاب الله ، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتنافى مع التوكل ، لأن الله - عز وجل - جعل الرقى سببا في دفع مكروهات كثيرة..]
ثم ذكرت أن[خلاصة بحث هذه المسألة: والذي أراه راجحا في هذه المسألة هو القول الثاني الذي يوضح أن الرقية لا تقدح في تمام التوكل على الله سبحانه وتعالى ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم رقى نفسه وغيره وأقر الصحابة على فعلهم لهذا الأمر] هل مسألة البحث الرقية تخالف التوكل، أو الاسترقاء، إن كانت الرقية؛ فخلاصتك صواب، وإن كانت المسألة الاسترقاء فلا يدل عليه شيء مما ذكر.
ثم أوردت إشكالات وحاولت الرد عليها لبيان أن الاسترقاء ليس بخلاف الأولى، مع أن كلام أهل العلم أنه خلاف الأولى؛ فنكتفي بهذا، ولا داعية لإيراد هذه الإشكالات مع وضوح النصوص الدالة على أهمية منع القلب من الميل إلى أحد غير الله تعالى.
والله أسأل أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم، وأن يبارك في جهودكم، وأن يوفقنا لاتباع الحق، والقول به.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة