عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 05-09-2005, 07:31 AM   #48
معلومات العضو
ابن حزم
إشراقة إدارة متجددة
 
الصورة الرمزية ابن حزم
 

 

افتراضي

الفئة الخامسة: أحاديث مبنية على النص القرآني:

أ- فمن ذلك أحاديث التداوي بالعسل، منها حديث البخاري عن جابر بن عبد الله أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " إن كان في شيء ، من أدويتكم خير ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار توافق الداء. ولا أحب أن أكتوي ". وإنما قلنا إنها حجة لكونها أخذا بنص القرآن: ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ).



ب - ومنها ما روى عمر بن الخطاب عند أحمد والترمذي والحاكم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " كلو! الزيت وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة " فإنه ينظر إلى قوله تعالى: ( وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين ) .



الفئة السادسة: أحاديث فيها ذكر أدوية أو معالجات يخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه علمها بطريق الوحي ، أو إخبار الملائكة ، أو أن الله يحبها، أو يكرهها، و نحو ذلك.

وإنما كان هذ ا النوع من الأدوية صحيحا ومشروعا لأنه منسوب إلى الله تعالى أو ملائكته. وقد تقدم قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث تأبير النخل " ما حدثتكم عن الله فخذوا به، وما حدثتكم من رأي فإنما أنا بشر أخطىء وأصيب " فهذه الفئة منضمة إلى ما حدثنا به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الله تعالى من سائر أمور الدين، فلزمنا العمل به، سواء كان نهيا، فيمنع التداوي به، أو أمرا فيكون دواء مقبولا.



أ- فمن ذلك أحاديث الأمر بالتداوي وأصل العمل بالطب كما تقدم في الفئة الأولى لأن فيه " أن الله ما أنزل من داء إلا " أنزل له شفاء " فأسند ذلك إلى الله تعالى، ومنها أحاديث النهي عن التداوي بالمحرمات كما تقدم في الفئة الثانية ، كما في رواية " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ".

ب- ومنها ، حديث أبي هريرة عند أحمد وأبي داود والحاكم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " إن كان في شيء مما تتداوون به خير فالحجامة " في رواية ابن مسعود أنه قال: " ما مررت ليلة أسري بي بملأ من الملائكة إلا قالوا: يا محمد بشر أمتك بالحجامة " رواها الترمذي. وروى مثلها أحمد والحاكم من حديث ابن عباس مرفوعا. وأحاديث الأمر بالحجامة كثيرة ، ولكن ليس في شيء منها إسناد الخبر عنها إلى الملائكة، إلا رواية ابن مسعود، فإن صحت رواية ابن مسعود، وإلا تكون أحاديث الحجامة كلها من النوع الثاني، وهو ما لا حجة فيه. ويشترط في هذه الأحاديث التي وردت في هذه الفئة كي تكون حجة في باب الطب أن يكون الحديث على درجة عالية من الصحة، لأن تطبيقه على الأجسام الإنسانية قد يكون فيه ضرر كبير، فإن وقع الضرر فلا يكون للطبيب عذر أن يتبين كون العلاج مبنيا على حديث صحيح ظاهرا لكنه في الحقيقة موهوم أو مكذوب .

النوع الثاني وهو مالا حجة فيه من أحاديث الطب وهو سائر الأحاديث النبوية الواردة في الطب والعلاج ، وليس فيها ما يشعر أنها من قبل الله تعالى، أو أنها من قبيل الشرع، ونحن نذكر جملة من تلك الأحاديث على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر:

ا- فمنها حديث: " أصل كل داء البردة " رواه ابن السني وأبو نعيم في " الطب " والدار قطني في " العلاج "، من حديث علي وأبي سعيد وأنس بن مالك. البردة : برودة المعدة.

2- ومنها حديث مقدام بن معد يكرب عند أحمد والترمذي مرفوعا "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وتلث لنفسه. " ومنها حديث.... عند الإمام أحمد مرفوعا " كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ المعدة "

3- ومنها أحاديث الحجامة، كما تقدم في الفئة السادسة من النوع الأول، إن لم يصح الحديث بأن الملائكة أمروا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها . فمنها قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " إذا اشتد الحر فاستعينوا بالحجامة ... " رواه الحاكم الحاكم من حديث أنس .

