فقصر السحر على ذكر نوع منه [1]
وعرفه أحد العلماء المعاصرين تعريفًا جمع فيه القسمين فقال: "هو عبارة عن أمور دقيقة موغلة في الخفاء، يمكن اكتسابها بالتعلم، تشبه الخارق للعادة وليس فيها تحد، أو تجري مجرى التمويه والخداع تصدر من نفس شريرة تؤثر في عالم العناصر بغير مباشرة أو بمباشرة" [2]
هل للسحر أنواع تتباين في ماهيتها، وتبعًا لهذا التباين هل يفترق الحكم؟
اعلم أن أنواع السحر التي عددها أهل العمل لا تخرج عن هذه الأقسام الثلاثة:
1- السحر الحقيقي
2- السحر التخيلي
(وهذان لا يتمان إلا بالكفر والعبودية للشيطان).
3- السحر المجازي
القسم الأول: السحر الحقيقي:-
وهو كل سحر كان له أثر حقيقي وملموس في الخارج، وأنواعه كما يلي:-
النوع الأول: ما يكون بغير معين خارجي:
بل بهمة النفس وقوتها وقدراتها الروحية، وهو سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية الخبيثة الفاسدة [3]، وبناءً عليه يقوم الساحر بأقوال وأفعال مخصوصة تقوي النفس حتى تؤثر في الآخرين بقدرة الله تعالى. ولا بد لهم لتحقيق ذلك من رياضيات بليغة واجتهادات ومجاهدات عسيرة؛ كتقليل الغذاء، والانقطاع عن الناس وغيرها.
وَمِنْ خَوَاصِّ النُّفُوسِ مَا يَقْتُلُ؛ فَفِي الْهِنْدِ جَمَاعَةٌ إذَا وَجَّهُوا أَنْفُسَهُمْ لِقَتْلِ شَخْصٍ مَاتَ، وَيُشَقُّ صَدْرُهُ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ قَلْبُهُ، بَلْ انْتَزَعُوهُ مِنْ صَدْرِهِ بِالْهِمَّةِ وَالْعَزْمِ وَقُوَّةِ النَّفْسِ، وَيُجَرَّبُونَ بِالرُّمَّانِ فَيَجْمَعُونَ عَلَيْهِ هِمَمَهُمْ فَلَا تُوجَدُ فِيهِ حَبَّةٌ، وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ كَثِيرَةٌ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَإِلَيْهِ مَعَ غَيْرِهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) الْحَدِيثَ، وَلَيْسَ كُلُّ
[1]المغني لابن قدامة المقدسي, ص150, م/8
[2]حقيقة السحر وحكمه في الإسلام، الدكتور عواد بن عبد الله المعتق, ص/2.
[3] أبو عبد الله الرازي, التفسير الكبير, (م/3 ,ص208)
أَحَدٍ يُؤْذِي بِالْعَيْنِ، وَاَلَّذِينَ يُؤْذُونَ بِهَا تَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُمْ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَصِيدُ بِالْعَيْنِ الطَّيْرَ فِي الْهَوَى وَيَقْلَعُ الشَّجَرَ الْعَظِيمَ [1]
وقد أخرج البزار بسند حسن عن جابر رفعه (أكثرُ من يموت بعد قضاءِ اللهِ وقدرهِ بالنفس)، قال الراوي: يعني بالعين.
ومعلوم أن النفوس الخبيثة لها آثار بإذن الله تعالى، ومن أصرح الأدلة الشرعية في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين)، وهذا الحديث الصحيح يدل على أن همة العائن وقوة نفسه في الشر جعلها الله سببًا للتأثير في المصاب بالعين [2]
النوع الثاني: هو السحر الذي يستعان عليه بمعين خارجي:
أولا: الاستعانة بالأرواح الأرضية، وهم الشياطين من الجن، واتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية؛ لما بينها من المناسبة والقرب، ثم إن أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا أن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن والتجريد[3]
فيقوم الساحر بتسخير الجن، ويعزم عليهم بالعزائم؛ ليطيعوه، ويتقرب لهم بما يحبونه من الكفر والشرك، فيقضوا له أغراضه، فقد يكتب الساحر كلام الله بالنجاسات أو يكتبه مقلوبًا وغير ذلك.
ثانيًا: الاستعانة ب******ات الكواكب والأفلاك والأجرام السماوية كما يزعمون، ويدخل من ضمنه أنواع عدة:
- سحر الكلدانيين والكشدانيين، الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة، وهي السيارة، وكانوا يعتقدون أنها مدبرة العالم، وأنها تأتي بالخير والشر [4]، وهو سحر أهل بابل الذين بعث الله لهم إبراهيم عليه السلام رادًّا على ادعاءاتهم، وداحضًا لشبهاتهم، وهم يزعمون أن الكواكب السبعة هي المدبرة للكون والمتصرفة فيه، ومنها تصدر الخيرات والشر والسعادة والنحوس،
[1]شهاب الدين القرافي, كتاب أنوار البروق في أنواع الفروق, الفرق242
[2] محمد الأمين الشنقيطي, أضواء البيان, (م/4, ص/445)
[3] أبو عبد الله الرازي, التفسير الكبير، (م/3, ص/211)
[4]أبو عبد الله الرازي, التفسير الكبير، (م/3, ص/211)