4- ومنها حديث أبي هريرة عند أحمد وأبي داود مرفوعا " إن كان في شيء مما تتداوون به خير فالحجامة " . في أحاديث مختلفة جمعها صاحب كنز العمال ، أن الحجامة تذهب الدم ، وتجلو البصر، وتجف الصلب، وتنفع من وجع الرأس و الأضراس ، والنعاس، والبرص ، والجنون. وروى عبد الرزاق من حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن يهودية قدمت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في خيبر طعاما مسموماً فأكل منه ، وأكل منه بعض اصحابه . وفي القصة أن الوحي أخبره بالسم فاحتجم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثلاثة على الكاهل ، وأمر أصحابه أن يحتجموا ، فاحتجموا فمات بعضهم .

5 - ومنها حديث ابن عباس عند الترمذي والحاكم ، وحديث ابن مسعود عن الترمذي وأبي نعيم في الطب " إن خير ما تداويتم به اللدود والسعوط والحجامة والمشي ، وخير ما اكتحلتم به الإثمد ، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر " . اللدود : هو الدواء الذي يسقاه المريض من أحد جانبي الفم . والمشي : الإسهال . والمراد أخذ المسهل .

6- ومنها حديث أنس عند مالك وأحمد مرفوعا " أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري " القسط البحري : عود يجاء به من الهند ، يتبخر به النساء والأطفال. وقيل هو العود المعروف (كذا في لسان العرب) أي هو عود الطيب الهندي .

7- ومنها. حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا عند أحمد والبخاري ومسلم وأبي داود " من تصبح كل يوم بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر. " وحديث عائشة مرفوعا عند مسلم " إن في عجوة العالية شفاء ، وإنها ترياق أول البكرة ." (العالية القرى والحوائط التي بجوار المدينة المنورة من جهتها العليا من جهة نجد ، والسافلة ما كان من أسفلها من قبل البحر ، والترياق دواء السم ) . وحديث عائشة مرفوعا أيضا عند ابن عدي وأبي نعيم في " لطب " : " ينفع من الجذام أن تأخذ سبع ثمرات من عجوة المدينة كل يوم ، تفعل ذلك سبعة أيام " .

8 - ومنها حديث سعد مرفوعا عند أبي داود " إنك رجل مفؤود ، ائت الحارث ابن كلدة أخا ثقيف ، فإنه رجل يتطبب ، فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة ، فليجأهن بنواهن ، ثم ليدلك بهن " .

9 - ومنها حديث ابن عباس مرفوعا ، عند أحمد والبخاري ومسلم " الحمى من فيح جهنم فابردوها بالماء " وروى مثله عن ابن عمر وعائشة ورافع بن خديج وأسماء بنت أبي بكر .

10 - وحديث عائشة أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مرض موته " صب عليه من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن" .

فهذه الأحاديث المذكورة في هذا النوع الثاني، ونحوها من الأحاديث التي تدخل في صلب الأمور الطبية والعلاجية، لا ينبغي أن تؤخذ حجة الطب والعلاج ، بل مرجع ذلك إلى أهل الطب ، فهم أهل الاختصاص في ذلك، وقد يتبين في شيء من هذه الأحاديث الخطأ من الناحية الطبية الصرفة، وكما قال القاضي عياض: ليست في ذلك محطة ولا نقيصة، لأنها أمور اعتيادية يعرفها من جربها وجعلها همه وشغل بها، ولذا يجوز على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها ما ذكرنا - يعني الخطأ والصواب إثبات فاعلية هذه الأدوية والمعالجات: إنه وإن قلنا في أحاديث هذا النوع الثاني وأمثالها إنها ليست حجة في الأمور الطبية، فإنه لا ينبغي مع ذلك إطراحها بالكلية ، بل ينبغي أن تثير احتمالا بالصحة، كسائر الأقوال الطبية المأثورة عن أهل التجارب والمعرفة من غير أهل الاختصاص، بل هي أولى منها ، للشبهة في أنها قد تكون مبنية على الوحي، ولو كانت شبهة ضعيفة، ولذا أرى أن تخضع للتحليل وللتجارب على الأسس المتعارفة عند أهل الاختصاص. فإن و جدت صالحة أدخلت حيز العمل ، و يكون التحليل والتجريب هو الحجة في صلاحيتها، دون كونها مما ورد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وخاصة وأن الكثير منها لا يثبت من حيث الرواية بطريق القطع أو شبهه على الوجه الذي تقدم بيانه في آخر الكلام على أحاديث النوع الأول، فالحاجة إلى إثبات صلاحيتها أو عددها قائمة أيضا لهذا المعنى ، وإن لم تثبت صلاحيتها أو ثبت ضررها فلا مانع من بيان ذلك للجمهور لئلا يستمر العمل بها.

تناول الأدوية المأثورة على أساس الاعتقاد الإيماني : إن ابن خلدون رحمه الله بعد كلامه من أن الطب المنقول في الشرعيات عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا ينبغي أن يحمل على أنه مشروع، وأنه ليس هناك ما يدل على ذلك ، تابع كلامه قائلا " إلا إذا استعمل على جهة التبرك وصدق العقد الإيماني ، فيكون له أثر عظيم في النفع ، وليس ذلك في الطب المزاجي ، وإنما هو من آثار الكلمة الإيمانية " . وقال ابن حجر " استعمال كل ما وردت به السنة بصدق ينتفع به من يستعمله، وبدفع الله عنه الضرر بنيته، والعكس بالعكس " ولعله يعني بالعكس أن من استعمل الأدوية المذكورة مع عدم تصديق بها ولا يحصل بفائدتها لا يحصل له انتفاع بها. وفي بعض كلام ابن حجر في فتح الباري تشبيه ذلك بالشفاء القرآني لما في الصدور، كما قال الله تعالى ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) أي فكما أن مواعظ القرآن لا ينتفع بها إلا من كان مؤمنا بالقرآن وهدايته ، فكذلك الأدوية النبوية للأجسام لا ينتفع بها إلا من كان مؤمنا بنفعها لصدورها عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.



والذي نقوله أنه لا شك أن من فضائل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يجوز التبرك بآثاره والاستشفاء بها، فقد نقل أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعا بقدح فيه ماء ، فغسل يديه ووجهه ومج فيه، ثم قال لأبي موسى وبلال: اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركم ، وتوضأ وصب على جابر . ثبت ذلك في صحيح مسلم ومسند أحمد من حديث أسماء بنت أبي بكر . وحنك بعض صبيان الأنصار بالتمر. وكل هذا من خصائصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يتبركوا بأفاضلهم. وليس في الأمة بعد نبيها أفضل من أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، فلم ينقل عن أحد من الصحابة، ولو حادثة واحدة، أنهم تبركوا بهؤلاء الأولياء الأربعة أو غيرهم فهذا إجماع منهم على الترك .




إذا علم هذا فهل يكون ما ورد من النبي صلى الله عليه وسلم من المعالجات الطبية هو من جنس آثاره وملابسه ونحو ذلك ، حتى يستشفى بها ؟

يبدو أن في هذا نظرا ، فإنه لما ثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبه على أن ما يصدر عنه في مثل ذلك هو مجرد رأي يراه ، وأنه بشر يخطيء ويصيب ، وأن الناس يأخذون من كلامه في الشؤون الدنيوية بما حدث به عن الله تعالى ، وأما ما حدث به من قبل نفسه فهم أعلم بدنياهم ، فكيف يتساوى ما نبه على عدم نفعه من الشؤون التي قالها من عند نفسه ، مع ما أذن فيه من التبرك بآثاره ـ صلى الله عليه وسلم ـ. ثم إن الصحابة الذين تركوا تأبير النخل إنما تركوه تصديقا لرسول الله : ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإيمانا به ، وعملا بقوله ، ومع ذلك خرج ثمره ذلك العام شيصا ، أي تالفا غير صالح، ولم يأت إيمانهم وتصديقهم كافيا ليصلح به الثمر، لأنه ليس في الحقيقة سببا لذلك . ولذلك فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صحح لهم اعتقادهم ، وأعلمهم أنهم ما كان لهم أن يأخذوا بقوله في ذلك، فإن ذلك من شؤون الدنيا وهم بها أعلم. فكذلك هذه الأمور الطبية الصرفة ، هي من صميم الأمور الدنيوية ، لا يكفي فيه مجرد الإيمان- التصديق مع كونها ليست أسبابا في حقيقة الأمر . وأما القياس على الشفاء القرآني بالمواعظ فهو قياس فاسد ، فإن مواعظ القرآن من لم يصدق بها لا يستمع إليها ، وإن استمع إليها فإنه لا يقبلها ولا يعمل بها، فكيف تنفعه؟ كالدواء المادي إذا لم يتناوله المريض لا ينفعه. أما إن تناوله فإن تأثيره في الأجسام لا يختلف بالتصديق وعدمه. والله أعلم


نقلا عن اسلام اون لاين


http://www.islamonline.net/complete...p?hFatwaID=1764

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة